أتحفتنا الدورة الخامسة لبانوراما الفيلم الأوروبى بالقاهرة بعرض الفيلم الإيطالى البديع «cesare deve morire» أو قيصر يجب أن يموت، للمخرجين الكبيرين الأخوين تافيانى، اللذين قدما من قبل أعمالاً لا تنسى مثل: الأب السيد وليلة القديس لورنزو. العمل الكبير الفائز بجائزة الدب الذهبى بمهرجان برلين السينمائى لهذا العام، وجائزة دافيدونا تيللو لأفضل مونتاج وأفضل فيلم والشريط الفضى من جمعية النقاد الإيطاليون، يرقى بالفعل إلى مستوى التحفة السينمائية. حكايته تبدو بسيطة، ومأخوذة عن تجربة حقيقية عندما تم تدريب قضايا التهريب والقتل على تمثيل مسرحية شكسبير ذائعة الصيت «يوليوس قيصر»، ولكن هذا الحدث البسيط الذى قد يتحول إلى فيلم ممل أقرب إلى الأفلام التسجيلية الفاشلة يتحول على يدى الثنائى الكبير «باولو» وفيتوريوتافياتى إلى رحلة للتأمل على أكثر من مستوى: علاقة السينما بالمسرح، علاقة الممثل بالدور الذى يؤديه، علاقتنا مع مسرحيات سيد الدراما وليام شكسبير، دور الفن فى تغيير الإنسان وإطلاق طاقاته ومواهبه اكتشاف عالم السجون واشتغالات السجن كمكان لإبداع مسرحية شديدة الصعوبة، يكفى أن دور «بروتس» فى الفيلم الشهير «جيمس ميسون»، ولعب دور مارك أنطونيو النجم الشهير الراحل مارلون براندو، الآن سنشاهد مقاطع كاملة من المسرحية بأداء اثنين من المساجين!. يبدأ الفيلم بمشهد محاولة انتحار بروتس بعد هزيمة جيوشه فى موقعة فيليبى، ثم نجاحه فى إقناع أحد اتباعه بقتله، ثم مشهد جثة بروتس الذى وصفه أعداؤه بأنه رجل عظيم قتل قيصر من أجل روما وليس من أجل مطمع شخصى، وفى المشهد الثالث نكتشف أن الممثلين ليسوا سوى مساجين يُعادون إلى الزنازين، نعود بعد ذلك فى فلاش باك طويل إلى بداية التجربة عندما يذهب المخرج «كافالى» إلى سجن مُشدد الحراسة، ويخبر المساجين بأنه يقترح أن يُقدموا هذه المرة مسرحية يوليوس قيصر مما يدل على أن التجربة متواصلة وناجحة، نشاهد بالتفصيل كاسستنج المسرحية أو عملية اختيار الممثلين مع بعض التحوير حيث يقوم مسجون رجل بدور العّرافة التى تحذر قيصر من الخروج، ثم يتم اجراء بروفات مذهلة لمشاهد من المسرحية العظيمة باستغلال حجرات وطرقات السجن، وبدرجة ترقى إلى اعتبار ماشاهدناه أقرب إلى الرؤية المختلفة لمسرحية «يوليوس قيصر» يحدث نوع من التعليق من كل ممثل على دوره، بل إنهم يناقشون موقف كل شخصية، ويتم الربط الذكى بين شخصية، بروتس والسجين الأصلى الذى يقوم بدوره، فى مشاهد العرض المسرحى الذى يحضره المئات، ننتقل من مشاهد الأبيض والأسود إلى اللقطات الملونة القليلة فى الفيلم، ويختتم الفيلم البديع بمشهد عودة السجين الذى قام بدور «كاسياس» إلى زنزانته، يواجه الكاميرا ويقول لنا بأسى: منذ أن عرفت الفن.. تحوحلت الزنزانة، بالنسبة لى إلى سجن وهنا معنى الفيلم كله الذى يعتبر تحفة فنية للفن حيث تخبرنا عناوين النهاية أنه جعل اثنين وجعل الثالث يحصل على عفو ليتحول بالفعل حالياً إلى ممثل محترف. «مات يوليوس قيصر»، ولكنه جعل الآخرين يعيشون بالفن».