جاء إعلان الحكومة الفلبينية عن توصلها إلى اتفاق سلام مع جبهة تحرير «مورو» الإسلامية الانفصالية بمثابة بشرى سارة للشعب الفلبينى، إذ يمهد هذا الاتفاق إلى إسدال الستار على صراع دموى، استمر لأكثر من 40 عاما، وخلف وراءه حوالى 120 ألف قتيل. وكشف الرئيس الفلبينى «بنينو أكينو» عن اتفاق شبه نهائى تم التوصل إليه برعاية ووساطة من الحكومة الماليزية بعد محادثات طويلة بين الجانبين بالعاصمة كوالالمبور، وسينتج عن هذا الاتفاق إنشاء كيان سياسى جديد فى جنوب البلاد يتمتع بالحكم الذاتى، وبالتحديد فى إقليم «مندناو» ذى الكثافة الإسلامية والأقلية المسيحية الكاثوليكية تحت مسمى «بانجسامورو» بمعنى «الأمة المسلمة» ليكون بديلا عن منطقة الحكم الإسلامى الحالية والتى لم تلتزم بها الحكومات الفلبينية السابقة، وسيستغرق تنفيذ هذا الاتفاق أربعة أعوام قادمة أى قبل نهاية حكم الرئيس الحالى فى عام 2016. وطبقا للاتفاقية، سيتمتع مسلمو الجنوب بصلاحيات سياسية واقتصادية واسعة، وسوف تضمن لهم الحصول على نصيب الأسد من الثروات الطبيعية بالإقليم، مع الإبقاء على صلاحيات الحكومة الفلبينية فى مجالات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية وإصدار العملة والتجنيس. وستظل المبادىء العامة والرئيسية للدستور الفلبينى هى الحاكمة بالإقليم بشكل عام لضمان وحدة الدولة، علما بأن الاتفاقية التى ينتظر التوقيع عليها بشكل مبدئى فى منتصف الشهر الجارى بالعاصمة مانيلا لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة البرلمان عليها وخضوعها لاستفتاء شعبى. وعقب الإعلان عن الاتفاق سادت حالة من الارتياح النسبى داخل وخارج الفلبين مع الانقسام بين متفائل ومتشائم، إلا أن الجميع أجمع على أن الاتفاق لا يتعدى كونه معاهدة إطارية وخارطة طريق. ويرى مسئول الشئون السياسية لجبهة مورو الإسلامية، أن الاتفاق النهائى لم يتم بعد مع وجود قضايا مهمة لم يتم الاتفاق عليها منها مساحة أراضى الكيان الإسلامى الجديد، فى حين اعتبر البعض الآخر من الفلبينيين أن هذا الاتفاق بمثابة إنجاز كبير بعد صراع دموى طويل تتطلع من خلاله الحكومة الفلبينية إلى توفير الأمن الدائم وزيادة الاستقرار فى البلاد بما يساعد على مزيد من التقدم الاقتصادى، خاصة مع الحصول على قدر من المكاسب الاقتصادية من خلال الثروات الطبيعية الوفيرة بجنوب البلاد، بالإضافة إلى نجاحها فى جعل جبهة مورو الإسلامية للتحرير تتخلى عن فكرة الانفصال عن البلاد الأمر الذى يراه البعض إنجازاً فى حد ذاته. ويعتقد الكثير من المحللين أن هناك من العوامل المتوافرة ما يكفى لمزيد من التوافق بين الحكومة والمسلمين بما يجعل من الاتفاقية حقيقة على أرض الواقع، فالحكومة تسعى إلى مزيد من التقدم والرخاء الاقتصادى وجذب الاستثمارات الأمر الذى لايتحقق إلا فى وجود مناخ سياسى وأمنى أفضل. وعلى الجانب الآخر توجد انقسامات شديدة داخل جبهة مورو وظهور جماعات انفصالية تحررية جديدة وعلى رأسها الجماعة الأكبر عددا جبهة مورو الوطنية والجماعة الأقوى والأشرس جبهة أبو سياف، مايجعل جبهة تحرير مورو فى حالة ماسة لإنهاء الصراع فى أسرع وقت، ولكن تظل العقبة الرئيسية لنجاح قيام الكيان الإسلامى الجديد هو توافق الجماعات الانفصالية. ويبلغ عدد المسلمين فى الفلبين ما يزيد على 8 ملايين نسمة، يشكلون نسبة 10% من إجمالى السكان، يعيش منهم ما يقارب 5 ملايين نسمة فى إقليم مندناو جنوب البلاد. وتعود مأساة مسلمى الفلبين بجذورها إلى منتصف القرن الماضى وبالتحديد فترة الأربعينات عندما احتل اليابانيون جنوب الفلبين وشنوا ضدها حملات إبادة واسعة وعقب الاستقلال مارست الحكومات الفلبينية المتعاقبة كافة أشكال الاضطهاد تجاه مسلمى الجنوب حتى وصل عدد المذابح المرتكبة ضدهم 417 حادثة.