قبل أسابيع قليلة زرت السفارة الأمريكية فى طهران وشاهدت “أحدث” أجهزة التجسس داخل السفارة.. آنذاك! وتذكرت أحداث اقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز الرهائن والأزمة الكبرى التى صاحبتها. وفى ذات الوقت استرجعت مشهد اقتحام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة قبل شهور.. وكيف ثارت أزمة حادة بين البلدين بسبب عملية الاقتحام وما صاحبها من بث مباشر لعملية الاقتحام.. وتطاير الوثائق “السرية” فى الهواء! كما عادت إلى ذاكرتى عمليات اقتحام سفارات النظم البائدة لليبيا وتونس.. فى دول كثيرة، تذكرت كل هذا مع محاولة اقتحام السفارة الأمريكية فى القاهرة وإحراق القنصلية الأمريكية ومقتل السفير الأمريكى وبعض الأمريكيين فى بنغازى. وتزامنت عمليات الاقتحام مع ذكرى أليمة للأمريكان وللعالم الغربى.. هى ذكرى 11 سبتمبر.. ولست أدرى هل هى مصادفة.. أم مخطط مقصود من حيث التوقيت والأهداف.. والدلالات؟!. والحقيقة أننا لا يمكن أن نفصل ما حدث للمصالح الأمريكية فى العالم عن تجاوزات بعض المتطرفين الأمريكيين والأقباط فى المهجر، وهم بكل تأكيد لا يعبرون عن عموم أشقائنا المسيحيين، بل يتم استغلالهم وتوظيفهم بواسطة اللوبى الصهيونى وجهات متطرفة لخدمة مصالح معينة.. بل ولتحقيق استراتيجيات أعداء الأمة عموماً.. ومصر تحديداً. فكم سعدت برفض الغالبية الساحقة من أقباط المهجر.. ومسيحيى مصر لهذا الفيلم القذر الذى يسىء لرسولنا الأكرم.. عليه أزكى الصلوات والتسليمات.. فالإساءة مرفوضة لأى شخص.. أياً كان.. فما بالنا بخير الأنام وخاتم الأنبياء والمرسلين! ونحن حينما نقول ذلك.. فإن مكانة الرسل جميعاً محترمة ومقدرة ورفيعة فى قلوبنا وعقولنا.. من آدم.. إلى محمد عليهم السلام. بل إننا نعتقد أن الإساءة للنبى الأكرم هى إساءة لكل البشر.. وللمسيحيين.. قبل المسلمين.. لأنه صاحب أعظم الرسالات، ومثلما أشار المطران منير أنيس إلى أن تعاليم الكتاب المقدس تحرم الازدراء وإهانة أى إنسان.. كما أعرب عن أسفه لعدم وجود ضوابط لحرية التعبير فى الدول الغربية مما جعل البعض ينشرون أفلاما وكتباً مسيئة للرموز الدينية. وقد أصاب المطران منير أنيس عندما أشار إلى «انعدام الضوابط لحرية التعبير فى الدول الغربية»، والحقيقة أن كثيراً من هذه الدول فتحت كل الأبواب (على البحرى) لكل انحلال وانحراف.. وأصبحت ترعى فضائيات ومواقع إباحية وتوفر لها كل أنواع الدعم والحماية.. بينما تحارب كل من يدعو إلى الفضيلة واحترام القيم الإنسانية النبيلة. إن هذا الوضع يشير إلى مدى الخلل الجسيم الذى وصلت إليه المجتمعات الغربية.. باسم القانون وحرية التعبير. إن الفيلم الذى أثار كل هذه الموجات من الاحتجاجات جرى على أرض غربية.. وبرعاية غربية - حتى لو بدت غير مباشرة - ولكنها فى النهاية سمحت بظهوره ووفرت له وسائل النشر والانتشار، وقد كتبت قبل سنوات مقالاً بعنوان (حتى لا يتكرر 11 سبتمبر!). وأشرت فيه إلى أن سياسات الغرب عموماً.. وإسرائيل والولاياتالمتحدة تحديداً.. هى التى تصنع الإرهاب وهى التى تذكى نيران التطرف والتعصب، ولا يمكن أن ننسى أن نشأة «القاعدة» وأمثالها بدأت فى أحضان العواصمالغربية وبتمويل ورعاية غربية، ثم انقلب السحر على الساحر وحرق أصابع صانعيه.. يوم 11 سبتمبر.. وبعد ذلك التاريخ أيضاً. ومن المؤكد أن الأمريكيين والصهاينة يربطون- عمداً- بين الاعتداءات على السفارات الأمريكية فى أنحاء العالم.. ويتناسون أنهم أصل المشكلة وصُنّاع الشر الحقيقيون! فلو تم وأد الفتنة فى مهدها.. لو لم يسمحوا لأمثال المعتوه «تيرى جونز» بتكرار جرائمه ضد الإسلام والقرآن ورسولنا الأكرم.. لو لم يسمحوا لمتطرفى أقباط المهجر بإنتاج هذا الفيلم المُشين.. لما حدثت كل هذه الاحتجاجات التى جاءت كرد فعل.. على فعل شائن للحضارة الغربية وللدول التى سمحت به.. قبل أن يكون مسيئاً لنا كمسلمين ومسيحيين. وعلى الغرب أن يدرك أن سياساته تجاه العالم العربى والإسلامى يجب أن تتغير وأن تعلم تلك الدول أن هناك واقعاً جديداً قد نشأ ويتطور وبسرعة فائقة.. يجب أن يستوعبوه ويسايروه.. قبل أن تتجاوزهم الأحداث. كما أن الإعلام الغربى يقوم بدور خطير فى إثارة الفتنة - عمداً- فهو الذى يرعى هذه الأبواق الناعقة ويطلق العنان لرؤوس الثعابين.. وفى ذات الوقت يمنع أى صوت عادل ومنصف من الظهور. فكم من صحفيين وإعلاميين تمت إقالتهم من مناصبهم لمجرد كلمة حق قالوها فى حق القضية الفلسطينية.. وضد الهيمنة الصهيونية. لذا فإن أعلام الفكر والسياسة الغربيين مطالبون بأن يقودوا حركة التنوير فى العالم الغربى.. وأن ينشروا الحقائق عن الإسلام والمسلمين والرسول الكريم.. وإن لم يفعلوا ذلك.. فليصمتوا.. على أقل تقدير.. وإلا فسوف يكونون شركاء فى جريمة تزوير الواقع والافتئات على الحقيقة. وهناك رسالة مهمة قدمها الإخوة الأقباط الشرفاء فى الداخل والخارج بموقفهم الرافض لإساءة هؤلاء السفهاء للرسول الأعظم.. مفادها أننا نسيج واحد.. وأمة واحدة.. لا يفرقها موريس «الكاذب» أو زقلمة «الفاسد».. فهؤلاء سوف يذهبون إلى مزبلة التاريخ. وهم يسيئون إلى أنفسهم.. قبل أن يسيئوا إلى الرسول الكريم.. ونحن نطالب أقباط المهجر الشرفاء بأن يتخذوا الإجراءات القانونية ضد زقلمة وموريس ومقاضاتهما بتهمة ازدراء الأديان.. طبقاً لمواثيق الأممالمتحدة، ويجب أن تعزلهم الدول الغربية فعلياً وقانونياً.. كما تفعل مع كل من يهاجم المحرقة اليهودية!! أما على مستوى العلاقات المصرية الأمريكية.. فقد تحدثت إلى مسئول مصرى رفيع عن مدى تأثير محاولة اقتحام السفارة على علاقات البلدين.. فقال لى: «إن تأثيرها محدود.. ولن يستمر طويلاً، وقد تحدثنا مع الجانب الأمريكى الذى تفهم هذا الوضع ووجهة النظر المصرية». ومع ذلك.. يجب على الجانب الأمريكى أن يدرك أن العلاقات مع مصر لن تقوم إلا على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدولتين، فقد انتهى إلى الأبد عهد التبعية والهيمنة وفرض الشروط والإملاءات، ويجب أن نبدأ علاقة جديدة تقوم على التعاون والشراكة الحقيقية، فنحن لا نريد مساعدات اقتصادية.. كادت تنزوى وتتراجع.. بل نريد استثمارات ومشاريع اقتصادية توفر فرص عمل حقيقية للمواطن البسيط. بل إننا نتطلع إلى أن تكون العلاقة المصرية الأمريكية بعد الثورة وبعد 12 أغسطس نموذجاً يحتذى فى الاحترام والشفافية والنزاهة، وحتى يتحقق هذا الهدف يجب أن تهجر الولاياتالمتحدة بعض أقباط المهجر وأن تبتعد عن الكيل بمكاييل عديدة.. وإذا كانت هناك محاولات لاقتحام السفارة الأمريكيةبالقاهرة.. فإننا نريد اقتحام عوائق العلاقات وإزالة الرواسب القديمة البالية التى صنعها النظام البائد.. كما ابتدعها صُنّاع الديكتاتورية فى واشنطن!