منذ أن رحنا نغنى وننادى سكان البحيرة والصعيد.. ونخبرهم بأن مصر اليوم فى عيد.. وكان ذلك ابتهاجا بعودة سيناء.. التى استردتها بلادنا.. ولكنها ظلت مركونة على الرف.. وفى كل ذكرى لتحرير سيناء نعيد الأغنية.. ونقدم المزيد من الأغانى.. وكنا نرى رئيس الجمهورية يجلس فى الصفوف الأولى ويتسابق الراقصون والمغنون فى حب سيناء.. وتتعطل المصالح الحكومية ويعرض لنا تليفزيون الدولة أفلامه الخالدة: الرصاصة لا تزال فى جيبى، الطريق إلى إيلات، بدور، العمر لحظة..وتمر الذكرى وتظل سيناء على حالها.. تنضم إلى الوطن فى يوم عيدها ثم ترتد إلى حيث كانت فى عزلتها وفى كل عام يتحدث أصحاب الألقاب والمواقع عن الطموحات والأحلام وكيف لنا أن نغلق أبواب الفتنة فى سيناء بتعميرها وتسليحها فيكسب الوطن أرضا مقدسة أخذها وتركها وأهله فى الداخل عند الوادى الضيق يتكدسون فى زحامهم وأرزاقهم الضيقة ولقمتهم التى تصل إلى أفواههم بشق الأنفس.. والأيدى العاطلة البطالة لا تمسك إلا أوراق الكوتشينة وزهر الطاولة وقطع الدومينو وهى متكومة على المقاهى والنواصى تعانى فراغ الوقت والعقل والتدبير.. وهاهىذى سيناء التى هى لنا.. تنقلب علينا وتتحول إلى أرض من الموت والغضب.. وكأنها تعلن تمردها جزاء إهمالنا.. ويبدو أن هذا هو قدر تلك الأرض الطيبة التى لم يظهر دورها التاريخى إلا عند العصرين الرومانى واليونانى وكثير من جذور عائلتها نزحت من الحجاز.. وكأنها ترسم خطا للتواصل بين كعبة الله فى مكة ومسجده الأقصى وقبلته الأولى فى القدس فى رباط لا ينقطع إلى يوم الدين.. وانتبه العدو الصهيونى اللعين إلى هذا مبكرا.. ودرس سيناء جيدا ولما احتلها وضع يده على كنوزها واستثمرها إلى أقصى درجة.. ولما أجبره التفاوض على توقيع اتفاقية ما يسمى بالسلام وضع شروطه ونزع من أرضنا سلاحها وتركها خرابا أخذ منه كل ما استطاع.. وظل يراقبها طوال الوقت.. وساعده نظام مبارك الذى ارتضى أن يتخذ لنفسه ركنا قصيا آمنا فى شرم الشيخ.. وترك عدونا على حدودنا يصطاد رجالنا وشبابنا وقت ما يريد.. ولا يعتذر.. وقد تكرر المشهد عشرات المرات.. وكأن الأمر لا يعنينا. وبعد ثورة 25 يناير وغياب مبارك تعالت الأصوات تطالب بأن نتجه إلى سيناء.. حتى وقعت مأساة رفح.. وسقط شهداء الوطن قبل أن تبتل العروق ويذهب الظمأ فى لحظة إفطار رمضانية مباركة.. ثبت فيها الأجر وتحققت الشهادة وكالعادة خرج منها العدو وبراءة الشياطين فى عينيه وكأن الأمر لا يعنيه.. وسعينا نلهث خلف الأدوات التى اتخذت لنفسها الأسماء والمسميات الإسلامية.. الجهاد.. الدعوة.. القاعدة.. وكلها صناعات صهيونية لأن الإسلام لا يعترف بالدم الذى حرّمه الله إلا بالحق.. ويهتز لجريمة القتل عرش الرحمن.. ودم المسلم عنده سبحانه وتعالى أعظم من هدم الكعبة المباركة.. كيف لبلد يمنحه الكريم العظيم هذا الكنز من الجبال والبحار والمعادن والأماكن المقدسة.. والبراح الهائل الذى يستوعب الملايين ثم ندير له ظهورنا.. وألف باء الأمن أن نزرع هذه الأرض بالبشر والزرع والمصنع والحياة إذا تعذر علينا السلاح وغابت عنا الحماية.. حتى أصبحت سيناء ملعبا للخونة والمرتزقة والعملاء والقتلة.. ومن يريد أن يحولها إلى أرض بديلة لأهلنا فى فلسطين تعويضا عن وطن اغتصبه الصهاينة جهارا نهارا على مرأى ومسمع من العالم الذى يساند ويدعم كل ما يحمل نجمة داوود. أرض الفيروز واحد من شعراء الأغنية بحث قبل أن يكتب أغنيته عن قيمة تضاف إلى القيم التى تمتلكها سيناء وعرف أنها أرض النحاس والفيروز والفوسفات والحديد واليورانيوم والطفلة الكربونية المستخدمة فى الإليكترونيات، إنها الأرض المحروسة التى يحتضنها البحر المتوسط والبحر الأحمر.. وهى الجسر والشريان بين آسيا وأفريقيا فيها جبل موسى كليم الله ودير سانت كاترين.. يقال إن معنى اسمها (الحجر).. لما فيها من جبال شامخات ويقال أيضاً إنها (توشريق) أرض الجدب والعراء وأنها فى التوراة (حوريب) أى الخراب لمن يقترب منها.. ومن يهملها أو يتجاهلها.. وهى كذلك سيناء نسبة إلى «سين» إله القمر فى بابل القديمة.. وسميت كذلك قديما «بياور» أى أرض المناجم.. وقيل إنها (خاست منكات) أى مدرجات الفيروز.. وتعدد الأسماء بلغات مختلفة يدلك على عراقة هذه الأرض التى خلدها القرآن الكريم وذكرها: «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم» (سورة التين). وتأمل هذا الربط الإلهى بين أهم محاصيل هذه الأرض التى تمتد إلى فلسطين أرض الزيتون الأولى وكأن سيناءوفلسطين امتداد طبيعى لبعضهما البعض، والطور هو الجبل الشهير فى سيناء وقد جاء هنا اسمها سينين كما فسره بعض العلماء.. ثم يأتى الربط الأعظم بالبلد الأمين مكة.. يا سبحان الله إنها مسافة واحدة وخط واحد وقداسة واحدة تجمع بين سيناءومكةوفلسطين.. فهل يفرط المسلم فى هذه الأرض بعد ذلك إلا أن يكون خائنا أو عميلا أو جاهلا.. ثم بعد ذلك يوضح المولى سبحانه وتعالى: «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم».. فالأرض سلاح الإنسان ونعمة الرب له لكى يعيش ويحيا.. خلقه الله فى صورة بديعة.. ولن تكتمل إلا إذا زرع وحصد وأكل وشرب وقام بتعمير الأرض.. التى مشى فيها موسى وعيسى وأسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله. لا تنساقوا وراء ألعاب الصهاينة.. وطهر هذه الأرض يا جيش مصر بعد أن عاد إليك سلاحك وهيبتك وحتما سوف يأخذك أول الخيط.. إلى منتها. لقد حاول الصهاينة خداعنا بأن هناك عصابات إرهابية جهادية ترفع راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله».. إنها الراية السوداء الشهيرة تتصدر المشهد لكى تقول للناس.. اكرهوا الإسلام وأهله فهم يغتالون بعضهم البعض! والرشيد العاقل الواعى من يتأمل الصورة جيدا ويفحصها بعناية ويفكر كيف تستخدم إسرائيل العملاء الذين يحملون البطاقات الإسلامية.. أليس فينا السارق والقاتل والجاسوس.. إنهم وحدهم أصحاب المصلحة فلا يأخذنا الغضب والغباء نحو إخواننا فى حماس.. ونتحول كما كان يفعل مبارك إلى مخالب تزيد حصارهم الخانق جوعا وخرابا وموتا.. سيناء لو كانت تنطق لقالت إنها تشكونا إلى الله لأننا تركناها فريسة للخفافيش والذئاب.. وهى نعمة عظيمة وكنز هائل وحبل نجاة ينقذنا من الحاجة والبطالة والمكائد.. مأساة رفح لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة إذا لم نجعل سيناء مشروعنا القومى وخط الأمان القومى والغذائى والسياحى والاقتصادى.. إنها تفتح لنا أياديها ولن تعمرها الأغانى فى أبريل من كل عام وياللى من البحيرة وياللى من الصعيد.. مصر اليوم فى امتحان شديد!!