بقلم/ صلاح بديوي فور انتهاء الجزء الأول من المرحلة الأولى للانتخابات المصرية بتفوق واضح للتيار الإسلامي الرافض للسياسات الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة العربية والإسلامية خرج علينا ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي قائلاً إن قادة كل من مصر والأردن قد أوضحا له بشكل صريح التزامهما بمعاهدة السلام مع إسرائيل.
وأكد بانيتا أن الحوار بين تلك الأطراف هو الحل الأمثل لتسوية الخلافات، وأضاف أنه أكد للمسئولين المصريين أن صيانة معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية مسألة بالغة الأهمية للأمن القومي الأمريكي.
ولا نعرف أية أطراف يتحدث عنها المسئول الأمريكي، وأي حوار يطالبنا به، اللهم إذا ما كان بانيتا يقصد حوار تقنين المظالم الواقعة على أهلنا بفلسطين والمنطقة؛ جراء العدوان الإسرائيلي، تقنينه باسم اتفاقية سلام ظالمة تم فرضها على مصر في 26 من مارس لعام 1979م.
تلك الاتفاقية التي كانت تلزم تل أبيب أن تدفع تعويضات لمصر، عن استنزافها للثروات الطبيعية المصرية في سيناء، سواء كانت مواد بترولية أو خامات معدنية، وتعطيلها للعمل بمرفق قناة السويس، وهو الإلزام الذي تجاهلته "تل أبيب" بعد مصرع أنور السادات موقع تلك المعاهدة البغيضة، التي ألصق اسمها بالسلام، والسلام منها بريء.
هذا لأن السلام لا يقوم إلا على العدل، أما سلام كامب ديفيد فقائم على انتقاص لسيادة مصر، وإهدار لحقوق مادية لها، وتجاهل لتعويضات كبيرة كان يفترض أن يدفعها الكيان الصهيوني للأسري المصريين، وهم بالآلاف.
هؤلاء الأسري الذين أجبرهم بنيامين بن أليعازر وزير البنية التحتية، والجنرال السابق بالجيش الإسرائيلي، والصديق للرئيس المتنحي حسني مبارك، على حفر قبورهم والنوم فيها، ثم داسهم بالدبابات، ودفنهم أحياء في جوف أرض سيناء الطاهرة حتى يكونوا عبرة، وقد فعل مثله غالبية قادة تل أبيب.
هكذا قتل الغزاة الصهاينة أهلنا، في أعقاب هزيمة النظام المصري الحاكم في عام 1967م، وعندما تم إبرام اتفاقية، وتضمنت تعويض مصر جراء نهب ثرواتها، وارتكاب جرائم حرب بحق أبنائها تمتنع تل أبيب عن تنفيذ بنود تلك الاتفاقية.
تلك الاتفاقية التي اعترفت أيضا فيها السلطة الحاكمة في مصر، بإسرائيل كدولة على أنقاض فلسطين التي احتُلت عام 1967م، والعبد لله لا يعرف حتى الآن من أعطى نظام السادات الحق ليعترف بكيان يقام على أرض دولة شقيقة.
من حق السادات أن يسترجع سيناء منقوصة السيادة كما يُفعل الآن، ولكن ليس من حقه أن يعترف للغزاة باحتلالهم أرض دولة شقيقة، ليضفي بهذا الاعتراف شرعية على وجودهم حتى وإن كان ما يسمى بالمجتمع الدولي الظالم فعل ذلك؛ لكون أن الاعتراف المصري بهذا الكيان كان بمثابة أول ترسيخ حقيقي لاحتلال إسرائيل لدولة فلسطين.
وطوال العقود الثلاثة الماضية، ظلت سيناء منزوعة السلاح، وكلما حاول نظامنا الحاكم في مصر تنميتها، وزرعها بالبشر كان يواجه بضغوط من مؤسسات تمويل أوروبية وأمريكية بعد تنميتها، وذلك تلبية لمطالب تل أبيب التي ترى في زرع سيناء بالبشر والشجر وإقامة مجتمعات عمرانية فيها، وخلق تنمية حقيقية بها، ترى في ذلك خطراً شديدا على وجودها.
مثلما ترى تل أبيب أن تواجد قواتنا بكاملها في مختلف ربوع سيناء يهدد الأمن القومي لإسرائيل، وهي أمور تم تقنينها في اتفاقية كامب ديفيد سواء من خلال بنود علنية وسرية، وكانت نتيجة هذا الأمر معاناة وإذلال يتعرض له أهلنا في سيناء طوال عقود مضت.
وتحت ضغط الحاجة يتم استغلال أعداد منهم في أمور فيها من الخروج على القانون، حيث يتعرضون جراء ذلك لهجمات أمنية، ومطاردات، على الرغم من أن سيناء غنية جدا بثرواتها المعدنية والسياحية والزراعية وتستطيع أن تستوعب ملايين البشر.
ومن يزور شمال سيناء وتحديدا بمناطق الشيخ زويد وبير العبد ورفح وأودية بوسطها يجد فيها أراض تجود بأفضل أنواع الثمار والحبوب والمحاصيل الحقلية كافة، حتى أن الخوخ والمشمش والتين والتفاح والكنتالوب السيناوي يغمر الوادي والدلتا بمنتجاته.
وفي جنوبالعريش أودية تتجاوز مساحتها مساحات دلتا مصر، ومن الممكن أن يقام فيها مجتمع زراعي ثري للغاية على مياه الأمطار، مع توفر ريات تكميلية لها عبر ترعة السلام التي ترغب تل أبيب في تزويدها بحصة من مياه النيل عبرها.
ومن هنا تبتز مصر، وتلعب تل أبيب في منابع النيل لإجبار القاهرة عبر تسوية شاملة مقبلة على تزويدها بحصة من مياه النيل.
وفي شمال سيناء توجد بحيرة البردويل التي تنتج أجود وأفضل أنواع الأسماك في العالم، ولا يفوتنا أننا نمتلك أجود أشجار الزيتون بسيناء أرض الفيروز، التي قال الله فيها "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين"، وقال "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن".
والطور منطقة في جنوبسيناء، ثرية بالأماكن الدينية لكافة الديانات السماوية، فهي من أول طرق الأنبياء، والحج، وتجلي لجبل الطور بها من ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء.
إنها الأرض المباركة، التي حولتها جماعة كامب ديفيد إلي شاليهات، وأماكن للسياحة الترفيهية، وخصوصا في جنوبسيناء، حيث تُركت لليهود الصهاينة يعربدون على شواطئها ويرتكبون كافة الموبقات التي لا يستطيعون ارتكابها فيما يعرف بتل أبيب أو إسرائيل، ومن أبرز تلك الموبقات، وجود كازينوهات للخمر والميسر والقمار.
وفي الختام، أقول نحن لا نعرف من هم قادة مصر الذين تعهدوا لوزير الدفاع الأمريكي بالإبقاء على كامب ديفيد، والوزير يعرف أن قادة مصر حاليا، يديرون وطننا بشكل مؤقت، وأنهم سيسلمون السلطة للمدنيين وسيرحلون قريباً.
ونحن لا نعرف أين تعهداتهم التي أبرموها مع واشنطن، اللهم إذا ما كان المسئول الأمريكي يقصد، أن وثيقة مستقبلية مثل وثيقة السلمي ستجبر قوى سياسية مصرية على الالتزام بها، وتنص على ما قاله، وتتعهد بذلك، وهنا تكون تلك القوي مع من أجبرها قد حفرت قبرها بأيديها، ووضعت نهاية لوجودها.
فغير مقبول أن تظل اتفاقية كامب ديفيد مفروضة على أهل مصر إلى الأبد، فهذا لا يوجد في أية شريعة أو قانون أرضي أو سماوي.
وإن من استسلموا لتل أبيب يوما ما حكمهم قد ولى، وبدأت مصر عهدا ديمقراطياً لا سيادة فيه إلا للشعب، والشعب يريد إنهاء كامب ديفيد، كما يريد أن تكون علاقة مصر مع كافة دول العالم قائمة على التعاون والندية، بعيدا عن التبعية والشراكة الظالمة.