«لمن سوف تعطى صوتك؟» هذا هو السؤال الذى يلاحقنا جميعاً أينما ذهبنا.. فى أماكن العمل.. فى الزيارات الاجتماعية.. على المقاهى وفى المنتديات العامة والخاصة.. هذا لمن قبلوا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لأن هناك من لم ولن يقبلوها.. وبعض الذين قبلوا هذه النتيجة وقرروا أن يمضوا فى الشوط إلى نهايته مازال فى عقولهم جاهلية ديمقراطية، لذلك فهم يرفضون رفضاً بتاً وقاطعاً إجابتك إذا لم تصب فى صالح المرشح الذى يفضلونه.. وربما تصادف شخصاً قليل الذوق أو الأدب فيقابل إجابتك بالتسفيه أو السب أو الاتهام حسب المرشح الذى تختاره وقائمة الاتهامات طويلة أقلها حدة أن تُتهم بالظلامية إذا قلت مرسى أو بالانتماء للفلول إذا قلت شفيق.. وما بين مرسى وشفيق لا أحد يسأل نفسه بعمق: لماذا مرسى؟!.. لماذا شفيق؟! (1) المصريون جميعهم يبحثون عن الخلاص ويتعجلون الولادة لكنهم منقسمون بشدة فى طلباتهم للمولود الآتى؛ لأنهم يعرفون أن هذا المولود ليس شخص رئيس الجمهورية، ولكنه مستقبل الوطن وشكل الدولة والعلاقات التى تحكم الأفراد بالمؤسسات، والأفراد بالأفراد والقيم التى سوف يعمل النظام الآتى على نشرها أو إقرارها.. وحتى العلاقات بالخارج، أمريكا.. وإسرائيل وقطر، وقد لا تعى الأغلبية الأمور بهذه التفصيلات لكنها تستشعرها وتترجم مشاعرها إلى قرار واختيار، وبناء على هذا القرار والاختيار يتبادل أنصار مرسى وأنصار شفيق الاتهامات وكل فريق من الفريقين يتصور أنه يملك كل الحقيقة وأن الطرف الآخر حساباته خاطئة تماما ولو أن الأمر ليس على الكيفية التى يتصورها كل فريق. (2) أتحدث عن الكتلة الرمادية عن هؤلاء الذين قبلوا بنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات ووجدوا أنفسهم مضطرين إلى خيار (شفيق – مرسى) ولا أتحدث عن أنصارهم الذين منحوهم أصواتهم منذ الجولة الأولى. على سبيل المثال هناك الثوار الذين انتخبوا فى الجولة الأولى حمدين صباحى أو أبو الفتوح وفى الجولة الثانية سوف يمنحون أصواتهم لمرسى لأنهم يرفضون كل ماله صلة بالنظام السابق. وهناك أيضاً من يتمتع بالروح الثورية، لكنه قرر أن يمنح صوته للمرشح شفيق لمجرد إحداث التوازن المنشود مع القوى الإسلامية وحتى لا تسيطر الأخيرة على مفاصل الدولة وآليات اتخاذ القرار فيها (مجلس الشعب والرئاسة والحكومة إلى آخره). وفى هذه الكتلة الرمادية نفسها هناك من هو مقتنع بفكرة العودة بمصر إلى هويتها الإسلامية والعربية وعلى هذا الأساس قرر أن يمنح صوته منذ البداية لمرشح إسلامى فاختار د. العوا مثلا أو أبو الفتوح وبعد أن خرج كلاهما من الجولة الأولى هو فى حيرة الآن هل يمنح صوته للدكتور مرسى باعتباره واجهة الإسلام، وهو مترد فى هذا القرار، لأنه فى الغالب يسأل نفسه: هل يستطيع الإخوان تحقيق مشروع نهضة إسلامية حضارية حقيقية؟! أم يقودون التجربة إلى الفشل – والعياذ بالله -؟! وفى المقابل ليس بالضرورة أن يمنح الليبراليون أصواتهم لشفيق هروبا من المشروع الإسلامى كما أسلفنا. (3) ويتحمل الإخوان جانبا كبيرا من هذا المأزق الذى وضعوا أنفسهم فيه قبل أن يضعوا كثيرا من المصريين، وأنا أتصور أن الإخوان كانوا على وعى منذ البداية أنهم دخلوا فى مباراة حياة أو موت ضد خصومهم.. خصومهم التاريخيين فى الداخل قبل خصوم الخارج، لكنهم حتى اللحظة الراهنة لا يبدو أنهم على وعى كبير بأدوات هذه المباراة أو شروط خوضها. ومن شروط المباراة على سبيل المثال أن تمتلك سلاحا قويا فتاكا اسمه الإعلام وهذا ما لم يستعد له الإخوان الاستعداد الكافى ولم يمتلكوه وعندما صنعوا إعلامهم الخاص بهم لجأوا إلى أهل الثقة دون أهل الخبرة وهذا خطأ قاتل وقعوا فيه، والخطأ الثانى أنهم توجهوا بإعلامهم للجماعة أى تحدثوا إلى أنفسهم وإلى من هو معهم، متجاهلين الشريحة الأكبر والقطاع الأعظم من الجمهور هؤلاء الذين تركوهم لإعلام خصومهم،و الآن هناك بعض من أعضاء الجماعة ومناصريها غير مقتنعين بشكل كاف بإعلام الجماعة وخطابه. السبب السابق يمكن أن ينقلنا إلى سبب آخر أكثر تأثيراً وأخطر يتعلق بتاريخ الجماعة وتفسير زعاماتها والمنخرطين فيها للأساس الذى قامت عليه الجماعة كجماعة منغلقة على ذاتها وأعضائها حتى يسأل البعض الآن: هل جماعة الإخوان جماعة طائفية؟.. وإذا لم يكونوا كذلك لماذا يصرون على فرز أنفسهم عن باقى المسلمين؟! بالطبع إذا سألت واحدا من الجماعة هذا السؤال سوف ينكر هذا بشكل قاطع لكن الحقيقة أن الذين يعرفون هيكل التنظيم الإخوانى ويعرفون شيئا من ممارساتهم إذا تحدثوا بموضوعية سوف يقولون إن الإخوان يفرزون أنفسهم – على الأقل – تنظيمياً وربما اجتماعيا عن باقى أفراد المجتمع الإسلامى. وهذه النقطة تحديدا يمكن أن تنقلنا إلى تخوفات أخرى تتعلق بتوزيع الثروة والسلطة فى المرحلة القادمة ويروج خصوم الإخوان أن الأخيرين سوف يوزعونها على أعضائهم والموالين لهم، وقد يصل بهم الأمر إلى عقد اتفاق تأجير قناة السويس لقطر وشركائها ردا لجميل المناصرة القطرية للإخوان وفى هذه المسألة تحديدا أنا الذى أسأل: هل الإخوان لا يدركون مدى كراهية المصريين لقطر بسبب دورها المشبوه الذى يصل إلى حد العمالة للقوى الاستعمارية ولإسرائيل فى المنطقة؟! ألا يدرك الإخوان أن مثل هذه الكراهية يمكن أن تنسحب عليهم إذا سعوا أو حتى أظهروا نية حقيقية لإتمام مثل هذه الصفقة؟! (4) والذين كونوا رأياً أو اتخذوا قرارا نحو التصويت لشفيق أو عدم التصويت له أسبابهم بسيطة وواضحة أما فى حالة مرسى فالأسباب أكثر تعقيداً، ولكن هناك فرقا أخرى وآراء أخرى سادت بين المصريين تتعلق بانتخابات الرئاسة. هناك من يرغب ويتمنى وربما يسعى لإفشال ما تم من العملية الانتخابية ظنا منه أنه يمكن العودة فيها إلى المربع الأول ويمنح مرشحه (غير شفيق ومرسى) الذى انتخبه فى الجولة الأولى فرصة أخرى، وهناك من يرغب ويخطط لقرار الرحيل عن مصر فى حالة فوز أى من المرشحين وخاصة مرشح الإخوان الذى يحسب على التيار الإسلامى كله ومن يفكر ويخطط لهذا ليسوا الأقباط فقط ولكن منهم مسلمين أيضاً. والخلاصة أن قليلين هم الذين تقبلوا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات من منطلق الوعى الحقيقى بالعملية الديمقراطية والقبول بآلياتها وما تفرزه وقليلون هم من يؤمنون بأن الزمن والتجربة كفيلان بإصلاح المسار واستدراك الخطأ وإصلاحه سواء بأيدينا أو بأحكام القضاء التى قد تصدر قريبا وتقضى بعدم دستورية قانون الانتخابات الرئاسية أو قوانين أخرى تسقط معها مؤسسات وأفرادا انتخبناهم ونعود بعدها إلى حيرتنا الأولى أو يتفجر غضب الناس.