قبل 72 ساعة من بدء الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يومى الأربعاء والخميس المقبلين.. بات واضحاً أن المنافسة الحقيقية تنحصر بين خمسة مرشحين.. هم الأوفر حظاً من بين أحد عشر مرشحاً، وإن كان من المؤكد أنه لا أحد من هؤلاء الخمسة سيمكنه تحقيق الفوز من الجولة الأولى، ومن ثم فإن «تكتيك» الحملة الانتخابية لكل من المرشحين الخمسة يستهدف فى الأساس الوصول إلى جولة الإعادة.ولكن من هما المرشحان اللذان سيحصلان على أعلى الأصوات لخوض جولة الإعادة؟، رغم استطلاعات الرأى غير العلمية والمشكوك فى نتائجها وأهدافها الخفية، فإن الإجابة عن هذا السؤال تظل فى صناديق الانتخابات إلى أن تتضح غداة انتهاء التصويت ومع إعلان نتيجة الجولة الأولى. ??? المرشحون الخمسة الأوفر حظاً وفقاً لقراءة المشهد الانتخابى ومسار السباق الرئاسى هم: الدكتور محمد مرسى والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والفريق أحمد شفيق والسيد عمرو موسى والسيد حمدين صبّاحى. لا يعنى تقدم هؤلاء الخمسة فى السباق التقليل أو التهوين من قدر ومكانة بقية المرشحين وتأهلهم لتولى منصب الرئيس وعلى رأسهم المفكر الكبير الدكتور محمد سليم العوّا، والمستشار هشام البسطويسى أحد رموز تيار الدفاع عن استقلال القضاء فى مواجهة النظام السابق، والنائب البرلمانى المخضرم أبو العز الحريرى بتاريخه المشهود فى التصدى للفساد، والناشط السياسى والحقوقى الشاب خالد على أحد ثوار 25 يناير وأصغر المرشحين سناً. غير أن السبب الحقيقى لتراجع هؤلاء الأربعة فى مسار السباق الرئاسى وتضاؤل فرصهم للمنافسة على المراكز المتقدمة.. هو نخبويتهم التى غيبتهم عن الحضور بين الجماهير خاصة الدكتور العوّا والمستشار البسطويسى، وبينما لم يكف استناد النائب الحريرى إلى دوره البرلمانى المتميز كنائب عن الإسكندرية لتحقيق حضور شعبى باتساع مصر كلها، فإن خالد على تضاءلت فرصته بسبب صغر سنه (40) سنة والتى تعنى لدى الكثيرين قلة الخبرة السياسية فى سياق الثقافة السائدة بين عموم المصريين. أما المرشحون الثلاثة الآخرون.. الفريق حسام خيرالله، وضابط الشرطة السابق محمود حسام والمحامى فوزى عيسى - الذى تنازل وقت كتابة هذه السطور - ومع التسليم بحقهم القانونى والدستورى فى الترشح للرئاسة إلا أن أياً منهم لا يمتلك مسوغات أو مبررات الترشح للمنصب باعتبار أن ثلاثتهم غير معروفين بالمرة على المستوى الشعبى بل النخبوى، ولم يسبق لأى منهم الاشتغال بالعمل العام أو ممارسة نشاط سياسى أو حزبى، ولذا فقد بدا الثلاثة غرباء فى المشهد وكأنهم هبطوا من السماء على السباق الرئاسى. ??? ولأن فرص المرشحين الخمسة الأوفر حظاً فى السباق تكاد تكون متقاربة، ومع حيرة وتردّد نسبة كبيرة من الناخبين الذين لم يستقروا بعد على اسم المرشح الذى سيصوتون لصالحه، ولأن هؤلاء هم الكتلة التى سوف ترجّح النتيجة لصالح اثنين من الخمسة لخوض جولة الإعادة وهم أيضاً الذين سوف يحسمون النتيجة النهائية لصالح المرشح الفائز، فإن ثمة ضرورة لقراءة موضوعية لبطاقات المرشحين الخمسة.. الشخصية والسياسية والتاريخية، لعلها تكون دليل الناخب الحيران لاختيار أول رئيس لمصر بعد الثورة فى أول انتخابات حقيقية ونزيهة منذ قيام النظام الجمهورى قبل ستة عقود. لقد توفرت ضمانات نزاهة الانتخابات، إلا أن النزاهة وحدها غير كافية مع غيبة ضمانات أن تكون عادلة، وهى عدالة تبدو غير مؤكدة لاعتبارات مختلفة: أهمها سطوة المال السياسى فى انتخابات الرئاسة مثلما حدث فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى استنساخ واضح لهذه الظاهرة التى كانت سائدة فى النظام السابق. الأمر الآخر هو الاستقواء بالتنظيم السياسى الدينى (جماعة الإخوان والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية) ثم استغلال الدين فى التأثير على اختيارات البسطاء ومحدودى الثقافة السياسية والدينية، ثم إنه مما يهدد عدالة الانتخابات تلك الاستطلاعات المشكوك فيها والتى بدا واضحاً أنها ليست استطلاعات للرأى بل استطلاعات لتوجيه الرأى العام. ??? من بين المرشحين الخمسة إثنان من جماعة الإخوان المسلمين، الأول: الدكتور محمد مرسى رئيس الحزب السياسى للجماعة ومرشحها الرسمى، والثانى الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح الذى ترشح مستقلاً عن الإخوان ومنشقاً عن الجماعة مما استدعى فصله أو حسبما يقول استقالته، ولكنه يبقى فى كل الأحوال إخوانياً إذ أن خلافه كان مع قيادات الجماعة وهو ما لا ينزع عنه انتماءه الإخوانى السابق والحالى والمستقبلى. ورغم خطاب «أبو الفتوح» الانتخابى الذى اتسم وبدهاء سياسى بالاعتدال والوسطية بعيداً عن فكر الجماعة المتشدد، إلا أنه سيكون فى حالة فوزه رئيساً إخوانياً.. دماً ولحماً وفكراً وعقيدة.. تماماً مثل محمد مرسى. أما المرشح أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع والذى أقاله المجلس العسكرى استجابة لمطلب ملايين المصريين بخلعه أيضاً من منصبه بعد سقوط النظام.. فإنه فى واقع الأمر مرشح النظام السابق ويحظى بدعم وتأييد أسرة مبارك ورموز وأركان نظامه وقيادات حزبه المنحل بل أيضاً بدعم أتباع وبقايا ذلك النظام الذين مازالوا متغلغلين فى مفاصل الدولة وفى كثير من المواقع الحساسة وذات التأثير. وإذا كانت البلاغات المقدمة ضده للنائب العام باتهامات تتعلق بمخالفات وتجاوزات مالية خلال سنوات توليه وزارة الطيران المدنى لم يتم فتح التحقيقات بشأنها حتى الآن لأسباب غير معلومة، فإن البلاغ الذى قدمه النائب البرلمانى عصام سلطان إلى النائب العام متضمناً اتهاماً موثقاً بالمستندات بتلاعبه فى بيع أراضى الدولة لنجلى مبارك.. سوف يلقى بظلاله السلبية على حملته الانتخابية وسوف يزيد من أسباب إخفاقه المرتقب فى الانتخابات رغم دعم أسرة مبارك ورموز نظامه وقيادات حزبه المنحل وأتباعه فى الصحافة والإعلام، ورغم استطلاع مجلس الوزراء الذى تمت «فبركة» نتيجته ليأتى شفيق فى المركز الأول متقدماً على كل المرشحين!! ??? ويبقى المرشحان.. عمرو موسى وحمدين صبّاحى، وحيث يستند موسى إلى خبرة سياسية ودبلوماسية عميقة ورفيعة المستوى مضافاً إليها علاقات دولية واسعة وعلى النحو الذى يضفى عليه كمرشح ميزة نسبية ونوعية ترجّح كفته فى ميزان السباق الرئاسى، وفى نفس الوقت فإنه يحظى بقبول جماهيرى كبير فى الريف والحضر على خلفية شعبيته التى حازها وقت أن كان وزيراً للخارجية بفعل مواقفه الوطنية والقومية والعروبية فى مواجهة إسرائيل، وهو نفس القبول الذى يحظى به فى قطاع عريض من النخبة وعلى النحو الذى يبدو معه متقدماً على كل المرشحين فى السباق الرئاسى. هذه الشعبية الجارفة والتى تصاعدت بعد أن أبعده الرئيس السابق الذى أوغرت صدره شعبية موسى إلى منصب أمين عام الجامعة العربية.. هذه الشعبية التى يخشى «الإخوان» تأثيرها الطاغى لصالحه هى التى دفعت الجماعة إلى محاولات النيل منه والترويج لأنه من فلول النظام السابق وعلى غير الحقيقة. أما المرشح حمدين صبّاحى فهو محسوب على ثورة 25 يناير والمعارض السياسى العتيد ضد النظام السابق والذى دفع ثمناً غالياً داخل سجونه عدة مرات، ثم إنه وإضافة إلى برنامجه الانتخابى المتميّز والمنحاز إلى الفقراء فى المقام الأول.. يحظى بشعبية جارفة وتأييد واسع بين الفلاحين والعمال وفى الريف والحضر وبين النخبة والشباب وطلاب الجامعات.. مستنداً إلى تاريخه فى الحركة الطلابية فى عقد السبعينات من القرن الماضى. ??? إن انتخاب أى من مرشحى الإخوان.. الرسمى «مرسى» والمنشق «أبو الفتوح» سوف يمثل تهديداً لأمن واستقرار مصر ويلحق ضرراً بالغاً بالدولة، كما أن انتخاب أحمد شفيق - إن لم يتم استبعاده فى حالة ثبوت إدانته فى قضية بيع الأراضى لنجلى مبارك - إنما يعنى فى حقيقة الأمر استمرارا لنظام مبارك وإجهاضا للثورة التى أسقطته. ??? إن المصلحة العليا لمصر.. وطناً ومواطنين تقتضى أن تتوافق إرادة غالبية المصريين على إسقاط مرسى و«أبو الفتوح» وأحمد شفيق، والتصويت لصالح أى من المرشحين عمرو موسى وحمدين صبّاحى. ??? وإذا كان عمرو موسى هو الأوفر حظاً والأقرب إلى الفوز بمنصب الرئيس، فإنه من الصواب وبمنطق الثورة أن يختار حمدين نائباً له.. وتلك هى النتيجة العادلة للسباق الرئاسى. N