منذ أكثر من عامين والنخبة السياسية فى أوروبا تعمل على إنقاذ اليورو، وتحاول أن تساعده قدر الإمكان وفقا لخطة ألمانية تقوم فى أساسها على التقشف والجمود النقدى الذى يحد من سيادة ميزانيات الحكومات المنتخبة. وسواء فى انتخابات فرنسا الأخيرة أو فى القصر الملكى فى لاهاى أو فى العاصمة التشيكية براغ، فإن الاتجاه المعاكس يزداد قوة يوما بعد يوم وتصطدم القرارات الاقتصادية التى تصدرها الأوساط الحاكمة مع الناس فى الشارع وأمام صندوق الانتخابات. صحيفة الجارديان البريطانية أجرت تحقيقاً حول هذا الموضوع قالت فيه إن مارك روته، رئيس وزراء هولندا، استسلم للأمر ورفع يديه وقدم استقالته للملكة بياتريكس بعد سبعة أسابيع من المباحثات حول التخفيض المطلوب فى الإنفاق والإذعان للإجراءات الأوروبية الجديدة التى عمل على تطبيقها. وفى نفس الوقت فى العاصمة التشيكية براغ وفى أعقاب أكبر تظاهرة تشهدها المدينة منذ اندلاع الثورة المخملية التى أطاحت بالشيوعية ترنحت الحكومة اليمينية بزعامة بيتر نتشاس وأوشكت على السقوط بعد التخفيض فى الميزانية الذى لا يحظى بموافقة شعبية. لقد قالت فرنسا (لا) بعلو صوتها لسياسة اليورو التى تحاول برلين فرضها، عندما أعطت صوتها لفرنسوا أولاند فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. والمعروف أن الحملة الانتخابية لأولاند كانت تدعو إلى فتح الملف المالى من جديد ومراجعة الاتفاق الموقع من قبل 25 من زعماء الاتحاد الأوروبى والذى تمت المصادقة عليه من جديد مؤخراً. أضف إلى هذا أن واحداً من كل خمسة فرنسيين أعطى صوته ل «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة بزعامة مارلين لوبان، المهتمة بإلغاء اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسى. إن سقوط ساركوزى - إذا ما حدث - بالإضافة إلى سقوط الحكومة الهولندية بعد 18 شهرا فقط من توليها لهو دليل على الدمار السياسى الذى يسود أوروبا، ففى العامين الماضيين وكنتيجة مباشرة لأزمة الديون سقطت حكومات كل من أيرلندا والبرتغال وأسبانيا واليونان وفنلندا وسلوفاكيا وإيطاليا. ويقول توماس كلاو من المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية ومؤلف كتاب عن اليورو: ومع ذلك، ورغم شدة الأزمة فإن الناخبين مازالوا يؤمنون بأحزاب الوسط لأنها تسهم فى الاستقرار. ولذلك فإن التصويت الذى يأتى بنواب متطرفين ليس تصويتا معارضاً بقدر ما هو اختيار لمعاقبة الزعامة الشمولية لكتلة اليورو. والمعروف أن تخفيض الميزانيات الذى أعلن عنه الاتحاد الأوروبى كرد على أزمة الدين والعجز، بالإضافة إلى اليورو الهابط يوفران أرضية خصبة لمن يحاولون إرضاء الجماهير. والحكومات الشابة نسبياً فى روما ومدريد، وهى الحكومات الغاضبة من سرعة التغييرات التى تطالب بها كل من برلين وبروكسل، سوف تكون ممتنة إذا ما نجح فرنسوا أولاند، كرئيس فى التفاوض مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول الحد من إجراءات التقشف.