فى أجواء الأزمة السياسية التى تشهدها البلاد حالياً، وحيث تتصاعد وتيرة الاحتقان الوطنى، ووسط مظاهر العنف والفوضى المتعمّدة التى تؤججها قوى الظلام الوطنى والتيارات السياسية الفاشية، وبينما تدور معركة السباق الرئاسى بشراسة شديدة، وحيث لا يزال إصدار الدستور متعثراً مع تعثّر التوافق على إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية.. يخرج علينا الدكتور محمد البرادعى بمشروعه الوطنى.. معلناً بدء تأسيس حزب الدستور ليكون معبراً عن قوى وشباب الثورة وبهدف إنقاذ الثورة.إعلان الدكتور البرادعى عن إطلاق الحزب الجديد باسم الدستور يأتى فى توقيت بالغ الأهمية.. بل فى التوقيت الصحيح لإنقاذ ما تبدّد من أهداف ومطالب الثورة خلال المرحلة الانتقالية التى ينطبق عليها وصفه لها ب «العبثية» لما شابها من التباس المواقف وارتباك القرارات وتباطؤ الخطوات فى ظل غيبة كاملة لوضوح الرؤية. تأسيس هذا الحزب.. «الدستور» الذى تأخر كثيراً كان ضرورة سياسية وطنية ثورية، إذ أنه سيكون وحسبما اتضح من بيان التأسيس التجمع السياسى لقوى وشباب الثورة الذين تم تهميشهم وإقصاؤهم من العملية السياسية وطوال المرحلة الانتقالية. أهمية هذا الحزب أنه سيكون الآلية السياسية الديمقراطية لإنقاذ الثورة ولكى يسترد أصحاب الثورة الحقيقيون ثورتهم ممن استحوذوا عليها وتصارعوا لاغتنام السلطة. ??? اختيار «الدستور» ليكون اسما للحزب الجديد الذى أطلقه البرادعى.. لاشك أنه اختيار بالغ التوفيق باعتبار أن الدستور وحسبما قال البرادعى هو العقد الاجتماعى والقانون الأساسى الذى يربط كل المصريين والذى يمثل القيم الأساسية للشعب المصرى. ثم إن اسم «الدستور» له دلالته خاصة فى هذا التوقيت وحيث تأخر وسوف يتأخر إصدار الدستور الجديد لما بعد انتخاب الرئيس وتسلمه السلطة، وهو مأزق سياسى ودستورى يعكس ويؤكد أخطاء إدارة المرحلة الانتقالية، باعتبار أن الدستور هو الأساس الذى يقوم عليه البناء السياسى للدولة، وأن إصداره كان يتعيّن أن يسبق كل الإجراءات والتدابير لإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد الثورة وقبل تسليم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير شئون البلاد منذ سقوط النظام السابق إلى سلطة مدنية منتخبة.. رئيس وحكومة وبرلمان. ??? بالإعلان عن تأسيس حزب الدستور يعود الدكتور محمد البرادعى إلى بؤرة المشهد السياسى أو بالأحرى إلى ساحة العمل السياسى الثورى بعد أن توارى قليلاً وانسحب من سباق الانتخابات الرئاسية قبل أن يبدأ.. إدراكاً منه لعبثية المشهد الذى ساده صراع محموم على السلطة من جانب البعض ممن لم يكن لهم دور يذكر فى الثورة. وليس دفاعاً عن الرجل ولكنها الحقيقة التى تشهد بها وتؤكدها مواقفه وهى أنه لم يكن ساعياً إلى سلطة أو منصب وهو من شغل منصباً ومكاناً ومكانة دولية مرموقة بقدر ما كان ساعياً وداعياً بدوافع وطنية إلى إسقاط نظام فاسد مستبد وإلى نهضة مصر وتغيير أوضاع شعبها إلى الأفضل. وحتى لا ننسى، ولأن التاريخ لا ينسى، فإن الدكتور البرادعى هو صاحب «الضربة الثورية» الأولى.. إن صح التعبير، إذ أنه كان أول من دعا وحرّض المصريين على إسقاط النظام السابق بالثورة السلمية، وهو أول من قال إن خروج مليون مصرى إلى الشارع سوف يُسقط النظام. ??? وإذا كان البرادعى قد دفع ثمناً غالياً لدعوته وتحريضه ضد النظام السابق فى ذروة سطوته، حيث تعرّض لهجمة إعلامية ممنهجة وشرسة للنيل من وطنيته.. قادها قيادات الإعلام التابع للنظام على صفحات الصحف (القومية) وشاشات التليفزيون الحكومى، فإنه ليس سراً أن المكانة الدولية للرجل بوصفه رئيساً سابقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبحصوله على جائزة نوبل ثم اضطرار النظام السابق إلى منحه قلادة النيل.. أرفع وسام مصرى.. ليس سراً أنه لولا تلك الاعتبارات لكان البرادعى قد تم اغتياله أو التنكيل به.. عقابا له على تحديه للنظام ودعوته لإسقاطه. ثم إذا كان من الممكن تفهّم دوافع النظام السابق لكراهية البرادعى والهجوم الشرس ضده والتعريض بوطنيته باعتبار أن دعوته للثورة كانت خطراً حقيقياً يهدد ذلك النظام، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، إلا أنه ليس مفهوماً ولا مقبولاً ولا مبرراً ذلك الهجوم الذى تعرّض له من التيارات والقوى السياسية التى لولا الثورة التى دعا إليها البرادعى ما كانت تحلم مجرد الحلم بهذا الحضور فى المشهد السياسى. لا شك أن ضراوة الهجوم ضد البرادعى من جانب هذه التيارات التى كانت تختبئ فى الجحور عندما كان يدعو إلى إسقاط النظام ويحرّض على الثورة.. لاشك أنها تؤكد للمرة الثانية نقاء وطنية الرجل بقدر ما تؤكد خشية هذه التيارات التى تتطابق فاشيتها مع فاشية النظام السابق وحزبه المنحل.. من حضوره فى المشهد باعتباره رمزاً للثورة وزعيماً روحياً لشبابها وأصحابها الحقيقيين الذين فجّروا شرارتها الأولى وقدموا المئات منهم شهداء للحرية.. حرية مصر والمصريين. ??? إن حزب الدستور سوف يكون البداية الحقيقية لإنقاذ الثورة واستعادة زخمها وتحقيق أهدافها، وسوف يكون أيضاً بداية صحيحة لمرحلة انتقالية ثانية.. تؤسس لنظام سياسى جديد وعهد ديمقراطى تستحقه مصر، إذ أن المرحلة الانتقالية الحالية والتى بدأت يوم الحادى عشر من شهر فبراير من العام الماضى وعقب سقوط النظام السابق، ولكل ما شابها من ارتباك والتباس واحتقان وخلط للأوراق وإخلال جسيم بالترتيب الصحيح لأولويات إجراءات نقل السلطة وإعادة بناء مؤسسات الدولة الدستورية.. هذه المرحلة فشلت فشلاً ذريعاً فى أن تؤسس لانتقال عادل وصائب للسلطة وفى التعبير الحقيقى عن الخريطة السياسية لمصر. لذا فإن المرحلة الانتقالية الحقيقية بعد الثورة هى التى ستبدأ يوم تسليم السلطة للرئيس المنتخب وتنتهى بعد أربع سنوات.. هى مدة الولاية الرئاسية، وخلال هذه المرحلة الانتقالية الثانية المقبلة سوف تجرى مياه كثيرة تحت الجسور، وسوف تتبدّل معالم الخريطة السياسية بشكلها الحالى أو بالأحرى سوف تتحدّد معالمها الحقيقية، وسوف يسترد شباب وقوى الثورة ثورتهم لتعود إلى أصحابها الحقيقيين. ??? إن قراءة المشهد السياسى الراهن.. تؤكد أن حزب الدستور وكما يتوقّع الدكتور البرادعى سوف يكون حزب الأغلبية، وسوف يكون التجمع السياسى والوعاء الوطنى الذى يضم إلى جانب شباب الثورة كل الأحزاب والتيارات الوطنية والثورية.. لإعادة بناء مصر على أساس من الكرامة الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ??? إن سابقات أفعال وأقوال ومواقف الدكتور البرادعى السياسية والوطنية تؤكد صدقية قوله من فوق منصة الاحتفال بإطلاق حزب الدستور بأن الشيوخ الموجودين الآن على المنصة هدفهم نقل السلطة للشباب فى أول انتخابات مقبلة. N