حمَّل الإعلامى محمد سعيد محفوظ مقدم برنامج «وماذا بعد؟» على قناة «أون تى فى» الإعلام مسئولية الكوارث التى حلت بمصر بعد ثورة 25 يناير، منتقدا أداء بعض المذيعين لأنهم يعملون بشكل منفرد دون حساب لرؤية القناة أو سياستها التى يعملون بها مما حول الإعلام المصرى إلى ما يشبه الجزر المنعزلة . وقال محفوظ الذى عمل سابقا فى قناتى «الجزيرة»، و«بى بى سى» أنه لا يمكن مقارنة الإعلام المصرى سواء الحكومى أو الخاص بنظيره العربى إذ يملك الأخير قنوات تعمل وفق حرية ممنهجة ومسار واضح. وحذر محفوظ فى حواره مع «أكتوبر» من وجود مؤامرة تهدد أمن مصر من خلال إثارة النزاعات الطائفية بالإضافة إلى قضايا أخرى مهمة فى سياق الحوار التالى: * ما رؤيتك للإعلام المصرى مقارنة بنظيره العربى أو الغربى؟ ** فى الحقيقة المقارنة صعبة جدا، لأن الإعلام المصرى عبارة عن جزر منعزلة، وكل جزيرة يديرها مذيع بالشكل الذى يرتأيه بغض النظر عن رؤية مدير القناة أو رئيس تحرير البرنامج، فالمذيع يعتبر نفسه النجم يصنع ما يشاء، وتعود هذه المشكلة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة فى إدارة المؤسسات الإعلامية، ومن هذا المنطلق فإنى أحمل الإعلام المسئولية أمام التاريخ عن هذا الانحراف الذى تعرضت له الثورة، وكل ما مرت به مصر من كوارث طوال الشهور الماضية، ولا أعفى نفسى من المسئولية، وللأسف تلك آلية العمل فى الإعلام المصرى، ولا توجد حلول حاليا، لذلك يصعب عقد أى نوع من المقارنات مع الإعلام العربى والغربى. * هل يمكن مقارنة نسبة الحرية فى الإعلام المصرى ب «بى بى سى» مثلا باعتبارك عملت بها سابقا؟ ** بالطبع لا، لأن «بى.بى.سى» تعمل وفق حرية مقننة وممنهجة ولها مسار تسير عليه، بينما حرية الإعلام فى مصر تترنح، فليس لدينا مسار أو قضبان نمشى عليها، للأسف نحن لدينا حالة «كساح» فى الإعلام المصرى «ماشيين على إيدينا ورجلينا»، وما يحزننى أكثر ما نراه حاليا من وجود حالة تربص وطعن فى الإعلاميين الحقيقيين سواء فى سمعتهم وشرفهم ومهنيتهم ووطنيتهم، بينما يترك الذين يثيرون الفتنة ويروجون للشائعات طلقاء، وكذلك القنوات التى تخالف القوانين جهارا نهارا، فعلى سبيل المثال فى حالة الانتخابات رغم الصمت الانتخابى نجد العديد من القنوات خرقت هذا القرار. * وبالنسبة للإعلام الحكومى، هل يمكن أن ينهض من كبوته؟ ** نعم هناك أمل بأن ينهض التلفزيون المصرى بمستواه، وأن يستيقظ من غفوته، وأن يثور على نفسه، ولكن يتوقف هذا على «الإرادة» من أول وزير الإعلام إلى أصغر عامل به، فيجب أن يكف العاملون بالتلفزيون المصرى عن الإحساس بأنهم موظفون، ولابد أن يدركوا أن هذا المبنى هو قلب الإعلام المصرى، وأن هذا القلب مريض ويحتاج إلى علاج من أمراضه المزمنة حتى تتحول هذه المؤسسة إلى قدوة إعلامية فى الداخل والخارج، وذلك من خلال تطبيق المعايير المهنية داخل الاعلام بشكل منضبط، وفى رأيى يجب أن تصبح درجة الانضباط فى الإعلام كما هى فى الجيش، و أعنى هنا ثقافة الانضباط، وبأن تكون هناك معايير نلتزم بها، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء آلية لرصد الأداء الإعلامى، وإخطار الإعلامين الذين يحيدون عن المسار، وتنظيم دوارات تدريبية، وأيضا الاستماع إلى شكاوى الجمهور. * كيف ترى تغطية وسائل الإعلام العربية خاصة قناة الجزيرة ثورات الربيع العربى؟ ** للأسف كانت لبعض وسائل الإعلام العربية معايير مزدوجة خاصة فى تغطية الثورات التى اندلعت فى دول الخليج، وذلك لأن تشجيع مثل هذه الثورات فى أية دولة خليجية يمثل خطرا على الدول المجاورة لها، وحتى فيما يتعلق بقناة الجزيرة فهى لديها أجندة، إلا أنها تنفذها وتعبر عنها بمهنية، حيث اقتضت أجندة «الجزيرة» أن تشجع ثورات وتتجاهل أخرى، أو ربما تتبنى وجهات نظر تختلف عن وجهات النظر الثورية فى هذه الدول. * برأيك هل نجحت الثورة المصرية أم فشلت بعد مرور عام وثلاثة أشهر عليها؟ ** الثورة لم تنجح بالكامل، إلا أنها استطاعت خلق بيئة ثورية وطنية صادقة لدى كل من الشباب والشعب المصرى، ومع ذلك فما زلنا متعثرين وأمامنا طريق طويل حتى تحقق الثورة أهدافها، وللأسف الشديد يبدو أن الشعب المصرى مل الثورة ومن بقى ممن لديه روح ثورية أصبح يشعر باليأس ويرغب فى الهجرة، خاصة بعد الفشل الذريع فى إدارة الثورة والانتخابات، وفى إدارة الخلاف السياسى، بالإضافة للأزمات التى مرت بنا بداية من فض الاعتصامات بالقوة وانتهاء بعدم محاسبة المسئولين السابقين أو الحاليين المتورطين فيما آلت إليه الأمور فى مصر حتى الآن، ولو استمر الحراك الثورى على هذا النحو وعلى هذه القضبان، فسوف نسير نحو المجهول الذى لا نعرف نهاية له. * وماذا عن بقية الثورات العربية؟ ** نجحت الثورات العربية فى التخلص من الأنظمة الفاسدة ولو جزئيا ولكنها ما زالت متعثرة، فنحن نقنع أنفسنا أن الثورة الفرنسية استمرت سنوات طويلة حتى نجحت فى تحقيق أهدافها بالكامل، ولذا نأمل أن تحقق الثورات العربية أهدافها التى قامت من أجلها. * تناولت فى كتاباتك العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، برأيك ما الذى أدى إلى هذه الحالة من الشحن الطائفى؟ ** الأحادية فى الفكر، وعلى الرغم من نجاحنا فى التخلص من رموز النظام السابق، إلا أن موروثه بقى فى نفوسنا، وأخطرها الأحادية، والرأى المطلق، واحتكار الحقيقة، وهذه الموروثات تأصلت فى نفوس المصريين وترعرعت بسبب نمو بعض التيارات والحركات الدينية على حساب التيارات المدنية والليبرالية، وهذا ما يبدو جليا فى البرلمان، ومن هذا المنطلق، أنا مشغول بهذه القضية من باب المسئولية لأننا يجب أن نرسى مبادئ التعامل مع بعضنا البعض على أسس إنسانية بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، فقد أيقنت خلال وجودى بالخارج لفترة طويلة أن أفضل نمط من أنماط الحياة هو التعايش مع مختلف التيارات بدون تفرقة. * هل تعتقد بوجود مؤامرة للوقيعة بين أبناء الشعب المصرى فى الفترة القادمة؟ ** المشكلة أساسها اجتماعى وثقافى وقانونى لكنى أيضا أؤمن بوجود مؤامرة لتهديد أمن مصر من خلال إثارة النزاعات الطائفية بين أبناء الوطن، وعناصر هذه المؤامرة تتمثل فى المنتفعين من النظام السابق على اختلاف مستوياتهم، فضلا عن وجود أصابع خارجية وعلى رأسها الأصابع الإسرائيلية وبعض الجهلة الذين يعتقدون أن إفشال الثورة سيساعدهم فى اكتساب بعض النفوذ، وبداية الحل هو أن نعى بوجود مؤامرة ونبحث عن أطرافها ونحدد مسئوليتهم ونحاسبهم، بالإضافة لتطهير جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها الإعلام من خلال عقد مؤتمر يضم كل القائمين على القنوات المصرية، وأن يتم الاتفاق على معايير مهنية يجب ألا يخرج أحد عليها، مع احترام الأجندات الخاصة بكل قناة، فضلا عن وجود آلية قائمة على معايير مهنية لتقديم هذه الأجندة، كما أطالب بإلغاء كل مظاهر التفرقة الدينية فى كل شىء ومن ضمنها إلغاء خانة الديانة من البطاقة، ومحاسبة كل من يثبت عليه من مؤسسات أو شركات بأنه يميز بين عامل وآخر على أساس الدين أو الانتماء السياسى، حتى لا نكتوى بنار الفتنة بين أبناء الوطن. * ما رؤيتك للأداء البرلمانى حتى الآن؟ ** لست راضيا عن الأداء البرلمانى حتى الآن، وأعتقد أن المادة 60 من الإعلان الدستورى والتى تنص على انتخاب البرلمان لأعضاء اللجنة التأسيسية كانت مادة خام للنزاع والصراع السياسى. * هل تعتقد أن المادة 28 الخاصة باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قد تؤثر على نزاهتها؟ ** لا أشعر بالخوف من تلك المادة، ولكن ما يخيفنى أكثر هو أن نلدغ من نفس الجحر عشرات المرات، حينما يتم تقييم المرشح على أساس دينه أو زبيبة الصلاة أو لحيته مع أن كل هذه الأشياء جيدة لو كانت مرتبطة بالخلق والمعاملة الحسنة، إلا أنه لا ينبغى أن تكون معيارا للاختيار، فضلا عن الدعم الخارجى والذى يقال أنه يصل إلى بعض المرشحين، وزيادة المساحة الإعلامية لبعض المرشحين على حساب مرشحين آخرين، وهذا فى رأيى الخطر الحقيقى. * مارأيك فى المرشحين الحاليين للرئاسة؟ ** لم أجد فيهم من سأعطيه صوتى بعد. * وهل ترى أن دخول «خيرت الشاطر» للسباق الرئاسى سيؤدى إلى اختلاف الوضع؟ ** أريد فى البداية توجيه رسالة للإخوان بأن ترشيح المهندس «خيرت الشاطر» سيؤدى إلى انقسام داخل الجماعة، وخاصة أن كثيرا من شباب الإخوان يصرون على الالتزام بكلمة الإخوان ووعدهم، لذا يجب أن تكونوا أكثر شفافية، واعملوا على أن يحبكم الشعب المصرى، وأن يرى فيكم نموذجا للإسلام، ولابد أن تعيدوا النظر فى عدد كبير من القرارات، وفيما يتعلق بالمهندس «الشاطر» فهو شخصية اقتصادية فذة، وله باع فى الإدارة، وقام بعدد كبير من المشروعات الجيدة جدا، ولكن أخشى أن يكون ترشيحه هو فقط عناد مع الدكتور «عبدالمنعم أبوالفتوح» أو المجلس العسكري. * كيف ترى موقف واشنطن وتل أبيب من الانتخابات الرئاسية؟ ** ثبت خلال الفترة الماضية أن الولاياتالمتحدة تدخلت كثيرا من تحت الطاولة، وأنا واثق من أن واشنطن وتل أبيب مشغولتان الآن فيمن سيكون الرئيس المقبل، حيث تسعيان للضغط على مصر حتى لا تتغير الأوضاع عن طريق التفاهمات والصفقات والإغراءات، فضلا عن عمليات الترهيب والترغيب وقضية منظمات المجتمع المدنى ليست بعيدة عن ذلك. * هل هناك علاقة بين تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون باستئناف تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر رغم عدم وفائها بما أسمته «الديمقراطية»؟ ** الولاياتالمتحدة والغرب عموما لا تعنيه حقوق الإنسان فى مصر ولا تحقيق ديموقراطية حقيقية، فما زالت الولاياتالمتحدة تستخدم معنا سياسة «العصا والجزرة» والواقع أن الثورة المصرية لم تحدث سوى تغيير طفيف فى نظرة الولاياتالمتحدة لمصر، وهو ما ظهر فى الخطاب الإعلامى للاستهلاك المحلى سواء لدينا أو لديهم، ولكن عمليا الولاياتالمتحدة ما زالت تسعى لتحريك الأمور من الداخل.