شعبنا العظيم ذاق المُر وعاش شظف الحياة حتى وصل الحال بفقرائه بالبحث عن لقمة العيش وسط «أكوام الزبالة» وتعرض للإهانة والذل وسلبت حقوقه وأملاكه وضاعت أحلامه وسرقت منه الابتسامة والأمل فى غدٍ أفضل وأصاب المرض أبناءه وتقطعت أوصاله بعد أن تولى أمره الخائنون واللصوص. فانتظر وصبر عدة عقود أملاً فى التغيير ولكن دون جدوى فنفد صبره وثار فتحققت إرادته وأيده الله بنصره وسقط المخلوع.. ولأول مرة سيخرج رئيسه دون تزييف أو تزوير ليتولى زمام البلاد فى مرحلة حرجة وفارقة ليحقق مطالبه «عيش وحرية وعدالة».. وعند اختيار رئيسه لابد أن يتوخى الحذر والدقة ويكون معيار التفاضل قائما على أسس منطقية وموضوعية وليس على حساب أهواء شخصية أو انطباعات ذاتية مسبقة والفاصل لديه البرنامج المطروح وتاريخه الشخصى والسياسى والاجتماعى وتمتعه بالأخلاق الحميدة. والشعب لا يريد رئيسا يشابه المخلوع أو غيره من الطغاة ولا يقبل أن يستعين بحاشية سيئة السمعة وطامعة وجاهلة.. فالشعب يريد رئيسا يرضى بلغة الحوار والنقد البناء ويتسع صدره لمعارضيه فلا يرفع شعار الديمقراطية زيفا وفى الواقع يطبق الديكتاتورية. ويريدونه أميناً.. والأمانة تعنى المصداقية والرقابة الذاتية ولا تقف عند الأمانة المالية بل أمانة الفكر والرأى وأيضاً إتمام العمل على أفضل وجه كما قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، فالمطلوب منه الإتقان والقدرة على الإبداع والابتكار وقبل أن يتخذ قراره يتحرى الدقة ويستعين بالدراسات وسؤال أهل الخبرة والكفاءة وليس أهل الثقة والحظوة ولابد أن يقدم الحلول غير التقليدية وغير المسبوقة مما لديه من معلومات وثقافة عن سياسات العالم ونقاط الصراع لأن مصر تحتاج إلى طفرة كبيرة لتعبر هذا الخندق المظلم. والشعب يرغب فى شخصية تتسم بالقوة والشجاعة وبمعنى آخر الكفاءة والقدرة على تحقيق العدل والقضاء على الفساد والظلم وحسم الخلاف حتى تتم وحدة الصف ولم الشمل ليصير شعبا قويا وأمة تؤثر على الآخرين.. وبقوة شخصيته يستطيع تطهير البلاد من الخائنين والعملاء وأصحاب المصالح.. فلقد عاش الشعب زمنا طويلا حياة سوداء مات فيه كل شىء جميل.. وكما قال الله عز وجل: «إن خير من استأجرت القوى الأمين» سورة القصص الآية (26). ويريدونه أن يتسلح بالتقوى والصبر والاستقامة ويتعامل مع شعبه بشفافية ومصارحة ولا يصدر قرارا «من تحت الترابيزة» غير المعلن عنها كما كان فى السابق حتى لا يفقد الشعب ثقته فيه ولا يستطيع أن يتحمل أى كذب آخر ويجب أن يعلم أن الثورة قامت ولن تهدأ. ولا ينتظر منه الخوض فى تجارب قد تنجح أو تفشل فيكفيه تجارب الشيوعية والاشتراكية والفاشية والرأسمالية.. بل عليه أن يقدم النماذج الإيجابية والقدوة الحسنة وليس أهل المغنى والرقص ولاعبى الكرة. ولابد أن يتسم الرئيس الجديد بعدم التكبر والتعايش مع البسطاء قبل الأقوياء والأغنياء.. وأيضاً أن يعرف معنى الرحمة. لقوله تعالى: «لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين» سورة آل عمران آية (159).