كتبت : روضة فؤاد .. لم تكن المظاهرات التى انطلقت فى موسكو الأسبوع الماضى احتجاجا على تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة لصالح حزب بوتين هى الأولى من نوعها، إذ سبقتها مظاهرة أخرى فى العاشر من ديسمبر لنفس السبب، ولكن تبقى هذه المظاهرة لها دلالاتها السياسية المهمة على المشهد السياسى فى روسيا لعدة أسباب أهمها ما يتعلق بتزايد عدد المشاركين فيها، حيث قدرتهم الشرطة بحوالى 29 ألفا، فيما أعلن المنظمون مشاركة 120 ألفا ملأوا شارع سخاروف الذى أغلق حركة المرور خلال الاحتجاج، بينما ذكرت صحيفة « دايلى ميل» البريطانية أن عدد المشاركين يصل إلى 50 ألف متظاهر، ولكن، أيا كان العدد الحقيقى، فالمؤكد أن هذه التظاهرات تعد أضخم حشد شعبى فى روسيا منذ تسعينات القرن العشرين، وأول بوادر على تحدى هيمنة بوتين منذ 12 سنة على البلاد، كما أن هذه التظاهرات شهدت رفع المحتجين لافتات كان يمكن أن تؤدى فى وقت سابق إلى اعتقالهم مثل (أفقنا وهذه البداية) و( بوتين، لسنا خرافا ولا عبيدا) ومن الأمور اللافتة أيضا أن المتظاهرين لم يعودوا يحتجون فقط على نتائج الانتخابات التشريعية، بل أن الشعارات باتت تستهدف رئيس الوزراء بوتين- الملقب بقيصر روسيا- فكتبت صحيفة « نوفيى ازفيستيا» الروسية أنه إذا كان الشعار الرئيسى يرمى قبل أسبوعين إلى التنديد بتزوير الانتخابات، فإن هذه المرة كان التجمع معارضا أكثر وأكثر لبوتين، كما أن هذه المظاهرات دفعت التليفزيونات الرسمية الخاضعة بشكل تام لسيطرة الدولة إلى كسر القواعد، إذ لم تظهر فقط التجمع الضخم وقادة المعارضة، بل أقر المقدمون أيضا – وللمرة الأولى- بأن حركة الاحتجاج تستهدف بوتين مباشرة، ولكن يبقى التساؤل، هل معنى ذلك أن بوتين يواجه أزمة حقيقية ستؤثر على شعبيته فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى مارس القادم؟ الواقع أن معظم التحليلات السياسية فى الصحف العالمية تنوعت فى تفسير الوضع السياسى القائم، ومدى تأثير التظاهرات القائمة على مستقبل بوتين السياسى، فاعتبرت صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية أن المظاهرات التى تعرضت لها روسيا فى الأونة الأخيرة بمثابة هزة عنيفة لأروقة الكرملين الذى لم يتعرض لحركة احتجاجات سياسية واسعة النطاق منذ ما يقرب من عقد، ورأى «يفجينى جونتماجر» مسئول المركز السياسى الاجتماعى لمعهد الاقتصاد فى روسيا فى تحليله لتلك الأحداث لوكالة الأنباء الفرنسية أن الاحتجاجات لن تتراجع قائلا «لم يعد الأمر تظاهرات، بل مسألة رأى عام يعتبر الحكم القائم مؤسسة غير شرعية واتفق «نيكولاى تروف» المحلل بمركز كارنيجى فى موسكو مع هذا الاتجاه قائلا «إن علاقات بوتين مع النخب بدأت تتغير، ولم يعد المرجع الأعلى، وفى وقت ما قد تقرر النخبة عزله تحت ضغط الشارع»، يتزامن هذا مع نتائج استطلاع للرأى نشره مركز دراسات الرأى العام الروسى مؤخرا أشار إلى تدهور شعبية بوتين من 48% بداية الشهر الماضى إلى 36%، فيما أعرب نحو ثلث الروس عن تأييدهم لمطالب المعارضة فى مقابل 40% قالوا أنهم لا يتفقون تماما مع المحتجين، لكن مفاجأة الاستطلاع كانت فى إعلان 8% فقط أنهم مقتنعون بنزاهة انتخابات مجلس الدوما. لكن، على الجانب الآخر ذهبت بعض التحليلات السياسية إلى التقليل من أهمية تلك المظاهرات، فقال المحلل السياسى «دميترى أورلوف» لصحيفة «نيزافيسيمايا جازيتا» الروسية إن وتيرة النشاط الاحتجاجى سوف تشهد انخفاضا ملحوظا فى الفترة القادمة، وأن المظاهرات لن تتخذ شكلا تصعيديا، ولن يكون باستطاعتها تغيير المنظومة السياسية فى البلاد، ويشهد على ذلك تباطؤ حماس الخطباء فى المظاهرات وانقسام منظميها، وعلى نفس المنوال رأى « ليونيد بولياكوف» رئيس قسم السياسة العامة فى المدرسة العليا للاقتصاد أن بريق الاحتجاج المدنى بدأ يخبو، وهذا سوف يؤدى حتما إلى انخفاض الأنشطة الاحتجاجية، ويرى بولياكوف أن المظاهرة الأخيرة التى جرت فى شارع سخاروف تحولت إلى مكيدة سياسية واضحة.