قد تنزعج السفيرة الأمريكية آن باترسون من غلاف مجلة أكتوبر هذا الأسبوع، مثلما انزعجت من الغلاف “إياه” الذى نشرناه يوم 31 أغسطس أى قبل يوم واحد من وصولها للقاهرة لتسلم عملها والذى حمل عنوان “سفيرة جهنم التى تشعل النار فى التحرير”، والذى أثار ضجة وأزمة مع الإدارة الأمريكية، وهاجمتنا بسببه 11 جريدة ومجلة أمريكية آنذاك. لكننى أؤكد لسعادة السفيرة الأمريكية أن قليلاً من الانزعاج لا يضر حتى تصل إليها رسالتنا “المنزعجة جداً” من الدور المشبوه الذى تلعبه بعض المنظمات الأمريكية، غير المرخصة، فى الحياة السياسية المصرية بحجة نشر ودعم الديمقراطية ، وأيضاً انزعاجنا الشديد جداً من دعم الإدارة الأمريكية لأحزاب وحركات سياسية بعشرات الملايين من الدولارات من وراء ظهر الحكومة المصرية تحت مسميات ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان على الرغم من أن مثل هذا التمويل محظور قانوناً فى معظم دول العالم. ولعل هذا هو المقال السابع الذى أتناول فيه هذه القضية الخطيرة التى تهدد أمن واستقرار مصر، وتمثل عواراً فى شكل العلاقة مع الولاياتالمتحدة، التى تتعامل مع مصر وكأنها جمهورية من جمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية، فتسمح لمنظماتها بالعمل السياسى فى مصر وتمويل الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى بعيداً عن الحكومة المصرية، ومن وراء ظهرها تحت مسميات فضفاضة مطاطة كدعم الديمقراطية أو نشرها أو غير ذلك من المسميات التى لا تنطوى على شىء إلا اللعب فى أوصال الحياة السياسية المصرية، وتشجيع الشخصيات والحركات السياسية التى تعمل على تقويض أعمدة الدولة المصرية.. وتعالوا نتساءل بوضوح: لماذا لا تدخل المنظمات الأمريكية من الباب بدلاً من الشِّبَّاك؟ ولماذا لا تعلن منظمة ك "فريدوم هاوس" أو المعهد الديمقراطى التابع للحزب الديمقراطى الأمريكى، والمعهد الجمهورى التابع للحزب الجمهورى الأمريكى، بشفافية عن الدور الذى يلعبونه فى مصر؟ ولماذا تصر هذه المنظمات على أن تعمل بدون تراخيص..؟!! إن الإفصاح والشفافية من الأركان الأساسية التى يقوم عليها المجتمع الأمريكى العظيم، وهناك عقوبات منصوص عليها فى القانون الأمريكى ضد أى شركة أو منظمة لا تلتزم بالإفصاح والشفافية فى كل ما تقوم به، فلماذا تحرص الإدارة الأمريكية على التزام المؤسسات والمنظمات العاملة داخل أمريكا بالشفافية، ولا تحرص على أن تقوم بذلك فى مصر؟! إنه موقف متناقض يؤكد ما سبق أن قلته مراراً وتكراراً من أن الإدارة الأمريكية تعاملنا وكأننا تابعين لها، وهو ما نرفضه شكلاً وموضوعاً؛ لأننا لا نقبل أى تعامل من جانب الإدارة الأمريكية لا يضع فى الحسبان حجم ودور مصر القيادى فى محيطها العربى والأفريقى والدولى.. إن إصرار الإدارة الأمريكية على تمويل أحزاب وحركات سياسية، بل وأشخاص، من وراء ظهر الحكومة المصرية هو إخلال بأبسط قواعد المواثيق الدولية التى تؤكد على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول والتعامل وفقاً لأسس الاحترام المتبادل.. ولا أذيع سراً عندما أقول إن معهد الانتخابات الأمريكى، اعترف، منذ أيام، بأن الإدارة الأمريكية أنفقت أكثر من 200 مليون دولار فى الفترة الماضية لدعم وتمويل بعض الأحزاب والشخصيات المصرية للقيام ب "أدوار" على الساحة السياسية وخوض الانتخابات البرلمانية.. ورغم ذلك لم يحصلوا على أية نتائج تذكر فى المرحلتين الأولى والثانية فيها.. وقد كان ذلك محل انتقاد لإدارة أوباما التى أضاعت كل هذه الملايين فى الهواء لدعم "رجالها" فى مصر.. دون جدوى..!! إننى أتمنى أن يكون ما حدث ظهر يوم الخميس، أمس الأول، من مداهمات للمراكز والمنظمات الأمريكية والمصرية التى تعمل دون ترخيص هو مجرد بداية لحملة شاملة لضبط حركة المجتمع المدنى، ووقف كل أشكال الفوضى السائدة فيه، وبداية حقيقية لإغلاق حنفية التمويل الأجنبى المشبوه بصفة عامة والأمريكى، بصفة خاصة، لمنظمات المجتمع المدنى والحركات السياسية، والتى نعلم جميعاً الدور الحقير الذى يلعبه بعضها لنشر الفوضى والقلاقل مستغلة حالة المخاض التى تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير المباركة.. كما أتمنى أن يعلن وزير العدل اليوم قبل غد أسماء المنظمات الأربعمائة التى تلقت تمويلاً أجنبياً، وأن يكشف الحقائق كاملة حول هذه القضية، التى أراها من أخطر القضايا المطروحة الآن على الساحة؛ خاصة فى ظل الممارسات الشاذة لبعض المنظمات والحركات، والتى تحرض جهاراً نهاراً الشعب على الصدام مع مؤسساته الوطنية، التى تشكل أعمدة الدعم للدولة المصرية، خاصة المؤسسة العسكرية والأمنية.. إننى لا أرى أى مبرر للتباطؤ فى إعلان كل الحقائق، كما لا أرى أى مبرر للتلكؤ فى ضبط حركة منظمات المجتمع المدنى على الساحة السياسية.. وفى تقديرى أن التمويل الأجنبى المشبوه، هو الصندوق الأسود الذى سيكشف كل أسرار ما حدث من فوضى وتخريب فى الشارع المصرى منذ قيام ثورة يناير المباركة وحتى الآن، فهو سيجيب لنا عن العديد من الأسئلة الحائرة حول من الذى مول وحرض..؟! ومن الذى قبض ونفذ..؟! إننى أتوقع أن يكشف لنا الصندوق عن الأدوار التى لعبتها بعض الأسماء خاصة لمسئولين كبار فى حكومات سابقة، تلقوا تمويلاً أجنبياً مشبوهاً بدون عِلم الحكومة، كما أن الصندوق قد يحوى أسماء لامعة وشخصيات سياسية بارزة صدعت رؤوسنا ليل نهار فى الفضائيات وفى مقالات بالصحف عن النزاهة والشرف والتغنى بحب الوطن "اللى هو فرض علىَّ.. أفديه بروحى وعيناى"..!! لقد قلت مراراً وتكراراً إننى راجل "غاوى مشاكل" وأن أمتع اللحظات التى أقضيها هى داخل أعشاش الدبابير، وأجمل النزهات هى التى أقوم بها داخل حقول الألغام طالما أن ذلك لصالح مصر وشعب مصر..! وها آنذا قد تجولت فى حقول الألغام ودخلت أعشاش الدبابير.. فأهلاً بالدبابير..!