تلقفت المكتبة العربية كتابا جديدا موثقا بالكلمة والصورة للكاتب الصحفى على القماش المتخصص بشئون الآثار كاشفا فيه ما تم نهبه من آثار مصرية فى عهد فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق أحد رجال العهد البائد والنظام المخلوع ورئيسه حسنى مبارك.. الكتاب كبير الحجم يقع فى 780 صفحة ويحوى كثيرا من الوثائق والمستندات لأسرار تنشر لأول مرة.سرقة الآثار فى عهد حسنى فاقت ما كان مسموحاً بتصديره سابقاً.مطلوب التحقيق فى سرقة 38?قطعة ذهبية من المتحف المصرى . السرقات شملت كل مناطق مصر والمستندات تؤكد خروج سفن دون تفتيش.يقول على القماش عارضاً بعضا من هذه الأسرار التى تدل على الإهمال والتواطؤ الواضح من قيادات النظام السابق فى مجال الثقافة والآثار: ما تمت سرقته من آثار فى عهد فاروق حسنى يفوق ما تم فى أى عهد حتى العصور التى كانت لا?تجرم فيها سرقات الآثار. كان سوء اختيار المسئولين من قبل النظام البائد له تأثيره البالغ على كل مناحى الحياة فى مصر.. ومنها بالطبع الآثار التى هبط عليها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى ليرفع شعار (الثقافة.. تجارة) وتحول الشعار تدريجيا إلى معنى حقيقى مع الأعمال التجارية فى حرم الآثار مثل إقامة الفنادق والمهرجانات فى المواقع الأثرية، وسفر الآثار النادرة إلى معارض خارجية بالاتفاق مع شركات دون الاتفاق مع الدول لتتعرض الآثار للتلف والسرقة والتزوير، وبحث خصخصة المتاحف.. وقيام شركات المقاولات غير المتخصصة بترميم الآثار.. ووسط هذا المناخ «التجارى» تحول الشعار إلى تجارة عامة.. أوسع وأكبر وأشمل.. تجارة دولية وليست محلية.. تجارة شملت سرقات الآثار وتهريبها وعدم الاهتمام الجاد باسترجاعها. ولا عجب فلم يكن هناك اهتمام من الأصل بحراستها.. لنجد «بورصات» ومزادات للآثار المصرية فى كل أنحاء العالم بينما يردد الوزير وأعوانه أقوالًا ساذجة وممجوجة لامتصاص الغضب أو «تلطيف» وقع الجرائم مثل أن الآثار المسروقة ما دامت مسجلة لا يمكن بيعها، وإنها حتمًا سوف تعود، ويبدو أن هناك عقدًا - غير مكتوب - بين بعض المسئولين والمافيا بعدم نشر كل الصور لأن نشرها قد يعمل على إعادتها.. كما أن هناك طرقًا لإخفاء التسجيل.. إضافة لتعدد صور التلاعب فى سجلات الآثار والتى وصل حجم التلاعب فى قضية واحدة وهى قضية الشاعر إلى أكثر من 57 ألف قطعة. وحتى لو لم يتم الإبلاغ عن الآثار المسروقة والتحقق من أنها مسجلة فإن الواقع يؤكد عدم الاهتمام بالمتابعة لاستردادها.. مثل إبلاغ مواطنة ألمانية عن وجود أكثر من عشرة آلاف قطعة آثار مصرية مسروقة تمثل متحفًا كاملاً لدى أحد كبار لصوص الآثار فى ألمانيا.. ومتابعة السفارة للبلاغ وتأكيد شرطة الآثار على صحة كافة المعلومات، ثم هدأت الأمور حيث لم يقم الوزير وأعوانه بالعمل على استرداد هذه الآثار المسروقة أو المباعة من أحد الحائزين، وهى آثار مسجلة، بل قاموا بوضع عراقيل يستحيل معها إعادتها، مثل طلبهم من المواطنة المبلغة أن تصور كل قطعة وما يثبت أنها آثار مسجلة! لا تتعجب عن كيفية خروج كل هذا الكم من الآثار.. فالمستندات، والتى نملك صورها ، تكشف على سبيل المثال خروج سفينة من ميناء الإسكندرية متجهة إلى الموانئ الأوربية دون اكتشاف الأجهزة المختصة لخروجها دون أى تفتيش أو اتخاذ أى إجراء حيالها إلا بعد ورود شكوى بعد عبورها للمياه الدولية!. الأمثلة لا حصر لها وكثير منها نشرته الصحف مثل التلاعب فى تزوير 57 ألف (سبعة وخمسين ألف) قطعة آثار لدى حائز و17 ألف لدى حائز آخر و13 ألف لدى حائز ثالث.. إلخ.. وكثير من هذه الآثار كان يمكن لوزارة فاروق حسنى الحفاظ عليها إلا أنه تم تركها بحجة عدم وجود مخازن ويتم رفض استلامها مرات ومرات سنوات وسنوات إلى أن تم تهريبها. آثارنا فى المزادات لقد نجح نظام مبارك فى أن يجعل اسم مصر يتردد فى المحافل الاقتصادية وفى البورصات العالمية بطريقة مبتكرة.. فإذا كان عاطف عبيد أشهر «سنديك» فى مزادات بيع قطاع الأعمال من مصانع وشركات فشل فى بيعها بأسعار مناسبة.. فقد عوضه فاروق حسنى وزير الثقافة بعرض آثار مصر فى المزادات بأعلى الأسعار! وإذا كان البعض يظن أن قانون الآثار كان كفيلاً بمواجهة اللصوص ، فإن رصد عدد القضايا يدلل على المؤشر الحقيقى للواقع، وقد رصدت رسالة الدكتوراه للمستشار وليد محمد رشاد عام 2005 عن وجود 14 ألف قضية أمام المحاكم ، كما نشرت الأهرام (فى 25/3/1995) إحصائية تبين سرقة 13150 ألف قطعة آثار عن عام 1994. أما الواقع العملى فإن معظم القضايا كانت تنتهى إلى البراءة لأسباب شكلية أو فى أحسن الأحوال للغرامة.. ومع دفع الغرامة فى التعديات دون الإزالة دفع اللصوص للتعدى على أراضى الآثار، وإذا أصدر مجلس الآثار قرارًا إداريًا بالإزالة فهو لا ينفذ لأن المتعدى حكم عليه بالغرامة وقام بسدادها أو أن يلقى مصير التأشيرة الشهيرة للأمن : «حالة الأمن لا تسمح بالإزالة لوجود بيوت يسكنها الأهالى .. أو زراعة»! عصابات الآثار إن الأمر كما ذكر د . هنرى عوض فى ندوة سرقات الآثار التى تشرفت بإدارتها فى نقابة الصحفيين (مارس 2011) أن مصر مقسمة لعصابات الآثار مثل تقسيمات الحكم المحلى.. وكل عصابة لها منطقة.. وحتى التلال الأثرية مقسمة وفق عصابات. والأكثر من ذلك أنه يوجد أيضًا تخصصات فى تقليد الآثار ووضعها مكان الآثار بالمخازن والمتاحف!.. سقارة وملوى تتميز بتقليد الآثار البرونزية.. الفيوم تجيد تقليد القطع المعدنية.. الأقصر تتميز بتقليد الجعارين والأوشابتى.. إلخ! أما عن الراعى الرسمى للآثارفى عهد مبارك ونظامه «فاروق حسنى وزير الثقافة» فإنه كلما كانت تحدث جريمة تستوجب الإطاحة به اصطنع «تمثيلية» الاستقالة، فيقوم أفراد «الجوقة» من حملة المباخر والمستفيدين والذين يطلقون عليهم المثقفين يقومون بأداء الدور المنوط بهم من حملة توقيعات للبقاء عليه ليكتمل المشهد التمثيلى بتعلق الوزير بأطراف وتلابيب فستان سوزان أو الهانم كما كانوا يطلقون عليها فيعود وكأنه حقق أعظم الانتصارات!.. وللأسف استمر كثير من هؤلاء فى خداعهم للرأى العام حتى بعد الثورة. خاتمة الأسرار ويختم على القماش عرضه لأسرار كتابه بقوله: إنه ما حدث من سرقات للآثار فى عهد مبارك خاصة فى فترة تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة قرابة ربع قرن ربما يفوق أكثر العصور حتى التى لم يكن فيها قانون لتجريم سرقات الآثار، بل وكانت هناك موانئ لتصدير الآثار إلى أوروبا. هذه السرقات للآثار تسببت فى ثراء «حيتان» وأباطرة الفساد خاصة أن تهريب الآثار أقل خطرًا من المخدرات، بل هناك اعتقاد أن كثيرًا من إيداعات المفسدين من رجال السلطة والمال خارج مصر فى عهد مبارك من الآثار وليست من الأموال حيث يسهل إيداعها دون مراقبة أو لفت الأنظار وعند بيعها تتضاعف قيمتها وبالطبع منها قطع آثار نادرة مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة منتقاة من مقابر أثرية عقب اكتشافها وقبل الإعلان عنها أو تسجيلها.. ولو أُعيدت هذه الآثار أو الأموال فى حالة تخلص هؤلاء بيعها لكانت كفيلة ليس بسداد ديون مصر وحدها بل تكفى لسداد ديون العالم كله! كما أن هذه الآثار المسروقة تسببت فى إهدار الدخل القومى حيث لو كان تم عرضها بالمتاحف المصرية لحققت موارد هائلة، ولكن إذا بها تدر دخلاً للدول المهربة إليها بعد شراء متاحف لكثير منها! والأخطر من ذلك ضياع دلائل تاريخية وإهدار للتراث وإمكانية تزييف العدو الصهيونى للآثار واختلاق تاريخ مزور. فصول الكتاب أما عن فصول الكتاب فيتضمن الفصل الأول التلاعب فى الحيازة وأنها وراء أكبر سرقات الآثار، ومنها: - رفض مجلس الآثار لاستلام آلاف القطع الأثرية من الحائزين بحجة عدم وجود مخازن لينتهى الأمر بتهريب الآثار. - فضيحة فى مطار هيثرو بلندن، حيث تم ضبط 619 قطعة آثار فتشكلت لجان قامت بتخفيضها حتى وصلت إلى 105 قطعة، ثم قام المسئولون عن الآثار بالتنازل عنها لمتاحف لندن، وزيادة فى الكرم عرضوا ترميم القطع التى تحتاج إلى ترميم! حائز يعيد آثارًا مقلدة، فيتم إيداعها بالمتحف المصرى. - ألمانى وزوجته قاما بتهريب أكثر من 15 ألف قطعة آثار، وعندما تكتشف سيدة ألمانية هذه الكارثة وتبلغ السلطات فى مصر، يتم وضع عراقيل، مثل مطالبتها بصور للآثار رغم تأكيد شرطة ومجلس الآثار فى مصر فقد كل هذا الكم من الآثار! - عاشق للآثار يهدى متحف الآثار عددًا من المقتنيات الأثرية التى كانت فى حوزته، فيفاجأ بعرضها للبيع بخان الخليلى! - حائزون للآثار بدون سجلات، والكشف عنهم بالصدفة. ويعرض الفصل الثانى من الكتاب لأكبر وأشهر قضايا الآثار، ومنها: قضية الآثار المضبوطة فى لندن، حيث قدرت الآثار بالطن لصعوبة حصرها. طارق السويسى الذى تحول بسبب الاتجار فى الآثار من تباع على سيارة لورى إلى ثروة تزيد عن 7 مليارات جنيه. مفتش الآثار محمد سيد حسن الذى تحول إلى أكبر مقاول لتوريد الآثار المهربة.. ومدير العلاقات العامة بآثار الأقصر الذى كان ينيب عن الوزارة فى المؤتمرات الدولية رغم أن مؤهله الإعدادية.. وضبط شقيق الحاصل على جائزة الدولة فى ترميم الآثار فى قضية تهريب.. وضبط متحف كامل يضم ألف قطعة تخص شركة تصدر الآثار بالجملة! ويتناول الفصل الثالث كافة المناطق الأثرية بطول مصر وعرضها، ومنها منطقة سقارة أشهر مناطق الآثار فى العالم والتى وصل الحال بها إلى سرقة مخازن بأكملها ونقلها على لوارى وسرقة آثار فى حفل حضره مبارك والقذافى ومحاولة عضو مجلس الشعب (حزب وطنى) تخصيص 4 آلاف فدان تقع بين أربعة أهرامات. وفى الواحات البحرية وصلت السرقات إلى تجريف محمية طبيعية فى أبو سنان ونقلها على «تريلات».. وفى الوادى الجديد والتى تبلغ مساحتها 45% من مساحة مصر لا تخدمها سوى ست عربات للشرطة، ثم تجىء المفاجأة فى قيام الشرطة بالتنقيب عن الآثار وسرقتها! وهكذا فى كافة المناطق وأشهرها الأقصر وأسوان، ويصل الأمر إلى أن استخراج تصاريح التنقيب عن الآثار فى حلايب وشلاتين يستخرجها الأجانب من السودان وليست من مصر! أما الفصل الرابع فيتناول سرقات متاحف مصر وعلى رأسها سرقات المتحف المصرى التى تصاعدت مع تولى فاروق حسنى وزيرًا للثقافة وكشف العلماء عن قيد الآثار بالسجلات دون أى مواصفات، مثل أن يقال قطعة آثار ذهبية دون وصف أو وزن ليسهل استبدالها! وتتصاعد السرقات حتى وصلت إلى فقد 38 قطعة آثار ذهبية محلاة بالأحجار الكريمة بعد حفظها فى كرتونة للمياه المعدنية، ويتم تقدير ثمنها بخصم ما يعادل مائة جنيه فقط مقابل كل قطعة! وتتكرر السرقات فى كافة المتاحف ومنها الإسلامى والقبطى والمركبات وملوى والنوبة وحلوان بعد أن وصل الأمر إلى أن أبواب المتاحف الإلكترونية تفتح من تلقاء نفسها. أما عن عدد الحراس فى معظم المتاحف فلا يزيد عن فرد أمن أو اثنين وبدون سلاح! وكان طبيعيًّا أن تنتشر السرقات فى آثار وتحف قصور الرئاسة ومخازن الكليات والجامعات، وما لم يسرق من المتاحف يتم تزويره واستبداله فى معارض الآثار بالخارج! ويتناول الفصل الخامس سرقات المخطوطات والمصاحف وكتب التراث واللوحات الفنية النادرة. ويصل الأمر إلى العثور على أخطر الوثائق لدى باعة اللب، ويتم تهريب أصول المخطوطات النادرة إلى الخارج. أما عن العملات الأثرية فوصل الأمر إلى عرض 145 ألف قطعة للبيع فى المزاد وصهر أكثر من 80 ألف عملة ذهبية تذكارية! أما الفصل السادس فيتناول سرقات الآثار الإسلامية وعلى رأسها سرقة المنابر النادرة وتخريب مواقع أثرية بأكملها وبيع القطع الأثرية فى المزادات! أما الفصل السابع فيتناول علاقات الأجانب بسرقات الآثار، ومنها البعثات الأجنبية ومزادات الآثار وسرقات إسرائيل ووجود متاحف كاملة للآثار المصرية ليست فى الغرب فقط بل فى قطر! أما الفصل الثامن والأخير فيتناول ما تتعرض له الآثار من آمال وآلام، ومنها: تورط مفتشى الآثار وضابط وخفراء ونواب بالبرلمان فى سرقات وتهريب الآثار.. وتجار الآثار من كل المهن حتى السباك والترزى.. وحرائق بالجملة فى عشرات المواقع الأثرية.. وجزاءات تافهة وصلت إلى تقدير التمثال بأقل من جنيهين عند الكشف عن فقده.. وفتاوى للأثريين وإعادة تشكيل لجان لإنقاذ المهربين عند ضبطهم.. وفتاوى دينية تسببت فى زيادة التنقيب عن الآثار. كما يعرض الكتاب لإمكانية التفرقة بين الآثار الحقيقية والمقلدة وطرق الكشف عن تزوير الآثار. هذا ويعرض الكتاب لمنافذ تهريب الآثار والتى تزيد عن 20 منفذًا، فضلاً عن طرق التهريب، وأخطرها استخدام الحقائب الدبلوماسية عن طريق السفارات والتهريب من خلال اللنشات والسفن، ووصل الأمر إلى هروب سفينة من مصر دون أى تفتيش أو حتى ختم جوازات السفر وعدم العلم بهروبها إلا بعد عبورها المياه الدولية. وهذا الكتاب لا يكشف فقط عن حصاد ما تمت سرقته من آثار بالأسماء والمستندات فى هذا العهد وما تسبب فيه من تداعيات أدت إلى استمرار سرقات الآثار حتى اليوم، بل هو صرخة قوية من أجل الحفاظ على ما تبقى من آثار مصر!