لم يحدث أن بقيت الفنون بطعم وشكل واتجاه وأخلاق واحدة مع تباين الأزمان وحواداثها على المجتمع أى مجتمع وإنما دوما دومًا كان لكل زمان فنون بطعم وشكل واتجاه وأخلاق بمقاس وملامح هموم الناس فيه واحلامهم وانتصاراتهم وانكسارتهم، لأهل الشرق فنون برائحة عرق الشقيانين وعطر المرفهين فيه وفيها من لحظات سموهم وفيها من سقطاتهم وخطاياهم.. حتى فى نفس المجتمع الواحد تتمايز فنون طبقة عن طبقة، وفئة عن فئة، وتختلف فنون الابداع الانثوى عن فنون الابداع الذكورى. ..تصور ان هناك مازورة ممكن ان تأتى فنون مجتمع على مقاييسها وتستمر حتى نهاية الكون على هذه المقاييس. تصور خيالى يبقى مجرد تصور نظرى مستحيل حدوثه. ..وليس معنى وجود فنون بطعم وشكل واتجاه مخالف لما هو عليه إجماع أخلاق المجتمع. ان الفنان مبدع هذه الفنون شاذ وانما الشذوذ موجود تحت السطح. وما فعله الفنان انه فقط شعر به وأشعرنا بوجوده. وليس معنى ان يشعرنا الفنان بشىء شاذ فى حياتنا انه يحمل الينا رساله تحريض إلى تبنى ذاك الشذوذ أو شيوعه فينا... وقد عرف الأدب الإسلامى الهجاء وكان من أبرز نجومه الفرزدق وجرير «شاعرين من العصر الأموى».. والهجاء فعل يخالف أخلاق الاسلام. وكذلك عرف الأدب الاسلامى شعر الخمر والمجون. ومازال التاريخ يذكر لنا اشهر شعراء هذا اللون «ابو نواس» والخمر والمجون مظاهر اخلاقية تخاصمها أخلاق المسلم... ....ياهؤلاء ..ليس فى الفن نهائيا شىء حرام او حلال إنما المعيار المقبول فى تقييم الفن هو معيار «أهو فن راق أو هو فن هابط»... وفى كل العصور يتعايش الفن الراقى وبجواره الفن الهابط تماما كما تحتوى المجتمعات على نفوس نبيلة وشخصيات وضيعة.ولكل قوم منهم فنونه التى تأتى موافقة ذوقه.. ودومًا هناك فن يبدعه الفنان للفن. فيه رسالة وفيه رقى، وفن تجارى مبدعوه هدفهم جيوب الجماهير. ..وكل فرد حر فى اختيار الفن الذى يعبر عنه. وكل مجتمع حر فى الانحياز إلى فنون من لحم حياة الناس فيه.