ملعون المرض فهو يهد صاحبه.. ملعون المرض فى كل زمان ومكان.. ملعون المرض الذى يأتى على الأخضر واليابس.. ملعون المرض الذى يجعل صاحبه كسير النفس.. يقف مكتوف اليدين غير قادر على العمل.. غير قادر على تحمل مسئولية أسرته أو حتى مسئولية نفسه.. ملعون هذا المرض الذى يجعل شابا يمد يده يطلب المساعدة مع أنه كان من الممكن أن يمد يده هو بالمساعدة لمن حوله.. «عوض» شاب تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره كان من المفترض فيه أن يقف بجوار أمة الأرملة ويكون لها السند والمعين ولكن سبحان من جعله هو فى حاجة لمن يسانده ويعينه على الحياة والمرض.. كان من المفترض أن يحصل على شهادته المتوسطة ويعمل ليعيش وتعيش معه أسرته.. ولكنه منذ كان صبيا لم يبلغ بعد الخامسة عشرة إلا وكان المرض قد زحف على أنفه وحنجرته.. كان كثير الشكوى من آلام بالأنف والبلعوم.. وكثيرا ما كانت الأم تلجأ إلى الوصفات الشعبية التى يلجأ إليها جميع أهل قريتها التى تعيش فيها مع ابنها.. كانت هذه الوصفات فى أول الأمر تفلح فى علاج الصبى ولكن بتكرار الألم والالتهابات التى يعانى منها أصبحت غير ذى جدوى.. وأصبحت الآلام لا تحتمل وأصر الأب أن يصحب الصبى إلى المستشفى طلب الطبيب من الأب أن تكف الأم عن وصفاتها وأن يتناول الابن الدواء بصفة منتظمة.. أسبوع واحد عاشه الصبى بعيدا عن الألم ولكن الآلام زادت وأصبح غير قادر على البلع وما كان من الأب إلا أن عاد به إلى الطبيب الذى طلب إجراء تحاليل وأشعة، ثم طلب إجراء منظار على الأنف والبلعوم، ثم حول الصبى إلى معهد الأورام القومى حتى تجرى له فحوصات لشكه فى وجود ورم.. واصطحبه الأب إلى المعهد وكانت رحلة شاقة آخرها عذاب.. عذاب شديد سواء للابن أو للأب.. فقد اكتشف الأطباء أن الورم الذى يعانى منه عوض سرطانى ويحتاج إلى العلاج بالإشعاع والكيماوى وكانت رحلة طويلة من الألم والأسى استيقظ فى وسطها الابن على وفاة أبيه.. سنده فى الحياة ومعينه على مواجهة المحنة التى يعيشها.. تركه مع أم لا حول لها ولا قوة وأخ صغير يحتاج من يساعده ليشق طريقه.. وتحاملت الأم على نفسها وحاولت أن تكون بديلا للأب.. صاحبت الابن خلال رحلة المرض الذى لم يتوقف عند البلعوم، بل زحف ليضرب جميع أجزاء الفم.. واضطر الأطباء إلى خلع أسنانه وضروسه.. كانت حربا ضروسا انتصر فيها المرض الملعون الذى لم يكتف بما أصاب الشاب، بل امتد فى زحفه إلى المخ وأصيب بشلل نصفى بالجانب الأيمن.. الابن أصبح عاجزا غير قادر على الحركة حتى الرحلة العلاجية التى يقطعها مرتين أسبوعيا من قريته بشرق الدلتا إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة ليلقى العلاج الطبيعى بجانب العلاج الإشعاعى والكيماوى رحلة شاقة بما تحمله الكلمة من معان فهى شاقة ماديا ومعنويا، ولكنه يتحامل على نفسه من أجل أمه البائسة الحزينة.. هذا الشاب لا يجد ما يقدمه لنفسه وأمه فهو يحصل على معاش ضمان اجتماعى 130 جنيها.. والأم تحصل على معاش تأمينى لا يتعدى أيضاً 130 جنيها أى أن دخل الأسرة لا يتعدى 260 جنيها تضيع كلها فى رحلة المرض، بل يحتاج إلى أضعاف ذلك المبلغ.. أرسل يطلب مساعدته وأمه.. فهل يجد من يساعده ويقف بجواره من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.