حالات يحق للمرأة من خلالها إنهاء عقد العمل وفقا للقانون الجديد    النقل تكشف حقيقة حدوث انهيار جزئي في محور بديل خزان أسوان    أبو عبيدة بخير، أول تصريحات للناطق باسم القسام بعد مزاعم اغتياله برفقة السنوار    موناكو يعلن التعاقد مع إيريك داير من بايرن ميونيخ    وسط أجواء إيجابية.. وزير الشباب والرياضة يدعم منتخب الشباب قبل مواجهة المغرب    حسام عاشور: الخطيب فاجأني.. وانتظروني قريبًا في الأهلي    أكاديمي: إغلاق بيوت الثقافة جريمة في حق الوعي    مايا دياب تحيي حفلا في البحرين 29 مايو    طريقة عمل المنسف الأردني بالخطوات الأصلية    بتوجيهات رئاسية.. استراتيجية تعليمية متطورة وجيل قادر على مواجهة التحديات    مصرع طالب دهسه قطار أثناء عبوره المزلقان بأسوان    تحويل قصور الثقافة إلى حضانات يُشعل الغضب تحت قبة مجلس النواب    مصطفى كامل يطرح أحدث أغانيه «قولولي مبروك»|فيديو    أمين الفتوى: صلاة المرأة في المنزل خلف إمام المسجد في المنزل غير صحيحة شرعًا    مسؤول سابق بالبنتاجون: الناتو يحتاج لتعزيز الدفاع وزيادة الإنفاق    أهمها النوم جيدا.. نصائح طبية ليلة الامتحان لزيادة تركيز الطلاب بمختلف المراحل التعليمية    الإنقاذ النهري يكثف جهوده للعثور على جثمان غريق بالأقصر    التشكيل الرسمي لمواجهة ميلان ضد بولونيا فى نهائى كأس إيطاليا    وفد مصري يستعرض خطة تنظيم بطولة العالم للجامعات للسباحة بالزعانف أمام الاتحاد الدولي في لوزان    رامى عاشور: ترامب يسوق لنفسه كرجل سلام وأنه مازال مؤثرا بالمعادلة السياسية    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 بمحافظة مطروح    أمين الفتوى يحذر من استخدام المياه في التحديات على السوشيال ميديا: إسراف وتبذير غير جائز شرعًا    "البترول": "مودرن جاس" تنتهي من تنفيذ مشروع متكامل للغاز الطبيعي بالإمارات    خدعة في زجاجة مياه.. حكاية شاب أنهى حياة خالته بقطرة سامة بالجيزة    حملات موسعة على التجار المخالفين في كفر الشيخ    مسئول أممي: منع وصول المساعدات إلى غزة «يُفضي إلى الموت»    هل من حقي أن أطلب من زوجي تعديل مظهره وهيئته؟.. أمين الفتوى: يجوز في هذه الحالة    بعد رحيله.. من هو أفقر رئيس في العالم خوسيه موخيكا؟    خطة ترامب لخفض الضرائب تجتاز خطوة مهمة في مجلس النواب    سيدات الزمالك يتأهلن إلى الدوري الممتاز ب لكرة السلة    دعم إيجاري وإنهاء العلاقة بعد سنوات.. "الاتحاد" يعلن عن مشروع قانون للإيجار القديم    تفاصيل صادمة في أمر إحالة متهمين بقتل شخص بالجيزة إلى المفتي    «مش هعرف أمد ايدي عليها».. فتحي عبدالوهاب يكشف كواليس ضربه ل ريهام عبدالغفور    5 أبراج يتألق أصحابها في الإبداع والفن.. هل برجك من بينها؟    لعدم تواجد طبيب.. وكيل صحة الشرقية يجري جراحة لطفل أثناء زيارة مفاجئة ل"أبو حماد المركزي"    عبلة الألفى ل الستات: الدولة نفذت 15 مبادرة صحية منهم 60% للأطفال    جامعة الجلالة تنظّم أول نموذج محاكاة لجامعة الدول العربية    حجز محاكمة الطبيب المتهم بالتسبب في وفاة زوجة عبدالله رشدي للحكم    استمرار فعاليات البرنامج التدريبي "إدراك" للعاملين بالديوان العام في كفر الشيخ    "الوثائقية" تعرض غدا فيلم "درويش.. شاعر القضية"    استقبالا لضيوف الرحمن فى البيت العتيق.. رفع كسوة الكعبة 3 أمتار عن الأرض    "الجبهة الوطنية" تعلن تشكيل أمانة ريادة الأعمال    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    «زراعة النواب» توافق علي موازنة «الطب البيطرى» للعام المالي الجديد    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء: 107.5 الف قنطار متري كمية الاقطان المستهلكة عام 2024    إحالة مخالفات امتحانية بإحدى المدارس الفنية في دمياط للتحقيق    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    ليفربول يستعد لميركاتو قوي في الصيف بحيلة فسخ التعاقد    السبت ببيت السناري.. انطلاق أمسية شعرية في افتتاح فعاليات ملتقى «القاهرة .. أصوات متناغمة»    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    أدعية يستحب ترديدها وقت وقوع الزلازل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ يكتب عن.. «أجمل بنات أفكاره» أسرار وراء صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر
نشر في أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

بعد أن استعرض الرئيس السادات كل المجلات المصرية والعربية بعين الصحفى القديم وبمنطق السياسى الكبير - كلفنى بأن أصدر مجلة جديدة اسمها 6 أكتوبر..
وأسعدنى الرئيس السادات بأن اختارنى وتوجنى بهذه المهمة الصعبة جدًا. فليس من السهل إصدار مجلة جديدة فى مصر ولا فى غيرها من البلاد العربية. فالسوق مليئة بكل أنواع المجلات السياسية والاجتماعية والمصورة والعلمية.
وإصدار مجلة جديدة فى مصر، معناه أنها سوف تكون الأولى فى عشرين عامًا. فلم تصدر فى هذه الفترة مجلة كبيرة لأى سبب ومن أية جهة.
وأنا أعرف صعوبة أن يكون الإنسان رئيسًا لتحرير مجلة تحتاج إلى تطوير. أما إنشاء مجلة جديدة الشكل والمضمون فهذه هى قمة الصعوبة.. وقد كنت رئيسًا لتحرير مجلة الجيل ورئيسًا لتحرير مجلة هى مع المرحوم على أمين ثم رئيسًا لتحرير آخر ساعة..وقد أدرك الرئيس السادات بسرعة صعوبة هذه المهمة فوعد بأن يساعدنى، وأنه عندما يجد الوقت فسوف يقترح أبوابًا وموضوعات. لأنه حريص على أن تنجح مجلة 6 أكتوبر..
وصدر القرار الجمهورى بأن أكون رئيسًا لتحرير مجلة 6 أكتوبر ورئيسًا لمجلس إدارة دار المعارف.. كبرى دور النشر فى العالم العربى وأكثرهم احترامًا..
وفى دار المعارف لم أجد مكانًا لهيئة تحرير المجلة. وهنا برزت الروح الطيبة للعاملين فى دار المعارف.. وأفسحوا لنا غرفة وراء غرفة.. حتى أعطونا طابقًا واثنين..
وكان لابد أن يأتى المحررون من كل المؤسسات الصحفية الأخرى.
من كانوا تلامذتى فى الجامعة.. ومن كانوا أصدقائى وزملائى.. واحدًا وراء واحد حتى أصبحنا ثمانين محررًا وسكرتيرًا فنيًا ومصورًا ومراجعًا ومصححًا وفنيين فى المطابع..
لقد تكونت أسرة 6 أكتوبر وسط خوف وفزع من التجربة الجديدة.. وتحت وابل من الشائعات تطلقها بعض المؤسسات الصحفية. وكلها تؤكد أن هذه المجلة قد ولدت لتموت - مع أنها لم تكن قد ولدت.. وأن عددًا واحدًا سوف يصدر.. وسوف يعود المحررون والمصورون جميعًا إلى المؤسسات التى جاءوا منها.. وأننا سوف نندم على أننا أصدرنا هذه المجلة الجديدة من مكان آخر - أى مكان آخر غير هذه المؤسسات الأخرى.
وكانت نظرة شامتة - كأننا دار أجنبية تصدر مجلة معادية لمصر. وليست مؤسسة مصرية تصدر مجلة قومية.. والذين أحسنوا الظن قالوا: إنها الغيرة الصحفية والحقد الشخصى.. والذين أساءوا الظن قالوا: إن الذين احتكروا النجاح يومًا لا يريدونه لأحد آخر..
مع أن هذا الأحد الآخر.. ليس شخصًا ولكن عشرات من الشبان الذين لهم الحق فى أن يساهموا فى كل ما هو جديد فى مصر ومن أجلها.
وفى مبنى دار المعارف بدأنا نتجمع واحدًا وراء واحد. وكانوا سعداء، وكنت أقلهم سعادة وأكثرهم حيرة.. وبدأ العاملون فى دار المعارف يشكون - وبمنتهى الرقة والأدب - من أننا قد أحدثنا نوعًا من الفوضى. فنحن نسهر حتى ساعة متأخرة من الليل. وقد اعتادوا أن يغلقوا أبواب الإدارة فى الثانية بعد الظهر. ومع الأبواب: المصابيح والمصاعد والحنفيات. ولم يعتادوا على الضوضاء والسهر وعلى الكلام بصوت مرتفع وعلى الضحك الصارخ أو الراديوهات التى تدوى فى بعض الغرف..
وعلى أن ينام المحررون على مكاتبهم.. ولكننا جميعًا اعتدنا على هذا الأسلوب المختلف.. حتى تعايشنا. ولم يكن ذلك هو الفضل الوحيد للعاملين فى دار المعارف. ولكن لهم فضل الصبر علينا والتعاون معنا، والتشجيع المستمر حتى نجحنا معًا.. والحمد لله..
ولكنى حائر فى شكل المجلة وحجمها ولونها وتبويبها وقلبت فى جميع المجلات التى تصدر باللغات الأوروبية، وكانت لى علاقة قديمة بقراءة المجلات الإيطالية وبعدد من محرريها وكتابها وخصوصًا مجلات الأوبروبيو التى عرفت من كتابها الأديب الكبير البرتومورافيا الذى قدمته إلى القارئ العربى منذ خمسة وعشرين عامًا. وترجمت له عشرات القصص القصيرة.. ثم إنه أصبح صديقى هو وزوجتاه الأولى والثانية..
وكنت أعرف الكاتبة الإيطالية البادى شيدس المحررة الأولى فى مجلة «أبوكا».. وقلبت فى بقية المجلات الإيطالية..
وحارت عينى وعقلى فى صحفات المجلات الألمانية شترن وكويك ويونته ويوردا.
وفى المجلات الفرنسية: لووان وبارى ماتش.. ونشرنا هذه المجلات بالعشرات أمام أعيننا.. وتوقفت أيدينا عند تبويبها وموضوعاتها وألوانها وصورها وأغلفتها.. وكذلك المجلات العربية وكان لابد أن نخرج بتصور واحد من كل هذه الأنواع - أى من كل تجارب الشعوب الأخرى واجتهاداتها فى أن تكون مجلتنا الجديدة ذات طابع خاص. وفى نفس الوقت ليس شاذًا عن الذوق العام للمجلات الأسبوعية.
***
وتنوعت أشكال وأحجام كلمة «6 أكتوبر» فى أيدينا.
ثم اخترنا شكلًا للاسم من بين عشرات الأشكال والألوان والأحجام.
وجاءت خطابات من البلاد العربية تعيب علينا أن نسمى هذه المجلة «6 أكتوبر» دون أن نسميها «10 رمضان» ووجدناها فرصة لكى نسميها «6أكتوبر - 10 رمضان» وبحثنا نوع الورق وحجمه.
وبحثنا فى حجم الحروف ونوعها.. واخترنا نوعًا منها ثم عدلنا عنه وغيرناه فى الأعداد التجريبية..
ولم يكن لهذه المجلة: مكتبة ولا أرشيف للموضوعات ولا أرشيف ذاكرة. لأنه ليس لها تاريخ فما تزال جنينًا فى علم الغيب.
وكان لابد أن أستغل سماحة الرئيس السادات وتشجيعه. فذهبت إليه وعرضت عليه تجاربنا الأولى. عشرين عددًا كتبناها وصورناها قبل أن يصدر من المجلة عدد واحد.
وأبدى الرئيس السادات ملاحظات نافذة على صفحات المجلة. وقدّم أبوابًا.
ولم يفته أن يقول كلمة لتشجيعى وزملائى. قال: لست متعجلا، الوقت لا يهم. خذ وقتك. المهم أن تنجح وأن تستمر..
وكان ذلك زادًا لنا فى فى هذه الرحلة الشاقة.. إذن فليس من الممكن أن تنجح المجلة من أول عدد - وإن كان هذا هو ما حدث - ولكن يجب أن نصبر على أعدادها الأولى واحدًا بعد واحد. وأن نتلقى ملاحظات القراء والصحفيين المحترفين وأن نجمع هذه الملاحظات وأن ندرسها وأن نعدل مسار المجلة أولًا بأول.
وذهبت إلى السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء، وليس بين الذين عرفتهم فى حياتى رجل يعطيك الأمل فإذا أنت تطير.. وليس بين الناس واحد يخفف عنك مصائب الدينا ويهونها عليك مثل هذا الرجل. ومن خلال كلماته الرقيقة وأخوته وصداقته يبدى الملحوظة والنصحية.. وهو لذلك يستحق عظيم الشكر وعميق الامتنان.
وعرضت النتائج النهائية لشكل المجلة واسمها ونوع الخط والأبواب على الرئيس السادات واختار صورتها الأخيرة وهو يؤكد أنه ليس متعجلًا مطلقًا إنما المهم أن تنجح وأن تستمر..
***
وفى مؤتمر صحفى فى فيينا سأله أحد الصحفيين المصريين متى تصدر مجلة 6 أكتوبر؟
وكان السؤال مفاجأة لى، وكان رد الرئيس السادات قبل أكتوبر القادم إن شاء الله.
إذن فقد تحدد الموعد نهائيًا.. وعلينا أن نوفر الورق والمطبعة وآلات جمع الحروف.
ولم يكن عندنا من ذلك كله شىء.. أما آلة جمع الحروف التصويرى فقد استعنا بمؤسسة الأهرام.. ولولا زملاؤنا عمال الأهرام، ولولا صداقة الأستاذ يوسف السباعى لوجدنا صعوبة هائلة فى إصدارها فى موعدها.
فقد رأى الأستاذ يوسف السباعى أن إصدار مجلة مث---ل «6 أكتوبر»: واجب قومى.
وبهذه الروح الصادقة، تلاشت صعوبات كثيرة أمامنا.. وساعدنا الأهرام أيضًا فى توزيع المجلة.
وساعدنا أيضًا فى الإعلانات، وسوف نعتمد على آلات الجمع عندنا ابتداء من الشهر القادم وسوف يكون لنا إلى جانب إعلانات الأهرام إدارة إعلانات خاصة بنا.. وإدارة توزيع أيضًا.. وهنا نشعر تمامًا أننا نمشى على أرجلنا.. ونطير بأجنحتنا.
وقد ساعدنا المهندس مشهور أحمد مشهور عندما قدم آلة للطباعة هى أحدث ما اخترع العقل الإنسانى.
وقدمها بنفس راضية وسماحة تامة.. وقد أدت هذه المطبعة إلى تخفيف أعبائنا.. وهو لذلك يستحق منا كل تقدير وكل عرفان بالجميل..
ثم زودنا المجلة بمطبعة ثانية وثالثة..
واختار الرئيس السادات أن يكون لمجلة «6أكتوبر - 10 رمضان» اسم نهائى هو مجلة «أكتوبر».
وعقب مؤتمر صحفى فى مدينة الرياض استدعانى الرئيس السادات.. وأخرج من تحت المخدة فى غرفته ورقة مكتوبًا عليها: عدد من الأبواب التى يرى إدخالها فى المجلة.
وعاد مرة أخرى يقول: إنها مهمة شاقة. أعرف ذلك. لكن يجب أن تنجح وسوف أساعدك.
***
وكانت أكبر وأعظم مساعدة لنا هى أن الرئيس السادات قد خصنا «بأوراقه» التى نشرها بمنتهى الاعتزاز منذ العدد الأول. وأصبحت هذه الأوراق أهم معالم مجلة «أكتوبر». ففى هذ الأوراق يتحدث الرئيس السادات عن أخطر الإنجازات فى حياته السياسية، وفى حياة مصر والأمة العربية والسياسة الدولية.
وقد جعل عنوان هذه الأوراق « الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة».. وقد رأى الرئيس السادات أن ينشر الحقيقة كاملة.. وينتظر أن يراجعه أحد فى واقعة واحدة. فلم يفعل ذلك أحد. فقد آمن الرئيس السادات بأنه من الأفضل أن يعلن أسرار سياسته بنفسه.. فقد كثرت المذكرات والذكريات الكاذبة فى الصحف العربية.. وقد أطلق الرئيس السادات على أكثر هذه المذكرات أنها اتخذت معناها من أغنية فريد الأطرش التى تقول: « ما قال لى وقلت له».. أى أن هذه المذكرات تدور فى الغالب بين شخصين فى جلسة خاصة. أحد هذين الشخصين قد مات - فأين الحقيقية وأين الخيال؟!
ثم إن الرئيس السادات قد توجه بتجاربه الخطيرة فى السياسة إلى شباب مصر وشباب الأمة العربية حتى لا يضلوا فى متاهات السياسة. ثم إن الرئيس السادات نفسه كان شابًا وكان غاضبًا وكان ثائرًا. وعرف السجون والمعتقلات. ونام فى الظلام على البلاط.. وعرف الجوع وعرف البطالة.. وعرف الضياع. لولا أن عصمه الله ولولا أن شاءت إدارة الله أن تدخره لمصر.. ليشارك فى ثورتها.. ثم يثور على ثورتها.
والرئيس السادات فى كل ما كتب وسوف يكتب لم يرفع عينه عن مصر. فمن أجلها هان عليه كل شىء.. بل الهوان من أجل مصر عزة وكرامة، والجوع فى سبيلها شبع. والقيود فى حبها حرية مطلقة.. وهو يقول للشباب: (اصبروا وصابروا وثابروا.. فمن كان يصدق أن شابًا مثلى فى سنة 1950 ليس فى جيبه إلا أربعون قرشًا وبلا عمل. سيكون رئيسًا لجمهورية مصر.. إن هذا ممكن لأى أحد.. ولكن بشرط أن يكون قويمًا وأن يكون مخلصًا وأن يكون على استعداد للتضحية.. لأنه لا يصح إلا الصحيح!).
ولم يكتف الرئيس السادات بأن خصنا بهذه (الأوراق) بل سمح أيضًا بنشرها فى البلاد العربية.. فنشرتها معنا فى نفس الوقت صحيفة (الرياض) السعودية.. ونشرتها صحيفة (السياسة) الكويتية..
ونشرتها الصحف اليوغسلافية فرفعت توزيعها بعشرات الآلوف.
ونشرتها الصحف الصينية.. ثم عادت فنشرتها فى كتاب..
وطلبت ست دور نشر ألمانية وإيطالية أن تترجمها إلى اللغات الأوروبية وكان ذلك ممكنًا، وسعدنا، لولا أن هناك عقودًا بين الرئيس السادات ودور نشر أمريكية على نشر كتابه الذى ألفه عن حياته بعنوان (البحث عن الذات) باللغة الإنجليزية.
ولكن سوف تنشر الأوراق فى مجلدات باللغة العربية..
وأكثر من ذلك أن الرئيس السادات كان حريصًا على قراءة هذه الأوراق وتصحيحها بقلمه.. وإبداء الملاحظات على حجم الحروف وعلى أوائل السطور.. وموضع العناوين الفرعية. فكان بذلك، وبرغم أعبائه الهائلة، نموذجًا للكاتب القلق على عمله والمتفانى فيه أيضًا.
والذين شاهدوا الرئيس السادات فى أحاديثه الممتعة فى التليفزيون يرونه فى كامل لياقته النفسية والعقلية.. فهو صاحب ذاكرة غير طبيعية.. وهو يعرف التواريخ والأيام والأرقام.
قال لى ممدوح سالم: كنت أتصور أننى صاحب ذاكرة قوية جدًا، حتى عرفت الرئيس السادات عن قرب فوجدت أن ذاكرته أقوى بمراحل.
وفى أحاديث الرئيس السادات أيضًا لديه هذه القدرة الهائلة على أن يكون لحديثه (سياق) متين - فهو يجيب عن السؤال بتوسع. ويدخل فى تفاصيل كثيرة جدًا، ثم بسرعة يعود إلى النقطة التى بدأ منها هذا السرد.. ثم يربط الحديث من أوله لآخره.. مهما طال بالساعات، فى خيط متين..
وفى أحاديثه المسجلة يستطيع أن يتذكر تمامًا من عشرين عامًا. كيف كان يجلس فلان وأين كان يجلس فلان وما الذى كان يرتديه.. ولون بشرته.. وحركة عينيه وبحة صوته بمنتهى الدقة!
أذكر أن الرئيس السادات عندما كان يروى مقدمات ثورة يوليو.. أشار إلى واقعة غربية.. أن جمال سالم قد جاءه فى المطار واقترب منه وأبلغه رسالة.. ثم ذهب إلى السيد حسن إبراهيم، وقال له شيئًا. ولكن الرئيس السادات لم يعرف ما الذى قاله لحسن إبراهيم فلا جمال سالم أخبره، ولا حسن إبراهيم أخبره، ولا هو تذكر أن يسأل أحدهما.
ولكن بعد 25 عامًا تمامًا تذكر الرئيس السادات هذه الواقعة، ثم طلب منى أن أسأل السيد حسن إبراهيم عن الذى قاله له جمال سالم فى ذلك اليوم.
ولكن السيد حسن إبراهيم أدهشه جدًا أن الرئيس السادات مازال يذكر ذلك. رغم ملايين الأحداث التى وقعت فى مصر وفى العالم!
ولما قلت للرئيس السادات: إن السيد حسن إبراهيم لا يتذكر شيئًا من ذلك مطلقًا.
كان تعليق الرئيس السادات: غريبة!
أى غريبة جدًا أن السيد حسن إبراهيم لا يذكر ذلك الذى حدث لمدة نصف دقيقة من ربع قرن؟!
ولما علم الرئيس السادات بحملات التشكيك فى إصدار هذه المجلة. أو بتعقيد الأمور أمام محرريها الشبان، بعث بكلمة مسجلة إلى محررى مجلة أكتوبر.
وجمعت المحررين جميعًا وأسمعتهم تحية الرئيس السادات لهم..
ثم إن هذه الكلمة التى نعيد نشرها فى الصفحة الأولى لهذه المجلة. قد نشرتها الصحف فى صفحاتها الأولى فى يوم صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر يوم 31 أكتوبر 1976..
وجاءت هذه التحية التى كانت موجهة إلينا. وإلى كل المؤسسات الصحفية من ورائنا. فى مقدمة نشرات الإذاعة والتليفزيون. فلم يكن المقصود مجلة أكتوبر. إنما كل الصحف والصحفيين وضمير الصحافة المصرية، أو السلطة الرابعة فى مصر.
***
وكان يزورنى أحد الوزراء السودانيين وقد أقمت له حفلة شاى فى مكتبى، عندما دق جرس التليفون، وكان المتحدث الرئيس السادات يتوجه بالتهنئة لجميع العاملين فى مجلة أكتوبر على العدد الرائع من المجلة الذى صدر يوم 15 مايو - عن ثورة التصحيح.. والذى كتب فيه الرئيس السادات بخط يده اليوم الكبير من ثورة التصحيح.
وأتمنى لو أذن لى الرئيس السادات أن أعرض ما كتبه وما صححه فى كل سطر وكل صفحة من هذه الأوراق. والخطوط التى وضعها تحت الكلمات، والإشارة إلى إبراز العبارات والمعانى - أتمنى لو يأذن لنا فنعرض هذه الأوراق على طلبة الصحافة ليروا مدى دقته وحرصه على كل كلمة يقولها.. وكيف أنه نسى أنه رئيس جمهورية. وتذكر أنه صحفى وكاتب ومؤرخ، وأن أمانته العلمية اقتضته أن يتابع بالاهتمام الشديد كل كلمة كتبها - منتهى الأمانة التاريخية والثقافية فى العمل والصبر على هذه المشقة مع أعبائه الكثيرة العنيفة..
ودهش الوزير السودانى بهذا الاهتمام من رئيس الجمهورية، ولهذا التشجيع العظيم لهذا المشروع الجديد.
فقد شجعنا الرئيس السادات كثيرًا، وخصنا بأشجع وأجرأ مذكرات سياسية فى العصر الحديث. ولكنه لم يكتف بهذا.. بل ذهب إلى تشجيع المحررين بنفسه وبصوته.
وكل سنة وأنتم طيبون يا قراء أكتوبر فى مصر وفى العالم العربى.
نشرت هذه المقالة فى العدد 1567 بتاريخ الأحد 5 نوفمبر 2006.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.