بعد أكثر من 240 يوما وليلة من القتال الدامى بين الرئيس الليبى معمر القذافى وثوار 17 فبراير سقط ملك ملوك أفريقيا بين أبناء شعبه الذين وصفهم بالجرذان. بعد 42 عاما من الزعامة والرئاسة خر صاحب النهر العظيم صريعاً ليضع نهاية مؤلمة لكل الطغاة، ويؤكد صراحة أن نهاية الظلم «طلقة».. ونهاية الغز «علقة» انتهى عصر القذافى فى سرت مسقط رأسه وتخلت عنه العشائر والقبائل وتبرأ منه العدو والصديق ليكون عبرة لمن يعتبر. وقد رصدت «أكتوبر» الساعات الأولى والأخيرة لليلة سقوط القذافى ومقتل نجليه سيف الإسلام والمعتصم وإلقاء القبض على رفاقه وحراسته الخاصة. فيما تحدث رئيس المجلس الانتقالى المستشار مصطفى عبد الجليل حول مستقبل ليبيا بعد مقتل القذافى والدعوة إلى المصالحة الوطنية ومشاركة الشعب الليبى فى البناء والتنمية. تعددت الروايات حول نهاية القذافى ما بين إلقاء القبض عليه جريحا أو مقتولا وكذلك نوعية الإصابات.. وجاءت الرواية الأولى بأنه وجد فى سرداب مياه «حفرة» وبعد تدافع الثوار بإطلاق النار عثر عليه حيا وبه إصابات خطيرة فى الوجه والصدر، وهناك من ذكر أن الإصابة فى قدميه، وقد سارع الثوار وكتيبة غريان التى ألقت القبض عليه بنقله إلى أحد المستشفيات فى مدينة سرت ولكنه فارق الحياة فى الطريق قبل وصوله إلى المستشفى وكان المجلس الانتقالى يحرص على إلقاء القبض عليه حيا لمحاكمته على الجرائم التى ارتكبها فى حق الشعب الليبى. الرواية الثانية تفيد بأن القذافى خرج فى موكب يتكون من 20 سيارة بينهما خمس سيارات مصفحة ومع تتبع حركة هذا الموكب تبين خروج القذافى ومن معه من هذه السيارات إلى سرداب مياه للاختباء به ولكن الثوار رصدوا هذا التحرك وقاموا بإطلاق نيران كثيفة باتجاه ما أسموه بالحفرة وبعد ذلك عثر على القذافى وبه إصابات بالغة فى الرأس والصدر وبجواره مسدسان وبندقية وحقيبة وعمامة للرأس، وقد تمكن بعض الضباط المرافقين له من الهرب والذين كان يصل عددهم إلى 17 ضابطاً. كما لقى أبو بكر يونس وزير الدفاع حتفه واعتقل موسى إبراهيم المتحدث الرسمى للقذافى فيما قام الثوار بمطاردة نجله المعتصم الذى كان يدير العمليات فى مدينة سرت ويعد من أخطر أبناء القذافى وكان يشغل منصب مستشار الأمن القومى. ومن بين الروايات أن القذافى عندما ألقى القبض عليه كان مندهشا ويقول:(خيركم.. خيركم.. ماذا تريدون؟.. ماذا هناك؟) وكان فى حالة صدمة ويغرق فى دمائه، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة بعد هجوم قام به حلف الناتو، ثم إطلاق نار من الثوار وهناك من يقول إنه أصيب فى سرت ولفظ أنفاسه الأخيرة فى مدينة مصراتة. وعما إذا كان القذافى قد قاوم الثوار جاءت الإجابات بأنه كان مندهشا وجريحا بإصابات بالغة وفى يده بندقية كلاشينكوف، وكان يرتدى زيه العسكرى. وبذلك أغلقت صفحة الحرب فى ليبيا ومحاصرة سرت التى استمرت منذ شهر سبتمبر الماضى، وبدأ الساسة الجدد فى الحديث عن مرحلة ما بعد القذافى وبناء مؤسسات الدولة وإجراء حوار وطنى للمصالحة وهو ما أكد عليه المستشار مصطفى عبد الجليل.. كما أعلن أيضاً أنه سيتم تشكيل الحكومة خاصة بعد تحرير مدينة سرت. ملحقات التحقيق : ======== ملك ملوك أفريقيا ===== مع أن معمر القذافى لقب نفسه بأمير المؤمنين وملك ملوك أفريقيا وخليفة المسلمين، وأطلق على أولاده أسماء المعتصم وسيف الإسلام إلا أنه كان غارقا لشوشته فى علاقته بإسرائيل والغرب وقتل الأبرياء فى مصراتة وسرت ودفع تعويضات لا حصر لها لضحايا لوكيربى، وساهم فى بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة وغزة. وقد أكد ساعد معتوق أحد الثوار الليبيين أن القذافى فتح الأبواب على مصرعيها للشركات الأجنبية بغرض التنقيب عن البترول، ولم يقدم للأمة العربية أى دعم مادى أو معنوى. ملفات شائكة ====== نهاية القذافى لن تكون نهاية الاستقرار فى ليبيا بعد تأكيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالى أن الطريق مازال طويلا على أساس أن معركة البناء والتنمية أصعب ألف مرة من جبهات القتال. وقال إن أصعب الملفات التى تواجهه حاليا هى ملفات التعمير والبناء وتعويضات الشهداء، وعلاج الجرحى والمصابين، حيث قرر عبد الجليل إنشاء حقيبة وزارية ورصد 2 مليار دولار لعلاج الجرحى. وكانت إحدى المظاهرات قد انطلقت قبل سقوط القذافى مطالبة بصرف تعويضات عاجلة مؤكدة أنها لا تتسول ولا تطلب هبة على حد قولها. حكاية طاغية ===== إذا كان ثوار 17 فبراير قد ذاقوا الأمرين حتى أسقطوا حكم الطاغية، فإن الوضع كان مختلفا تماما مع الرئيس القتيل، حيث جاءته السلطة على طبق من ذهب عندما استغل الملازم الشاب معمر القذافى وجود الملك السنوسى خارج البلاد لتلقى العلاج، وقام بالانقضاض على السلطة فى مسرحية هزلية أطلق عليها ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، وبعد ثمانى سنوات قام بمسرحية هزلية أخرى، فقام بتشكيل اللجان الشعبية وتأليف الكتاب الأخضر وألغى الدستور ومؤسسات ووزارات الدولة، بدعوى تمكين سلطة الشعب، وبالتالى أصبح المؤتمر الشعبى الليبى أعلى سلطة تشريعية فى الدولة لكونه يحل محل مجلس الوزراء ويقوم بسن القوانين والتشريعات، ومن المعلوم أن معمر القذافى يعد أطول رئيس فى تاريخ العالم أجمع، وأطول حاكم فى تاريخ ليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية عام 1551.