الجدل البيزنطى الذى أثاره بعض مرشحى الرئاسة وعلى رأسهم محمد البرادعى والذى مازال يطالب - رغم بدء الانتخابات- بتشكيل مجلس رئاسى ووضع الدستور أولا.. فتح شهية القوى السياسية ورؤساء الأحزاب وخبراء القانون حيث اجتمعوا على قلب رجل واحد بضرورة إعلاء قيم الديمقراطية وإطلاق الحريات والحقوق العامة بعيدا عن مظاهر الاستبداد والديكتاتورية. وجهات نظر متباينة حول شكل الدستور الجديد ومبادئ الديمقراطية والدولة الدينية فى السطور التالية.. فى البداية يقول السفير عبد الفتاح الزينى محاضر بمعهد الدراسات الدبلوماسية إن مصر بها الآن تيار تنويرى ممتاز ظهر فى شباب 25 يناير، والمستقبل يجب أن يكون بالتوافق بين كافة الفصائل، مشيراً إلى أنه يشعر بالتفاؤل تجاه ما يحدث من تضارب فى الآراء وأن هذا سينتهى برأى توافقى، يستطيع أن يضع مبادئ دستورية ثابتة مثل كافة الدول والحضارات العريقة وعندئذ سنبدأ أولى الخطوات لأننا إذا كنا نجحنا فى تغيير نظام الحكم والحاكم، فهناك الكثير مما يتطلب تغييره مثل أنماط الحياة والنمط الاقتصادى ومواجهة البطالة ونظام التعليم الذى يفرز شبابا غير مؤهل. ويشير السفير الزينى إلى أن صندوق الانتخابات هو الفيصل بين الجميع، وعلى المصريين أن يبدوا آراءهم بحرية، وإذا كنا ننشد الديمقراطية فلا بد من احترام رأى الآخرين باعتبار أن حريتنا تقف عند حرية الآخرين. الجمهورية المعتدلة/U/ ويتفق مع الرأى السابق المفكر والكاتب القبطى سمير مرقص، مشيراً إلى أن ثورة 25 يناير استطاعت أن تجدد الجمهورية بمفهومها العلمى الذى يشمل دولة الحداثة والقانون فهذه الدولة منذ عصر محمد على حتى يومنا الآن أصابها الكثير من الأعطال والترهل، فثورة 25 يناير جاءت لاستعادة صحة وحيوية هذه الدولة الجديدة، مشيراً إلى أن هناك 3 مبادئ أساسية جاءت بها هذه الدولة الجديدة أولها إعادة الاعتدال للجمهورية، وينتشر هذا التعبير فى الأدبيات القديمة كما فى الفلسفة اليونانية التى كانت تروج لمفهوم «الجمهورية المعتدلة» أما الجمهورية الأخرى فالميزان فيها يختل فى أمرين الأول هو الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء فلم تعد جمهورية أو دولة، إنما تتحول إلى مغانم وتوزيع الثروات على الأقارب والمعارف، وتصبح منحة من الحاكم الذى يمنح فى ظل شبكة امتيازات مغلقة تحتكر الثروة بما يسمى بالاقتصاد الريعى مثلما حدث فى شراء الأراضى ثم تسقيعها ثم بيعها بأسعار مبالغ فيها، أما الاختلال الثانى فهو فى «فلسفة الجمهورية» فالجمهورية تقوم على انتقال السلطة بعيداً تماماً عن فكرة التوريث وهى التى استولت على مصر على مدى 10 سنوات والتى ضربت النظام الجمهورى فى مقتل، فالنظام الجمهورى لا يقوم على التوريث، مضيفاً أن أهم ما جاءت به ثورة 25 يناير واقترحته بوضوح هو كيف نستعيد الاعتدال لجمهورية مصر، وإحداث التوازن بين فئات المجتمع الغنى والفقير، أما الاختلال الثالث فهو أن مصر فقدت مقومات الدولة الحديثة التى من المفترض أنها تقوم على أمرين هو الانتقال من النظام الملى والعشائرى والطائفى والقبلى إلى نظام يقوم على المؤسسات، فالمؤسسة هنا لا تعرف حسبك ولا نسبك، إنما تعنى بما تقدمه لهذه الدولة وفكرة أن تكون حركة الناس خارج الطائفة أو القبيلة أو الملة وكل النشاط يكون مع الدولة الكبيرة، ومصر وصلت فى لحظة من اللحظات إلى الجماعات الأولية والطائفية وليست إلى دائرة العامة «الدولة الحديثة» وتم استبدال المؤسسية بالعزوة والكوتة. ويضيف مرقص أن جميع الأحزاب بداية من الليبراليين والإخوان والسلفيين واليسار والقوى القومية لم نجد أحدا يختلف على فكرة العدالة الاجتماعية والحرية السياسية، ونجد المشترك هو الذى يظهر وجميع الناس تلتف حول ما يجمعها وليس ما يفرقها ، وهو نوع من دلالات الجمهورية. ومن جانبه يقول المهندس أبو العلا ماضى رئيس حزب الوسط إن مصر قبل 25 يناير كانت تعيش فى نظام حكم استبدادى، وكانت آخر مراحله استبداد الفساد الذى أدى إلى تدهور مصر فى جميع الأحوال، وثورة 25 يناير أحدثت نقلة كبيرة فى أساس هذا النظام ومع ذلك مازالت بقاياه موجودة، وحصلنا بفضل الثورة على الحرية، ولكن لم نحصل على كامل الديمقراطية لعدم وجود نظام أساسى لها، مشيراً إلى أن الحالة التى واجهناها منذ 11 فبراير حتى الآن هى حالة حراك سياسى، جزء كبير منه صحى وآخر غير صحى، لأنه يعبر عن كيفية تشكيل مصر القادمة، ويضيف ماضى أن البعض يتصور أنه بمفرده يمكن تشكيلها، ويستند على ألوان طيف مختلفة، مثل أنه يتخيل امتلاك قدرة جماهيرية عالية تعطى له الحق أن يشكل مصر كما يرى أن البعض الآخر يظن أنه يمتلك قدرة إعلامية عالية يسيطر بها على مؤسسة الإعلام تعطى له الحق أن يشكلها وكل هذه التصورات ليست صائبة، ولكن التصور الصائب هو التفاهم بين جميع المكونات حول صورة مصر القادمة، أما الخلاف الذى احتد منذ استفتاء مارس فإنه يهدأ قليلاً ثم يشتعل، موضحاً أن هذا الخلاف يدور حول كيف ستكون صورة مصر القادمة، واستعراضات القوى التى تمت كان هدفها أن كل جهة لها أحقية فى تشكيل مصر القادمة، وكلها لا يمكن أن تشكل مصر القادمة، فمصر القادمة يجب أن يكون بينها وبين الاستبداد قطيعة أيا كانت مرجعية هذا الاستبداد سواء كانت فكرية، سياسية، دينية، أيديولوجية أو اقتصادية، مشيراً إلى أنه فى ظل الحرية المنظمة التى تسع الجميع نستطيع أن نتوافق على النظام الاقتصادى والاجتماعى، موضحاً أن النظام الديمقراطى هو الذى سيحكم مصر ويشكل قطيعة مع الاستبداد، والنظام الاقتصادى الاجتماعى سيعالج الفجوة التى كانت موجودة فى ظل النظام السابق، حيث كانت أحد الأهداف الأساسية للثورة تحقيق العدالة الاجتماعية، فى ظل خلل شديد فى توزيع الثروة فى الفرص، والحالة الاقتصادية الاجتماعية لأغلبية المصريين. ويضيف رئيس حزب الوسط أن جميع محاولات لى الذراع من أفراد لتمرير صورة معينة ستفشل، والحل الوحيد هو التوافق حول أى نظام سيحكم مصر سواء كان النظام الديمقراطى أو النظام الاقتصادى الاجتماعى، وبعد ذلك الأغلبيات ستحكم فى ظل توافق على هذا النظام، فالحكم المباشر سيكون لأية أغلبية أيا كانت. ويشير أبو ماضى إلى أنه إذا أردنا أن نضع نظاماً سياسياً قائماً على التعددية الديمقراطية، والمساواة لابد أن يكون هناك توافق عليه وكذلك على النظام الاقتصادى والاجتماعى. ويشير أبو ماضى إلى أن الأسس التى تقوم عليها الدولة الحديثة بحيث تكون دولة مدنية، لابد أن تطبق التعددية والمواطنة، وصياغة الحريات بكل أنواعها إلى جانب تطبيق الحدود الدنيا الآدمية والتى تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى. ويطالب أبو ماضى بأن نسرع فى أن يكون لدينا حكومة مدنية ورئيس منتخب فهذا أفضل لمصر، مشيراً إلى أن الجدل المطروح الآن هو حدوث توافق على بدائل أساسية ليس هى فوق دستورية، ولا دستورية حاكمة، ويحدث لها اتفاق بين كل القوى والأطراف المشكلة ويكون لها التزام أدبى واسترشادى فى الفترة القادمة، حتى نصل إلى صندوق انتخاب حيث يكون لدينا برلمان منتخب وحكومة منتخبة ورئيس منتخب، وعندئذ سنصيغ قواعد هذا النظام الجديد الذى نسعى لتحقيقه. ومن جانبه يقول د. حسام عيسى أستاذ القانون بجامعة عين شمس ورئيس المجموعة الدولية لاسترداد أموال الشعب أن ما يحدث الآن من بديهيات تثار حول إقامة انتخابات حرة هو هدف فى ذاته من الممكن أن يحدث نهضة للمجتمع، مشيراً إلى أن أشد الحكومات فى العالم جاءت بانتخابات حرة، وكما يعرف أن هتلر النازى كان من أشد الأنظمة الديكتاتورية والإجرام ليس فى ألمانيا وحدها ولكن للإنسانية جمعاء، فإن حكومته كانت بالانتخاب الحر، مضيفاً أن هناك بعض الآراء من النخبة تقول إن تطبيق نظام الأغلبية أفضل ويصلح لمصلحة إقامة الدولة والأمة. ويشير عيسى إلى أن من المسائل المهمة مسألة أن يترك الدستور للأغلبية، وإذا تم ذلك سيؤدى إلى سلبيات بالدستور ومن الأفضل أن يتم بالتوافق بين القوى السياسية والشعب، مشيراً إلى أنه لا يتصور أن يصاغ الدستور من خلال جماعة من الجماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين بحصولها على الأغلبية. ويوضح عيسى أن المبادئ الحاكمة تتفق على أنها تتواجد للحفاظ على الدستور، والمشكلة هى أننا نختلف عليها، بالرغم من أن دولا كبرى مثل الهند وأمريكا والصين وغيرها تلتزم بها، مشيراً إلى أنه لو كان لدينا مبادئ حاكمة بالدستور السابق «المعطل» لما تم تعديل المادة 76، وأن الهدف كان من عدم وضعها لكى تتمكن القيادة من عمليات التزوير للدستور، وأنه بات من الضرورى أن تؤسس الجمهورية بالتوافق على أسس الدولة «بالأغلبية السياسية» الناتجة عن انتخابات عامة. المد الثورى/U/ ويختلف الدكتور محمد البلتاجى أمين عام حزب الحرية والعدالة مع الدكتور عيسى فى الرأى بأن هناك قطاعات عديدة بالمجتمع أصبحت تتحدث عن المد الثورى ولا تصنع شيئاً من العمل والإنتاج، وهذا ما يجعلنا فى الظروف والوضع الحالى الذى نعيش فيه الآن - مشيراً إلى أننا أمام حدث تاريخى فريد - لا نستغله على الإطلاق، فى الوقت الذى نواجه فيه تهديدات وتحديات، وفى الوقت نفسه لدينا رؤى وتحركات فى جميع الاتجاهات ويضيف البلتاجى أنه من الضرورى أن يبنى العمل الوطنى على قواعد جديدة بالعمل واللقاءات الجادة بالمدرسة والمعهد والجامعة والمؤسسات المالية والبنوك والشركات وأن يتم ذلك بناء على معايير دولية، مضيفاً أن خريطة الأحزاب فى مصر تحتاج إلى قواعد من الكفاءة، مشيراً إلى أن التوافق على المواد الدستورية سيأتى من برلمان منتخب يمثل الشعب وبالتالى هناك التزام أدبى بهذا التوافق، وأن البرلمان القادم سيأتى من الهيئة التأسيسة للانتخابات وستستكمل مشروعيته بالاقتراع أمام صناديق الانتخابات بنعم أو لا. مبادئ حاكمة/U/ وتطالب د. منى ذو الفقار أستاذ القانون بضرورة وجود مبادئ حاكمة للدستور تطمئن أفراد الشعب، وتكون تلك المبادئ بالاستفتاء، وأن تمنح الحقوق بدون صراعات وتهديدات للمجتمع ذات النسيج الواحد، وأن يتم اختيار الجمعيات التأسيسة من الشعب. ومن جانبه يقول د. محمد محسوب الخبير القانونى وعميد كلية الحقوق جامعة المنوفية، والأمين العام للمجموعة القانونية المصرية لاسترداد الأموال المهربة، إنه من مؤيدى إجراء الانتخابات البرلمانية بسرعة للانتقال إلى نظام حكم مدنى، وتكون لدينا حكومة مسئولة مشكلة من أغلبية منتخبة فى البرلمان: مجلسى الشعب والشورى. وينبه عميد حقوق المنوفية إلى ضرورة الفصل بين المسار الانتخابى والمسار الدستورى، وهما ليسا متلازمين فالانتخابات كانت يجب أن تجرى سريعاً وفى وقت مبكر عن ذلك، وكان يجب فى نفس الوقت تأسيس جمعية تأسيسة بالانتخاب المباشر من الشعب أو التوافق عليها من جهات وطوائف مجتمعية مختلفة لتبدأ فى النقاش ومهمة وضع الدستور وتقترح الدستور ويتم عرضه على الشعب خلال سنة أو أكثر، ويكون فى نفس الوقت قد تم تشكيل برلمان منتخب، وحكومة تمثل الأغلبية تدير البلاد ولا تكون حكومة مؤقتة، والمشكلة فى الانتخابات القادمة هى الربط ما بين المسارين أن الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور ستنشأ باختيار من أعضاء البرلمان الذى سيتم انتخابه فى نوفمبر القادم ، وهنا المشكلة تعنى أن غالبية البرلمان هى التى ستختار الجمعية التأسيسية وهذا أمر غير مسبوق فى النظم الدستورية. ويوضح الدكتور محسوب أن الجمعية التأسيسية لا تنشأ باختيار البرلمان، لأن البرلمان يهيمن عليه أغلبية سياسية عارضة مؤقتة من الممكن أن تكون اليوم أغلبية وغداً أقلية، فالمفروض أن تنشأ مباشرة من الشعب أو بتوافق القوى السياسية الرئيسية التى شاركت فى الثورة.