لكل جهاز من أجهزة المخابرات العالمية، أسلوبه ووسائله فى الإيقاع بمن يستهدف تجنيدهم، وفقاً لأيدلوجيته، ومنهجه الفكرى، فبالنسبة لجهاز المخابرات السوفيتى السابق، كانت لديهم وسيلة مضمونة، معروفة باسم (المخرج الوحيد)، حيث يتم وضع العنصر المستهدف فى حالة سيئة، يكون مخرجه الوحيد منها، هو التعاون مع المخابرات السوفيتية، فقديماً، كانت معظم البعثات تذهب إلى الاتحاد السوفيتى، وكانت ميزانية المبعوث محدودة، تتيح له الحياة بالكاد، خاصة أن القانون لم يكن يسمح له بالعمل، طوال فترة بعثته، وكان على المبعوث أن يحوًَّل ما يصله من المال إلى الروبلات السوفيتية، بالسعر الرسمى هناك، والذى كان يختلف كثيراً عن سعر الروبلات الحقيقى، فى السوق السوداء، فى نفس الوقت الذى كانت عقوبة تحويل العملة فى السوق السوداء مفزعة إلى حد كبير... وكانت المخابرات السوفيتية تختار العنصر المستهدف من بين المبعوثين ثم تدس عليه أحد عملائها، الذى يطرح عليه فكرة تحويل العملة بسعر السوق السوداء، دون أية مخاطرة، وتأكيدًا لحسن النوايا، يحضر له المبلغ فعلياً، قبل أن يتسلًَّم منه راتب البعثة، ويكون المبلغ ضعف مبلغ التحويل الرسمى على الأقل، فيفرح الهدف بالفارق المالى الكبير، الذى يتيح له حياة أكثر انتعاشاً، مع الانعدام التام للمخاطرة ... ويتكرًَّر هذا الأمر مرات ومرات، حتى يعتاد المبعوث هذا الدخل الجديد، ويعتاد العيش بهذا المستوى، وهنا تأتى مرة، يعتذر فيها عميل المخابرات السوفيتية عن عدم الحضور، ويطلب من المبعوث أن يتبادل المبلغ مع صديق له، سيلتقى به عند ناصية سكنه، وأمام الموقف، واعتياد الأمر، يلتقى المبعوث بذلك الصديق المزعوم، ويتم التبادل ... وهنا تظهر الشرطة فجأة، وتلقى القبض على الرجلين، ويتم نقل ثلاثين شخصًا، فى زنزانة صغيرة قذرة سيئة التهوية، بها مرحاض بدائى فى منتصفها، يزيدها سوءًا، مع تعليمات صارمة من السجًَّان، الذى يبدو شرساً، قاسى الملامح، بأن ينظر المبعوث طوال الوقت إلى نافذة الباب المغلقة، ليل نهار، بحيث إذا ما فتح السجًَّان النافذة فجأة، وضبطه ينظر إلى جهة أخرى فى أية لحظة، يتم جذبه فى قسوة خارج الزنزانة، وضربه فى شراسة، حتى يكاد يفقد الوعى، ويتم حرمانه من وجبة الطعام الوحيدة الهزيلة، التى تقدًَّم يومياً، والتى تعافها النفس، وتكفى طفلاً بالكاد .... وبعد ثلاثة أيام على الأكثر، فى هذه المأساة الرهيبة، يصبح الهدف مستعداً للتعاون مع الشيطان نفسه، إذا لزم الأمر للخروج من هذا الجحيم ... وهنا وعندما يقرّر الخبراء أن الوقت قد حان يتم إخراجه من الزنزانة ويحصل على حمام ساخن وملابس نظيفة ووجبة دسمة، ثم يخبره الخبراء بأن كل المطلوب منه هو أن ينقل إليهم أخبار الأمريكيين أو الانجليز فى (مصر)، ويؤكدون له أنه لا نية لديهم ولا هدف فى الحصول على أية معلومات عن المصريين أو أسرارهم، مما يجعل ضميره يهدأ، ويجد فى هذا العرض (المخرج الوحيد)، من الجحيم الذى عاشه، والذى يمكن أن يعود إليه، فيوافق على الفور، ويتقاضى عقب الموافقة مبلغاً جيداً من الروبلات، ويوقع إيصالاً باستلامه، من المخابرات السوفيتية وبتوقيع هذا الإيصال، يكون قد غاص فى المستنقع حتى أذنيه، وترك خلفه دليلاً دامغاً، على تعاونه مع مخابرات أجنبية ... وينهى المبعوث بعثته، وقد وقّع عدداً آخر من الإيصالات، ويتورط أكثر وأكثر، دون أن يطالبه أحد بأية معلومات، وبعد انتهاء بعثته، يعود إلى (مصر)، ويرسل فى البداية، تحت ضغط الخوف، بعض المعلومات القليلة عن الأجانب فى مصر، ثم يحاول التنصًَّل من الأمر، فلا يعترض أحد، ولا يطالبه بأى عمل، أو أية معلومات.. ويمضى الزمن، ويكبر المبعوث، ويتصوًَّر أن ما حدث كان مجرًَّد ذكرى سيئة من الماضى، وأنهم قد نسوا أمره تماماً، حتى يحتل منصباً كبيراً، بعد عدة سنوات، أو يصبح من أصحاب القرار ... وهنا يفاجأ بمن يجرى اتصالاً به، لتنشيطه، مع التأكيد على أنهم سيفضحون أمره، من خلال الإيصالات، التى تثبت عمله معهم لسنوات، وأن هذا كفيل بتدمير مستقبله، والقضاء على كل ما وصل إليه من منصب ومكانة ... ومرة أخرى، يصبح استمرار التعاون معهم هو (المخرج الوحيد)؛ لعبور تلك الأزمة الجديدة.. .هكذا كان السوفيت يفعلون، قبل انهيار الاتحاد السوفيتى، ولقد اقتبست المخابرات الإسرائيلية الأسلوب نفسه، واتبعته مع (على العطفى)، عميد معهد العلاج الطبيعى الأسبق، والمدلك الخاص للرئيس (جمال عبد الناصر)، والرئيس (السادات)، والذى ابتاع له الإسرائيليون شهادة دكتوراة زائفة من (الاتحاد السوفيتى)، بعد فشله فى الحصول عليها فعلياً، وجندته لحسابها، حتى تم كشف أمره، عقب تحريات المخابرات عنه، فى عصر الرئيس (السادات)، وألقى القبض عليه، وصدر حكم بإعدامه... ووسائل المخابرات الإسرائيلية فى التجنيد، تختلف عن وسائل السوفيت، فى نواح شتى؛ إذ أنهم يسعون دوماً خلف توريط الهدف، فى أمور نسائية أو مادية، أو استغلال طموحاته وتطلعاته... ومازال للحديث بقية.