حق التظاهر والإضراب والاعتصام.. هو أساس الكارثة الأخيرة التى عشناها واكتوينا بنارها على مدى الأسابيع الماضية، ونحن نؤكد أن التظاهر حق مشروع.. ولكننا بحاجة إلى تنظيمه وتقنينه وبما لا يعطل مصالح البلاد.. وبما لا يضر أحداً.. سواء المتظاهرين أو المواطنين.. أو مختلف أجهزة الدولة. وعندما نحلل أساس مشكلة مظاهرات الأقباط أمام ماسبيرو.. نكتشف أنها بدأت بالدعوة إلى التظاهر عبر الفيس بوك أو من خلال الاتصالات والتجمعات القبطية، ونحن نقر بحقهم فى التظاهر.. كما نعترف بأن هناك مشاكل مزمنة للأخوة الأقباط، بل إننا يجب أن نكون أكثر صراحة ونقر بأن النظام السابق اختلق مشاكل الأقباط ووظفها فى إطار اللعبة السياسية التى أضرت بمصر.. وأطاحت به فى نهاية المطاف. وهنا يجب أن نبدأ بتنظيم حق التظاهر والاعتصام والإضراب من خلال هذا الاقتراح المتواضع.. والبسيط أيضاً.. *أولاً: تحديد أماكن معروفة فى كل المحافظات للتظاهر.. بحيث تكون بعيدة عن قلب المدن والمواقع الحيوية وتستوعب أعداداً كبيرة من المتظاهرين. *ثانياً: منع دخول أية أسلحة أو أدوات حادة أو متفجرات يمكن أن تستخدم فى إحداث خسائر لأى طرف.. وهذه نقطة حيوية.. خاصة بعد ما رأيناه من تسليح المتظاهرين أمام ماسبيرو حيث فاجأوا قوات الجيش والشرطة بإطلاق النار وقتل وجرح عدد كبير منهم.. *ثالثاً: تحديد مواعيد التظاهر.. ولتكن أيام الإجازات.. وتحديد ساعات التظاهر بدقة.. وإبلاغ السلطات المختصة بها (سواء أجهزة الأمن أو الإدارة المحلية) لوضعها فى إطار برنامج زمنى محدد لكل الفئات والجماعات والأحزاب التى تريد التظاهر أو التعبير عن وجهة نظرها. *رابعاً: تعيين جهاز قومى لتنظيم وإدارة المظاهرات.. يتولى الاتصال بكافة الجهات التى تطلب التظاهر ويجتمع معها ويبحث مطالبها.. كل فى مجاله.. مثل النقل والتعليم والأقباط والسلفيين، إلخ.. الفئات التى تريد التظاهر، بمعنى آخر.. فنحن نريد أن تكون هذه العملية منظمة ومفيدة لكل الأطراف، فإذا كانت هذه الفئات تريد طرح مشكلتها فيجب عليها أن تطرح تصورها لحلها.. بما يتناسب وظروف الدولة وقدراتها، فنحن جميعاً فى مركب واحد.. ولا يستطيع طرف أن يتحمل مالا يطيق (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ويجب أن نضع أنفسنا فى موقع الطرف الآخر.. أى أن يشعر كل طرف بمشاكل الآخر.. وأن يقدم تصوره لحل مشاكله، لو فعلنا ذلك بصدق وإخلاص.. فسوف نقضى على جانب كبير من مشاكلنا.. أو على أقل تقدير سوف نتوصل إلى حلول لها. *خامساً: وضع جدول زمنى بأولويات الفئات التى لها حق التظاهر والاحتجاج، فهناك فئات وشرائح لديها مشاكل أكثر إلحاحاً وحيوية.. وهناك مشاكل يمكن تأجيلها، وإذا بدأنا بجدولة هذه المشاكل لقلنا إن الأمن ولقمة العيش لهما الأولوية على كل المشاكل الأخرى، فما حدث ويحدث كل يوم من إضرابات ومظاهرات يشيع حالة من الفوضى التى تقوض دعائم الدولة.. وليس الحكومة أو المجلس العسكرى، فكل هذه الأحداث تدفع المستثمرين إلى الهروب.. والسياح إلى عدم زيارتنا.. ويكفى أن البورصة المصرية خسرت مليارات الجنيهات فى اليوم التالى ل «أحد الغضب»، وهذه الخسارة طالت الجميع مسلمين ومسيحيين. وليست الخسارة مادية فقط بل إنها معنوية وسيكولوجية ووطنية أيضاً.. دون مبالغة، فقد نشأ مع الأحداث الملتهبة والمتسارعة إحساس بالخوف والقلق من الطرف الآخر، بل تطور الأمر إلى مواجهات مباشرة فى بعض الأحيان، وهذا هو مكمن الخطر، فنحن – كما قلت – نعيش فوق ذات الأرض.. ونستظل بسماء واحدة.. ونأكل ذات لقمة العيش، وهذا قدرنا الذى لا مفر منه، لا مفر من التعايش المشترك.. وليس هناك أجمل من الود والتفاهم والتسامح. وهنا يأتى دور أجهزة الإعلام خاصة الفضائيات ومواقع الإنترنت التى ساهمت – للأسف الشديد – فى تأجيج نيران الفتنة.. بل إن بعضها ساهم فى صناعة المؤامرة وتوجيهها نحو الأسوأ، حتى أننى سمعت إحدى مذيعات قناة «عربية» تقول لمراسلها فى القاهرة: إذاً يبدو أن الأمور لن تهدأ خلال الساعات القادمة»!! ومن الواضح أن تركيز هذه القنوات التى تدعى أنها «عربية» على هذه المشاهد يكشف هويتها وارتباطها بجهات استخبارية، وهى جزء من المؤامرة ضد مصر. وأعرف أناساً يعملون فى تلك القنوات والمواقع الإليكترونية المرتبطة بها.. ولديهم توجيهات «ودية» بالتركيز على المشاكل.. مشاكل مصر، والمشاكل بين الدول العربية.. خاصة من خلال التعليقات السلبية، بل إنهم يصنعون ويفبركون بعض التعليقات من أجل إثارة الفتنة والأزمات بين الدول العربية، وأبرز مثال على ذلك أزمة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، فجانب كبير من هذه الأزمة صنعه الإعلام المأجور والمشبوه.. تمويلاً وارتباطاً بقوى مضادة للعرب والمسلمين. *** وإذا بحثنا عن جذور المشكلة وأسبابها.. فسوف نكتشف أن فلول الحزب الوطنى وأجهزته المتشعبة (أمنياً واقتصادياً وإعلامياً) قامت بدور خطير فى صناعة أزماتنا على مدى الشهور السابقة.. ومنها أزمة ماسبيرو، فهم يرتبطون بمباحث أمن الدولة السابقة.. كما يرتبطون بتنظيمات البلطجية.. وتعاملوا معهم ويجيدون توظيفهم لخدمة أهدافهم.. المضادة للثورة، إنهم يحركون الإضرابات ويندسون وسط المظاهرات ويثيرون الناس ويحرضونهم.. وربما يستخدمون الأسلحة لخلق مشكلة صغيرة.. سرعان ما تتطور إلى أزمة كبيرة.. كما حدث أمام ماسبيرو.. وللأسف الشديد.. فإن هذه الفلول مازالت تحكم وتتحكم من وراء الكواليس.. فهم منتشرون فى كل المواقع والمصالح والمؤسسات.. ويشعرون بخسارة فادحة نتيجة ذهاب رؤوس النظام، ولكنهم من حيث الأمر الواقع يسيطرون على الأجهزة التنفيذية.. ويحاربون الثورة بكل الوسائل، ويريدون تأكيد مقولة المخلوع بأن الفوضى سوف تعم بعد رحيله، إنهم يعملون على هدم الاقتصاد.. وخلق الشعور بعدم الأمان والاستقرار لدى المواطن البسيط حتى يترحم على أيام النظام البائد. الأخطر من ذلك أنهم يريدون تعطيل العملية الديمقراطية وتخريب الانتخابات من خلال الأحزاب التى أنشأوها.. ومن خلال الأحزاب التى تسللوا إليها.. حتى لا تقوم المؤسسات الديمقراطية الجديدة.. فيظهر حجمهم الحقيقى.. وتضيع مصالحهم ونفوذهم بشكل نهائى. إضافة إلى الفلول.. هناك دول تدعى أنها شقيقة أو صديقة.. تحارب الثورة بكل ضراوة.. وتعمل وتخطط لإشاعة الفوضى فيها.. حتى تقول لمواطنيها هذه هى الثورات العربية، فوضى وعدم استقرار وضياع للأمن والأمان، هاهو ذا النموذج المصرى أمامكم.. هل تريدون أن تصبحوا مثل مصر واليمن وتونس وليبيا وسوريا؟! إحدى هذه الدول أصغر من حى فى القاهرة.. ولكنها تطمح إلى دور أكبر من حجمها.. وقدرها المتواضع، تريد أن تكون زعيمة بالفلوس والإعلام.. وبالتآمر مع أعداء الأمة. وإسرائيل لها يد مباشرة فيما يحدث فى مصر.. وهى مستفيدة من عدم استقرارها.. لأن النظام السابق كان «الكنز الاستراتيجى» لإسرائيل.. باعتراف قادتها، واستقرار مصر.. ثم نهضتها بعد الثورة.. ضد مصلحة إسرائيل، لذا فإنهم يلعبون على كل أوتار الأزمات: الأقليات.. الجماعات المتطرفة.. الدول «الشقيقة» التى يتفقون معها فى الهدف.. ويختلفون عنها فى الوسائل والتكتيكات.. فقط! أيضاً.. تتحمل الأحزاب والقوى السياسية المختلفة جانباً من المسئولية عن هذه الأزمات، فهى لا تساهم فى حل مشاكلنا.. بل إن بعضها – للأسف الشديد – يعمل على صناعتها وزيادتها.. عمداً.. أو جهلاً، وإذا كانت هذه الأحزاب تريد الخير لمصر فعلاً.. فعليها النزول إلى الشارع لحل مشاكل الناس.. ومنها المشكلة القبطية.. فليس المطلوب أن ننتظر حتى تحدث الكارثة.. ثم نبحث عن حلها.. بل أن نتقى شرها قبل وقوعها.