تابعت باهتمام بالغ الثورة التى قامت ولم تخمد حتى الآن منذ إغلاق قناة الجزيرة «مباشرمصر» ومكتبها بالقاهرة وتصريحات وزير الإعلام أسامة هيكل حول هذا الموضوع والانتقادات التى وجهت أيضاً حول أداء بعض الفضائيات التى تساهم فى إشعال الشارع المصرى كل يوم. وبعيداً عن الصراخ والتشنجات التى قوبل بها الأمر برمته والهجوم الضارى على هيكل ووصفه بأنه الوزير القادم لتقييد حرية الإعلام وفرض الرقابة عليه وغير ذلك مما قرأناه وسمعناه وشاهدناه! إلا أننى ومن خلال عدة معايير موضوعية أجدنى مندفعا للوقوف بشدة إلى جانب تصريحات هيكل وما قاله - وهذا لا يعنى مطلقاً أننى مع تقييد حرية الإعلام أو فرض رقابة على أية وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو إغلاق أى منها - ولكننى وبكل وضوح ضد أن تساهم وسائل الإعلام خاصة الفضائيات فى تهييج المشاعر أو إثارة البلبلة فى الشارع المصرى سواء بحسن نيه! أو أن تكون مدفوعة لذلك من أية جهة داخلية أو خارجية - لا أتهم أحدا لأنه ليس هناك دليل ملموس حتى الآن على ذلك مطلقاً وإن كان ما يحدث كاشفا لهذا التوجه إلى حد كبير! فما نراه ونسمعه فى العديد من برامج «التوك شو» بالذات قد فاق كل الحدود ووصل فى كثير من الأحيان إلى تجاوز الخطوط الحمراء..! نعم نحن فى ثورة ولدينا المناخ الديمقراطى والحرية بلا حدود، ولكن هل من المعقول أن يتم استخدام هذه الحرية فى تدمير مصر؟ هذا أمر مرفوض تماما ومحظور الاقتراب منه - للأسف القنوات الفضائية على «النايل سات» تحول الكثير من برامجها تدريجيا وخاصة برامج «التوك شو» إلى صراع على السلطة أو صراع من أجل السلطة. صراع حول تصفية الحسابات - حسابات البشر مع البشر وهم لا يدرون أنهم يصفون حساباتهم مع مصر! وهو أمر مرفوض وغير مقبول على الاطلاق! - الاتهامات كل يوم على شاشة الفضائيات نالت الكثير دون أسانيد واضحة - توجهات كل قناة نحو لوبى سياسى معين أو تيار دينى بذاته فرض نوعا من التراشق الحوارى الذى يصل إلى حد السباب والاشتباك على الهواء! وأصبحنا لا نفهم ما نحن فيه وإلى أين نتجه! - كل ذلك يحدث حولنا كل يوم فى الوقت الذى يجب أن تقوم فيه هذه الفضائيات بدور وطنى يدعو إلى تهدئة الشارع المصرى يناقش مرحلة مابعد الثورة بموضوعية وبعيدا عن أية مهاترات، يناقش مرحلة إنقاذ مصر، إنقاذ اقتصاد مصر ودفع عجلة الإنتاج، إنتاج المجتمع ككل ولكن هذا لا يحدث إلا قليلا ومن باب (ذر الرماد فى العيون)! وكأن هذه الفضائيات أرادت أن تسّود لنا الحياة وتجعلنا نتيقن أننا سنعيش فى هذه الأجواء الثائرة وغير الآمنة مدى غير معلوم وأن القادم هو الأسوأ وهذا غير صحيح! وإذا توجهت القنوات الرسمية لتليفزيون الدولة لمناقشة مضامين التهدئة ودفع الاقتصاد والحديث حول ملامح المستقبل بموضوعية وبعيداً عن الإثارة لاقت على الفور الاتهامات بأنها صوت الحكومة وأنها تفتقد الصدق والموضوعية! - هذا عن الصراع اليومى الدائر فى معظم القنوات الفضائية والذى يقوده بعض الأشخاص الذين عملوا فى عهد النظام السابق وهتفوا له وباركوا فساده، وأصبحوا اليوم هم الثوار وكأننا نحن الذين كنا أركان النظام السابق!. أما الحديث عن قناة الجزيرة «مباشر مصر» فهذا موضوع آخر سواء تم لها التصريح بالبث أم لا.. وتعالوا معى نحلل الأمر بموضوعية وبعيداًً عن الصراخ والتشنجات أو الشعارات التى انطلقت حول هذا الموضوع - نحن جميعاً ضد تقييد الحريات بشكل عام وضد تقييد حريات الإعلام بمختلف وسائله بوجه خاص، ولكننا جميعا ضد اختراق السيادة المصرية أو المساس بها سواء كان ذلك من فضائية أو غيرها.. وبعيداً عن موضوع «الترخيص» الذى لم تحصل عليه الجزيرة «مباشر مصر» للبث الفضائى من الجهاز المصرى الرسمى المنوط بإعطاء هذه التراخيص وإنها انطلقت للبث فى ظروف الثورة وفى غياب دور العديد من الأجهزة الحكومية وقت ذلك، ومع كامل تقديرى للدور التى قامت به فى تغطية أحداث الثورة ونقل ما يحدث بمصداقية للمشاهد فى حين تغيبت فيه قنوات الدولة عن هذا الدور الوطنى فى وقت كان المسئول عنها أركان النظام السابق الذين أفسدوا الحياة السياسية والإعلامية فى مصر.. فللجزيرة كل الشكر على هذا الدور سواء كان لديها تصريح أم لا - ولكن الاستمرارية فى التدخل فى الشأن المصرى حتى الآن وبعد مرور 8 أشهر على ثورة يناير وتخصيص قناة على مدار 24 ساعة تراقب وتتدخل فى كل أحداث الشأن المصرى بهذه الطريقة «الفجة» أمر يثار حوله الكثير من الشبهات - كما أن إصرار الجزيرة على القيام بهذا الدور هو نوع من الإعلام «الرخيص» الذى يُشعل الشارع المصرى كل يوم ويثير الفتن والبلبلة، ويهدد أمن واستقرار مصر.. دعونا نسأل القائمين على شبكة قنوات الجزيرة: لماذا مصر بالذات؟ لماذا لم يتم تخصيص قنوات مماثلة (الجزيرة مباشر سوريا - ليبيا - اليمن؟) وهى دول لا تزال تشتعل فيها الثورات ولم تهدأ! قد يأتى الرد بأن مصر هى قلب الأمة العربية واستقرارها استقرار للمجتمع العربى كله، وهذا معروف ومؤكد ونشكرهم إذا كان الرد كذلك وإن كان سيكون ردا دبلوماسيا خادعا لا تنقصه أركان المؤامرة! - ثم دعونى أسأل شبكة قنوات الجزيرة: هل تقبل أن تُطلق مصر قناة فضائية تحمل اسم (النيل للأخبار مباشر قطر) وتتدخل يوميا فى الشأن القطرى مثلما تفعل الجزيرة مباشر مصر؟! - ثم دعونى أسأل أيضاً بكل وضوح وصراحة: هل تستطيع أية قناة من قنوات شبكة الجزيرة أن تنتقد أو تتوجه بتلميح فيه انتقاد إلى أى مسئول فى دول قطر الشقيقة؟! لا أظن أنها تجرؤ على ذلك مطلقاً، بل إنها لا تجرؤ أيضاً على توجيه الانتقاد إلى أى موظف مربوط على الدرجة «الثامنة» فى أى ديوان من دوواين الحكومة القطرية!