فى حلقة الأسبوع الماضى أكد السفير بسيونى أن الغرب رفع القبعة للرئيس السادات لأنه كان يفكر ل 50 سنة قادمة، ولذا انحنى يوليوس قيصر أو هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا آنذاك لفلاح ميت أبو الكوم الذى فاجأ العالم بحرب كيبور وهى الحرب التى أطلقوا عليها فى إسرائيل «يوم القيامة» وأطلقوا عليها فى الغرب «حرب الأيام الستة» لأنها أجبرت إسرائيل على وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر ودعت الثعلب المكار أو هنرى كيسنجر إلى إنقاذ إسرائيل قبل انهيار الجنرالات وهلاك المعبد الثالث. وفى حلقة اليوم يكشف السفير بسيونى عن دور الاتحاد السوفيتى أيام الحرب والجسر الجوى الروسى الذى ساهم بشكل فاعل فى تحطيم أسطورة خط بارليف واسترداد مدينة القنيطرة وجبل الشيخ فى سوريا ووقوف الدب الروسى فى وجه أمريكا لأول مرة فى تاريخه. ويعترف السفير بسيونى أن الاتحاد السوفيتى فتح ذراعيه لضباط القوات المسلحة المصرية، حيث حصلوا على أعلى الدرجات والشهادات والتدريبات فى المعاهد البحثية والعسكرية، وهى معاهد مشهود لها بالانضباط والكفاءة القتالية خاصة كلية أركان الحرب التى تخرج فيها معظم ضباط وقيادات القوات المسلحة. ولم ينس السفير بسيونى فى معرض حديثه عن الدور السوفيتى دعمه للقوات المسلحة بعد نكسة 67، وأشار صراحة إلى أن الأسلحة السوفيتية كانت عامل حسم فى حماية الأجواء المصرية بعد تزويد تلك القوات براجمات صواريخ مضادة للدبابات والطائرات، بالإضافة إلى صواريخ الفولجا التى قطعت ذراع إسرائيل الطويلة فى حرب أكتوبر وحمت القوات المسلحة المصرية أثناء عمليات العبور واقتحام حصون بارليف، بالإضافة إلى حماية قوات المشاة التى توغلت داخل سيناء، أما على الجبهة السورية فقد أصدرت وزارة الدفاع السوفيتية يوم 11/10/ 1973 أمرا بوضع 3 فرق من القيادات المحمولة جوا فى حالة تأهب، وخلال أغلب أيام القتال- كما يقول السفير بسيونى- فقد استمر الجسر الجوى السوفيتى لكل من مصر وسوريا، رغم وجود خلاف بين الباحثين حول تقدير وحجم هذا الجسر. وبالرجوع إلى الوراء قليلا كشف السفير بسيونى أنه بعد نكسة 67- كما أشرنا سلفا- أرسل برجينيف رئيس مجلس السوفيت الأعلى بالاتفاق مع رئيس الوزراء كوسيجن والجنرال جريشكو وزير الدفاع وحدات قتال سوفيتية لتقاتل جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة المصرية والسورية، مع تزويد الجيشين على الجبهتين أسلحة جديدة لم تستخدم من قبل فى منطقة الشرق الأوسط وهى مدافع اقتحاح ذاتية الحركة وطائرات قاذفة، وغواصات بحرية، بالإضافة إلى طائرات الميج5 وصواريخ سام6 وبعض الوحدات الالكترونية. ويكشف السفير بسيونى من خلال أوراقه القديمة أن طائرات الجيش الروسى كان لها فضل كبير فى حماية الأجواء المصرية بعد ضرب الطيران المصرى فى 67، حيث قامت تلك الطائرات بملاحقة الطيران الإسرائيلى الذى كان يستهدف العمق المصرى ويضرب المنشآت المدنية والحيوية فى الدولة، والذى ضرب آنذاك مصانع تكرير البترول فى أبوزعبل، ومحطات الكهرباء فى الصعيد الجوانى، ومدرسة بحر البقر وتهديد السد العالى وغيره من المنشآت المهمة. وقد ظل الوضع هكذا حتى اكتمل حائط الصواريخ، وتحركت كتائب سام 6 على الجبهة لتكون حائط صد أمام التطاول الإسرائيلى على العمق المصرى. ورغم العلاقة المتوترة التى ربطت الرئيس السادات بالاتحاد السوفيتى منذ أن كان رئيسا لمجلس الأمة فى الستينيات، فإن الرجل- أى السادات- تحمل لأقصى درجة ألاعيب المسئولين الروس فى مقابل الحصول على سلاح وتحرير الأرض، فبعد الحصول على الطائرات السوخوى وصواريخ للسام 6 وسام 3 وغيرها من الأسلحة المضادة مدرعات والمجنزرات منح الرئيس السادات وزير الدفاع السوفيتى الجنرال جريشكو وسام نجمة الشرف، لأنه يدرك أن جريشكو رجل يحب الفخر، فأراد أن يمنحه هذا الوسام أو القلادة علهاّ تكون بوابة للحصول على مزيد من الأسلحة، وهذا إن دل فإنما يدل على عبقرية الرئيس السادات الذى تخصص فى سبر أغوار الشخصية، ودراسة أحوالها النفسية بجانب تخصصه فى الدهاء السياسى واستشراف المستقبل. وقد تأثر الرئيس السادات بموقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أبى سفيان بن حرب عندما خاطب أصحابه فى فتح مكة قائلا لهم: «من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن» وعندما سئل عن ذلك قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فأعطوه منزله»، وهو بهذا أراد أن يمنح الوزير الروسى وساما ليس حبا فيه ولكن لحاجة فى نفس يعقوب، وهى صواريخ الفولجا التى احتفظ بها السادات لضرب الثغرة. ولأن الرئيس السادات كان يدرك أن علاقة الفريق أول صادق وزير الحربية آنذاك لم تكن على ما يرام مع الدب الروسى، فقد انتظر عليه لحين استلام صفقة السلاح التى كان قد اتفق عليها سلفا، ثم أقاله فيما بعد، وعين مكانه الفريق أول أحمد إسماعيل مدير المخابرات، والذى نجح فى التوقيع على صفقة أسلحة جديدة كان أكثرها خطورة كما تقول أوراق السفير بسيونى لواء صواريخ أرض- أرض وسطح- سطح وسرب طيران ميج وسيارات قتال مدرعة، وغيرها من التشكيلات والمعدات الأخرى. ويكشف السفير بسيونى سرا- ربما يذاع لأول مرة- وهو أن تلك الأسلحة التى حصل عليها الرئيس السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة من روسيا احتفظ بها فى المخزون الاستراتيجى ولم يستخدمها طيلة أيام الحرب، ليس لضعف فى استخدامها -كما رددت دوائر الاستخبارات آنذاك- ولكن احتفظ بها لسحق القوات الإسرائيلية فى الثغرة، حتى أنه أطلق يوم 22 أكتوبر.. يوم وقف إطلاق النار صواريخ أرض- أرض على قوات شارون غرب القناة ليقول للعالم خاصة وأمريكا والغرب وإسرائيل أن مفاجآت حرب أكتوبر لم تنته بعد، وأن قوات شارون فى ثغرة الدفرسوار مصيرها إلى زوال، والتأكيد على أنها أصبحت رهينة تحت رحمة القوات المسلحة المصرية. ويشير السفير بسيونى إلى نقطة مهمة جدا وهى عبقرية المخطط والمقاتل المصرى والسورى الذى نجح فى وقت قياسى فى استيعاب أسلحة الجسر الجوى الروسى، واستخدام تلك الأسلحة فى الوقت المناسب هذا بالطبع عكس مقاتلى العدو الذين كانوا يتدربون فى المعاهد الأمريكية ليلا ونهارا، بل كان جنرالات البيت الأبيض يتسابقون فى تدريب جيش الدفاع الإسرائيلى سواء كان ذلك فى بحيرة طبرية وهضبة الجولان أو صحراء سيناء، لدرجة أننا أطلقنا عليهم فى المخابرات تدريبات الشوكة والسكين لشدة الرفاهية التى كانت تتمتع بها قوات ديان أثناء التدريب بعد احتلال سيناء والجولان فى 67. وفى لفتة كريمة ينسب السفير بسيونى الفضل لأهله قائلا: إن الدعم السوفيتى لم يقتصر على السلاح فحسب.. ولكنه امتد ليصل إلى الدعم النفسى، وذلك عندما تحركت أساطيل الدب الروسى فى البحر المتوسط، والبحر الأسود لتسبح ضد التيار، كما أمر برجينيف وكان يتولى منصب رئيس مجلس السوفيت الأعلى آنذاك بوضع 50 ألف جندى من القوات المحمولة جوا لتكون على أهبة الاستعداد وتقديم الدعم اللازم لكل من مصر وسوريا إذا لزم الأمر. ويضيف مع أن تلك الوحدات لم تشارك فى حرب 73، إلا أنها رفعت من الروح المعنوية للجنود خاصة على الجبهة السورية بعد الهجوم الإسرائيلى المضاد على الجولان والذى أفقدها توازنها بسبب الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل. ويحسب للاتحاد السوفيتى أيضا أنه زود جبهتى القتال فى مصر وسوريا بصواريخ استراتيجية، كان فى إمكانها ضرب العمق الإسرائيلى، وقد احتفظ بها السادات لاستخدامها وقت الحاجة، كما فعل فى بروفة الهجوم القاتل على الثغرة يوم 22 أكتوبر- كما ذكرنا آنفا. ولم يغفل السفير بسيونى الدعم السياسى الروسى إبان حرب أكتوبر، حيث أكد أن موسكو تحركت على 3 جبهات حيث تعلقت الجبهة الأولى بالعمل داخل مجلس الأمن، واستمرار المشاورات مع الولاياتالمتحدة، حيث أبلغت واشنطن موافقتها فى 10/10 من عام 73، على قرار وقف إطلاق النار بشرط أن تنسحب إسرائيل من كل الأراضى العربية المحتلة. وفى يوم 13/10 وجه الدب الروسى إنذارا شديد اللهجة لأمريكا عشية الغارات التى شنها الطيران الإسرائيلى على الأهداف المدنية فى مصر وسوريا، وتعرض إحدى البواخر التجارية السوفيتية فى ميناء اللاذقية لصاروخ إسرائيلى، وتضمن الاحتجاج تهديدا مباشرا لإسرائيل عندما قال رئيس مجلس السوفيت الأعلى: إن المراكز الآهلة بالسكان فى إسرائيل لن تظل آمنة للأبد، وأن الاتحاد السوفيتى سوف يتخذ الإجراءات التى يراها ضرورية لحماية البواخر ووسائل نقله الأخرى، كما أرسل الاتحاد السوفيتى احتجاجا ثانيا بشأن الجسر الجوى الأمريكى، وقال رئيس مجلس السوفيتى الأعلى أيضا: إن الاتحاد السوفيتى كان يتوقع أن تبذل الولاياتالمتحدة جهودها للوصول إلى تسوية شاملة فى منطقة الشرق الأوسط بدلا من سكب النار على البنزين، وتعجب الاتحاد السوفيتى على لسان برجينيف من تواطؤ وتباطؤ الولاياتالمتحدة فى العمل على وقف إطلاق النار، خاصة أنه قرار تم الاتفاق عليه بينهما منذ أيام سابقة. ولهذا فقد أرسل برجينيف فى 14/10 إلى الرئيس الأمريكى نيكسون رسالة مفادها أن الانحياز الأمريكى الكامل لإسرائيل هو الذى يدفع العرب إلى عدم قبول وقف إطلاق النار بعد أن تأكد لهم أن إسرائيل ولاية أمريكية. وامتد الضغط الروسى -وهو الجبهة الثانية- إلى الأطراف العربية، لحثها على القتال والمشاركة فى العمليات العسكرية ضد إسرائيل وعلى سبيل المثال فقد اتصلت موسكو بالمغرب يوم 9/10/73، -كما يقول السفير بسيونى- لدخول القوات المغربية المتمركزة فى سوريا بثقلها فى المعركة، كما قام الرئيس بود جورنى بتوجيه رسالة إلى كل من الملك حسين والرئيس هوارى بومدين يناشدهما دخول المعركة، كما حذرت روسياإيران- من عرقلة القوات العراقية- أثناء وقوفها بجانب القوات السورية، وذلك لأن كيسنجر أرسل رسالة إلى شاة إيران يدعوه فيها إلى ممارسة ضغط عسكرى على العراق لتحجيم دوره على الجبهة السورية، وإجباره على التخلى عنها. أما الجبهة الثالثة التى ضغط بها الدب الروسى على إسرائيل أثناء الحرب فتمثلت فى المواجهة الحقيقية بين موسكووواشنطن، وكان ذلك عندما انتهكت إسرائيل صدور قرار وقف إطلاق النار فى 22/10، حيث حاولت بشتى الطرق السيطرة على أراض جديدة غرب القناة واحتلال مدينتى السويس والإسماعيلية، وهو التحرك الذى دعمه كيسنجر ليكون ورقة ضغط على المفاوضات، عندها أرسل برجينيف رسالة إلى واشنطن، وبالتحديد فى 23/10 يصف فيها السلوك الإسرائيلى بأنه غير مقبول، وأنه يمثل عملية خداع صارخة يصعب السكوت عليها، ولابد أن يدينها مجلس الأمن. وفى نهاية اليوم أرسل برجينيف رسالة أخرى إلى نيكسون شخصيا حذره صراحة من خيانة إسرائيل، وانتهاكها لقرار وقف إطلاق النار، كما تضمنت الرسالة اقتراحا- كما يقول السفير بسيونى- مشروع قرار يصدره مجلس الأمن يؤكد فيه على قراره 338، وينص فيه على إرسال مراقبين من الأممالمتحدة للإشراف على وقف إطلاق النار، وبالفعل وافقت واشنطن وصدر القرار رقم 339. وفى اليوم التالى استمر التصعيد السوفيتى فأصدرت موسكو بيانا وقعة برجينيف أشار فيه إلى إمكانية حدوث عواقب وخيمة فى حالة اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار.. وقال: إذا كانت أمريكا راضية عن اختراقات إسرائيل، فإن الاتحاد السوفيتى سيقرر بنفسه ومنفردا اتخاذ خطوات ضرورية وعاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار، وفى نفس اليوم وجه لرئيس مجلس السوفيت الأعلى رسالة ثانية إلى نيكسون يلومه فيها على عدم التزامه بمصداقيته، وعدم ضغطه على إسرائيل أو إرغامها على قبول وقف إطلاق النار، وبناء عليه- كما يقول السفير بسيونى- رفع الدب الروسى درجة الاستعداد العسكرى للفرق المحمولة جوا، وفى اليوم التالى أمر رئيس مجلس السوفييت الأعلى بتعيين أحد جنرالات الجيش الروسى ليتولى مسئولية تلك القوات، وهذا المنصب الذى استحدثه برجينيف كان لتقليم أظافر إسرائيل فى البحرين الأسود والمتوسط. وفى يوم 26/10 تم الاتفاق على إرسال قوات مراقبة دولية، من غير الدول صاحبة العضوية فى مجلس الأمن لتبدأ بعدها مفاوضات فض الاشتباك ليظهر المارد الأمريكى من جديدًا بعيدًا عن قواعد الحرية وإن ديمقراطية التى رمزوا لها بتمثال الحرية. فى الحلقة القادمة: الجنرال النحيف يتحدى معركة تحطيم الأعصاب