كل إنسان كبر أو صغر لابد أن يكون متأثرا بقيمة إنسانية سواء كان رجلا أو امرأة مرت فى حياة بعضنا يتأثر بوالديه أيما تأثير ونستطيع أن نجزم ان هذا الشبل من ذاك الأسد.. وقد يكون هذا الأب نموذجا رائعا سواء كان خلقا أو علما أو إنسانية، ويكون خيرا لهذا الإنسان هذا التأثر.. وبعضنا يتأثر بأستاذه فى المدرسة خاصة إذا كان أستاذا يحمل كل صفات التفوق والنبوغ والأخلاق الحميدة ويظل الإنسان يتمنى أن يصير يوما شيئا مهما مثل أستاذه، ولكن فى الآونة الأخيرة اختفت النماذج والقدوات الصالحة سواء العلمية أو الفكرية أو الأدبية.. بعد أن أصبح المدرس الذى كنا عندما نقابله فى الشارع مصادفة نهرب إلى شارع آخر احتراما وتبجيلا ولكن المدرس فقد هيبته بل أصبح أحيانا مسخة كما صورته وسائل الإعلام.. وليس هذا فقط، بل وصل الاستهزاء بكل المهن من أول الصحفى الذى يمكن أن يرتشى الى المهندس الذى يبنى مساكن تقع على دماغ ساكنيها إلى الطبيب الذى يستغل المرضى وهلم جرا.. واختفت النماذج القدوة التى تعطى المثل للنجاح والطموح المشروع وأصبح الاستسهال فى كل شىء هو النموذج لكن العمل والتعب والدأب لكى تحصل عل افضل النتائج أصبح شيئا غير مرغوب فيه.. ولو سألت ولداً صغيراً ماذا يريد ان يكون فى المستقبل.. لسمعت إجابات غريبة.. البعض يريد أن يلعب كرة للشهرة والفلوس، والبعض يريد أن يغنى ويرقص ويمثل، والحكاية فلوس.. أما أن تجد طفلا يقول لك مثلا أريد أن أصبح عالما مثلا.. أو مهندسا مخترعا.. وفىالحقيقة العيب فينا نحن، لأننا ركزنا على كل الأشياء التافهة فى حياتنا ونسينا أننا بلد له تاريخ جميل ولدينا رواد فى كل مجال فى العلم والأدب والفكر، لكن من يتحدث عن هؤلاء أو حتى يتذكرهم؟ مصادفة فقط ممكن تسمع عن هذا أو ذاك.. والمسلسل الذى يعرضه التليفزيون بعنوان (رجل من هذا الزمان).. ويعرض لأحد عظماء مصر الرواد الذين صنعوا بعبقريتهم نهضة علمية ساهمت فى تقدم البشرية ككل بأبحاثه وذكائه ودأبه المتواصل د. على مصطفى مشرفة.. شىء رائع وعظيم .. وإننى أتابع هذا المسلسل بشغف كبير واعتبره باكورة إنتاج ما بعد الثورة رغم علمى ان المسلسل يعد منذ فترة.. ولكن المعد وهو الأستاذ محمد السيد عيد فى الحقيقة يقدم لنا عصرا بكامله ومفرداته وقيمه العظيمة والنبيلة ونجومه وأعلامه من الأفذاذ الذين صنعوا مصر الحديثة منذ ثورة 1919.. محمد عبد الوهاب ود.طه حسين.. وسعد زغلول والنحاس، ولطفى السيد.. وبدايات توفيق الحكيم. والواضح أن هؤلاء الناس العظماء الذين لم نعاصرهم. وكانوا كلهم فى صعود.. صعود نجمهم وصعود وطن يحبه أبناؤه ويعملون على تقدمه ورفعته.. منذ سنوات وتقدم لنا الدراما التليفزيونية حياة الفنانين والراقصات وعلى استحياء حياة بعض الأدباء لكن حياة عالم هذا أعتقد أنه جديد. وتاريخ مصر ملىء بنماذج ملهمة ومشرقة تستحق أن تكتب وتعرض كدراما سواء تليفزيونية أو سينما لأنها الأكثر تأثيرا فى النشء والشباب وحتى الكبار تعطيهم دفعة لمواصلة الحياة التى ازدادت صعوبة.. وحياة هذا العالم الجليل د. على مشرفة الشخصية أيضا مفخرة لكل إنسان مصرى وأخلاقياته وقيمه الإنسانية شىء لا ينفصل عن كونه عالما وعبقريا.. وكأنه كإنسان يؤكد لنا أن الإنسان شخصه الإنسانى وعلمه لاينفصلان عن خلقه الجميل.. فالإنسان الكريم الأخلاق والنبيل مثل هذا الرجل مؤهل فعلا لأن يكون عالما وفاضلا وجليلا وفنانا وملهما ويستحق أنه اول مصرى رشح لجائزة نوبل. والذى نراه الآن من بعض الناس المدعين العلم أو المزيفين لكل القيم النبيلة فى حياتنا أنهم لايريدون غير أنفسهم، ويريدون تقدم الصفوف بغير أحقية.. وهذا الرجل العالم العبقرى الذى يعد بحق رائدا وفاتحا الباب أمام كل العلماء المصريين الذين جاءوا بعده. المسلسل جميل ومحترم ويحق لنا كمصريين ان نفخر بهؤلاء الرجال الذين صنعوا نهضة مصرية فى وقت فيه احتلال ومستعمر بحب وجهد واحترام ووطنية خالصة لوجه الله.. وليس لاصطناع أدوار ولا تزييف الواقع كما عشنا سنوات. الجميع يبحث عن مصالحه الشخصية والكل يجرى ويلهث ومن بعدى الطوفان.. حتى وقعنا كلنا وسقطت مصر وسقط النظام المصرى لأنه لم يقدم لمصرما تستحقه من تضحيه وعمل وجهد، وأين المثقفون الحنجوريون الذين لا يجيدون غير الكلام.. الكلام وبس؟ أين الأدباء الذين يقدمون الأدباء؟ أين العلماء الذين يربون علماء جدداً؟ أين المدرس المخلص الذى كان يربى أجيالا؟ أين الطبيب السنيور الذى يقدم جيلا من الأطباء النابغين والمستفيدين بعلمه؟ هذا المسلسل أيقظ مواجع كثيرة ولعل الناس تفهم الرسالة الموجهة منه ولا تعتبره مجرد تسلية رمضانية.. شكرا أستاذ محمد السيد عيد المعد وشكر خاص وتحية صادقة للسيدة المبدعة التى عودتنا على المسلسلات القيمة والراقية السيدة إنعام محمد على.