مصر بعد الثورة دولة حاضرة وفاعلة فى الأحداث وسياستها الخارجية تعكس سرعة الحركة والمضمون الفكرى المتجدد بعيدا عن الشخصية أو مصالح الأطراف الأجنبية أو الإقليمية الأخرى انطلاقا من الدور الوطنى والقومى والإقليمى المصرى، لذا فإن سياسة مصر الخارجية الناجحة مرهونة بوجود دعم وطنى معنوى ومادى بمعنى أنه سيكون علينا الاستثمار فى علاقتنا الخارجية بما يتجاوز الشعارات الرنانة وبما يضمن تواصل مواقف مصر التقليدية عربيا وأفريقيا خاصة القضية الفلسطينية وتصحيح العلاقة بين مصر ودول حوض النيل، حيث تكون علاقة احترام ومصلحة مشتركة من خلال تنمية الشعور لدى الطرف الآخر أن له مصلحة فى الوصول إلى حلول مشتركة. هذا ما أكده وزير الخارجية محمد كامل عمرو خلال اللقاء الموسع الذى عقده مع المحررين الدبلوماسيين المصريين، وأوضح خلاله أن روح الثورة المصرية يجب أن تنعكس على وزارة الخارجية وعلى باقى أجهزة الدولة. وأشار عمرو إلى أن وزارة الخارجية لا يمكن أن تعيش فى برج عاجى بمعزل عما يحدث فى مصر بعد الثورة فهى جزء من المجتمع، وقال إن الدور المصرى بعد الثورة سيكون منفتحا على كل العالم، مشددا على أن الثورة المصرية أعطت مثالا يحتذى به ونموذجا للعالم، وشدد على أن وزارة الخارجية لن تسمح بإهانة أى مصرى فى الخارج وهى تضع ملف المصريين فى الخارج على رأس أولوياتها، كما أن وزارة الخارجية تولى اهتماما كبيرا بملف رعاية مصابى الثورة بالخارج قائلاً إننا على استعداد لتلبية أى طلبات لهم. كما شدد عمرو على أنه لا يوجد حل عسكرى أو أمنى للوضع فى سوريا، قائلا إننا نرجو أن يتم الوصول إلى حل سياسى. وحول الأموال المصرية المهربة للخارج وجهود وزارة الخارجية فى هذا الملف قال محمد عمرو ان هناك اتفاقية يتم التفاهم حولها مع المانيا فى هذا الموضوع ودور الخارجية هو همزة وصل بين الجهات المصرية والدول، ونحن ننقل وجهة النظر المصرية ونستفيد من تجارب الآخرين وننقلها بالتالى للجهات المصرية مثل الأمور التى تتعلق بتوثيق الأموال المهربة والاجراءات السليمة التى يجب أن يتم اتخاذها، فالخارجية تقدم مساعدات فنية وتساهم فى نقل وجهات النظر وهو ملف مهم جدا أمامنا. وفيما يتعلق بالاتهامات الاسرائيلية بعدم قدرة مصر على السيطرة أمنيا فى سيناء قال وزير الخارجية إن والقيادة المصرية على وعى كامل بالموقف. وحول امكانية تعديل اتفاقية السلام لزيادة عدد الجنود لحفظ الأمن فى سيناء، قال إن مصر تلتزم دوما باتفاقياتها طالما يلتزم بها الطرف الآخر، وهذا جزء من مصداقيتها، واذا كانت هناك نصوص تسمح بالمراجعة فاننا سنقوم بمراجعتها. وبالنسبة لامكانية رفع مستوى العلاقات مع ايران، قال الوزير إننا مع التحاور مع ايران، وهناك علاقات على مستوى مكتب رعاية المصالح يرأسه سفراء، وهناك حديث مستمر معهم من خلال المحافل الدولية كما أننا شركاء فى ترويكا عدم الانحياز التى تضم كوبا ومصر وايران. وبالنسبة لامكانية تصويت المصريين فى الخارج وعقد مؤتمر لهم قال إننا فى حاجة لاسهام كل مصرى فى الداخل والخارج، وهناك تواصل مستمر، وبالنسبة للتصويت فى الانتخابات فإن الأمر فى يد اللجنة العليا للانتخابات، وإذا ما أقرت التصويت للمصريين بالخارج فإن الخارجية ستلتزم بذلك. وفيما يتعلق بما تردد مؤخرا بشأن تقليص البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج قال وزير الخارجية إن هناك فرقا بين التقليص و«الترشيد»، فهناك عمل جاد فى مجال ترشيد العمل، ولدينا قوة بشرية ومادية ولابد من استغلالهما للحصول على أفضل عائد. وبالنسبة للرفض الأمريكى للتوجه الفلسطينى للأمم المتحدة لاستصدار قرار باعلان الدولة الفلسطينية وامكانية أن تطرح الولاياتالمتحدة أفكارا جديدة لتحريك عملية السلام لوقف هذه الخطوة أشار وزير الخارجية الى أن هذا القرار تم اتخاذه من السلطة الفلسطينية وأيدته جميع الدول العربية، وقد دعمت مصر هذا القرار منذ البداية كما أن مصر عضو فى اللجنة المصغرة التى تضم أمين عام الجامعة العربية وممثل السلطة الفلسطينية وخمس دول عربية كما أننا وبوصفنا رئيس لحركة عدم الانحياز قمنا بارسال رسائل لجميع دول العالم لحثهم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحتى الآن فإن موقف السلطة الفلسطينية هو التوجه للجمعية العامة.. ونحن نؤيد هذا التحرك. أما بالنسبة لمواقف الدول الأخرى فإن لكل دولة حساباتها. وقال وزير الخارجية فيما يتعلق بالعلاقات المصرية مع دول حوض النيل إن العلاقات مع دول إفريقيا عامة وحوض النيل خاصة تعد واحدة من أهم الملفات، ومصر كان لديها استثمار معنوى ومادى فى فترة الخمسينات والستينات فى افريقيا حيث كان لكل حركة تحرر افريقى مكتب فى مصر، وهناك رصيد من حسن النية نحاول حاليا استثماره، ونحن نريد عودة مصر لافريقيا وعودة افريقيا لمصر وهى أحد الاولويات المهمة لان افريقيا هى الخط الخلفى لمصر. وحول العلاقات مع جنوب السودان قال الوزير ان لنا علاقات قوية مع الشمال والجنوب وعلاقات صداقة قديمة بدول حوض النيل. وكان وزير الخارجية السيد محمد عمرو قد أكد فى بداية لقائه مع المحررين الدبلوماسيين أن ملف المصريين فى الخارج هو أهم الملفات، مشيرا الى أن هذا الملف الهام يكتسب أهمية كبيرة خاصة فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها المصريون فى بعض الدول مثل ليبيا. وأضاف أن هناك كذلك اهتماما كبيرا بملف رعاية مصابى الثورة بالخارج قائلا اننا على استعداد لتلبية أى طلبات لهم، مشيراً إلى أن توجيهاته كانت واضحة بضرورة حسن معاملة المصريين فى الخارج منوها فى هذا الصدد بأنه قام خلال زيارته لالمانيا مؤخرا بزيارة الدكتور مصعب الشاعر أحد مصابى الثورة، مشدداً على أن أول تعميم أصدره فور توليه منصبه كان ضرورة حسن مراعاة شئون المصريين فى الخارج، قائلا : « لن نسمح باهانة كرامة أى مصرى فى الخارج « .. وأشار الى أن بعثات مصر بالخارج « تنوب» عن المؤسسات والجهات والوزارات المصرية المختلفة ومن الضرورى أن يتمتع هذا «النائب بحسن معاملة المصريين. وقال ان وزارة الخارجية أعطت فى هذا الصدد أولوية لرعاية المصريين فى ليبيا والمتواجد جزء كبير منهم فى المنطقة الغربية، و»نتابع شئونهم يوميا». وأضاف «أننا نحاول وضع منظومة و قانون لرعاية المصريين فى الخارج مع توافر الامكانيات لذلك» ، مشيرا الى أنه كانت هناك دراسة ومشروع قانون وصل لمراحل متقدمة، وهناك إعادة لدراسة هذا الموضوع لنرى إمكانية إصدار هذا القانون، مؤكدا أن ملف المصريين بالخارج هو الملف الأول للخارجية المصرية. وتناول وزير الخارجية خلال اللقاء عددا من الملفات الأخرى المفتوحة مثل الوضع فى سوريا وموقف مصر من الثورات العربية خاصة فى سوريا ، مؤكدا أن مصر كانت أول دولة عربية أصدرت بيانا أكدت فيه بوضوح أنه لا يوجد حل عسكرى أو أمنى للوضع فى سوريا وأن سفك الدماء أمر غير مقبول وطالبنا بوقفه، وأنه يجب بدء التفاوض مع جميع الأطراف لاقامة قاعدة لمفاوضات سليمة والغاء الطوارىء وغيرها، كما أكدنا فى بيان ثان أن سوريا دخلت طريق اللاعودة وأننا لا نريد تدويل المشكلة. وأوضح أنه التقى مع أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا فى أنقرة عقب عودة الأخير من زيارته لسوريا حيث أطلعه أوغلو على نتائج لقاءاته فى دمشق معربا عن أمله أن يسود التعقل وروح المصلحة للجميع، وأن تبدأ عملية حوار جادة بين جميع الأطراف فى سوريا، لأنها دولة لها خطوط تماس مع عدد من المناطق الحساسة ولهذا نرجو أن يتم الوصول الى حل سياسى. وحول نتائج زيارته لالمانيا قال وزير الخارجية انه رغم كونها زيارة قصيرة الا أنها حققت العديد من النتائج حيث تم الاتفاق على مبادلة الديون بمشاريع خاصة وأن المانيا خصصت 300 مليون يورو للمنطقة 80% منها لمصر، كما تم الاتفاق على تخصيص 400 ألف يورو لزيادة قدرات مصلحة الطب الشرعى المصرية، وكذلك اعادة تأهيل قوات الأمن والشرطة كما تم الاتفاق المبدئى على مذكرة تفاهم قضائية بالنسبة لعودة الأموال والهاربين. وردا على سؤال حول التمويل الأجنبى واعلان السفيرة الأمريكية قبل وصولها عن تقديم 40 مليون دولار مساعدات للمجتمع المدنى قال وزير الخارجية ان الموقف المصرى واضح، وأن مصر من حيث المبدأ ترفض التمويل المباشر للجمعيات غير المسجلة، وهو نظام موجود فى كل أنحاء العالم، حيث إن تمويل الجمعيات المسجلة يجب أن يتم بشفافية ومن خلال الحكومة المصرية وهو أمر منصوص عليه فى الاتفاقيات مع الولاياتالمتحدة، ونحن نريد الالتزام بهذه الاتفاقيات، وموقفنا واضح فى هذا الاطار معربا عن اعتقاده بأن هناك اجماعا لدى الشعب المصرى فى هذا الصدد.