أثناء قراءتى لمجموعة الاتهامات التى وُجهت إلى الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه والتى نشرتها الصحف عقِب جلسةِ المحاكمة الشهيرة فى 4/8/2011، استرعى انتباهى وصفُ ما حصل عليه الرئيسُ السابق ونجلاه علاء وجمال من حسين سالم (بائع نفسه وبلده للشيطان) مقابل ما سهَّلوا له وقدَّموا من امتيازات ومنافع بأنه (عطيةٌ) أو (عطايا) لقد وردت الكلمة الأولى فى جريدتى (الأهرام) و(التحرير)، ووردت الكلمةُ الثانيةُ – وهى صيغةُ الجمع من الكلمة الأولى – بجريدة (اليوم السابع)، وكلها فى سياق الاتهامات الموجهة للرئيس السابق ونجليه. لقد جاء فى الأهرام أن الرئيسَ السابقَ ونجليه حصلوا «على (عطيةٍ)عبارة عن خمس فيلات بقيمة 39.8 مليون جنيه من حسين سالم « وفى (التحرير) جاء « أن علاء وجمال مبارك قبلا وأخذا عطيةً.. بأن قبلَ كلٌّ منهما من المتهم الثانى حسين سالم تملُّكَ فيلتين من الفيلات الأربع المبينة الحدود والمساحة بالتحقيقات». أما فى (اليوم السابع) فمن الاتهامات «حصول مبارك لنفسه ولابنيه علاء وجمال على عطايا ومنافع عبارة عن قصرٍ على مساحة كبيرة وأربع فيلاتٍ وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ تصل قيمتُها إلى40 مليون جنيه». لست هنا بصدد تفاصيل ما حصل عليه الرئيس السابق ونجلاه من حسين سالم، وإنما أتساءل عن التسمية الدقيقة لعملية الحصول على هذه المنافع، لقد أطلقت بيانات النيابة وفقًا للصحف الثلاث - وغيرها بالقطع – اسم (العطية) و(العطايا) على ما حصل عليه مبارك ونجلاه من حسين سالم، وأرى أن فى هذه التسمية تجاوزًا خطيرًا، بل خطًأ فادحًا إلى أبعد الحدود؛ فالعطية – وجمعها عطايا – تُطلق على ما مُنح عن رحنا وبلا مقابل، مما يستوجب الشكر، إذ تجيء العطيةُ من الشخص الكريم القادر المحب للعطاء والبذل. والشعر العربى القديم مفعَم بالحديث عن عطايا الممدوحين من الخلفاء والوزراء والقواد وغيرهم للشعراء الذين قابلوا هذه العطايا بالشكر عليها ومدح أصحابها، كما تفننوا فى وصفها، وعدُّوا قَبولها شرفًا لهم بل أوسمةً على صدورهم. العطاءُ الحقيقيُّ - إذن – يكون عن قدرةٍ ورضا وبلا مقابل، والقدرة معناها أن يكون ما تعطيه هو من مالك الخاص. فهل رأى الذين صاغوا بيانات الاتهام فى قضية حصول مبارك ونجليه على ما حصلوا عليه من حسين سالم أن شرطى الرضا وعدم المقابل متحققان فيه ، فضلاً عن ملكية المُعطِى لما يُعطي؟! إن بيانات النيابة تؤكد أن حصولهم على القصر والفيلات الأربع كان نظير تسهيل حصول حسين سالم على أراضٍ مميزة فى شرم الشيخ وأن مبارك وابنيه قد حصلوا على القصر والفيلات الأربع التى تصل قيمتُها إلى 40 مليون جنيه مقابل استغلال نفوذ الرئيس السابق لدى السلطات المختصة لتمكين المُتهَم حسين سالم من الحصول على قرارات تخصيصٍ وتملُّك مساحة بلغت مليونى متر من الأراضى المملوكة للدولة بمحافظة جنوبسيناء بالمناطق الأكثر تميزًا فى مدينة شرم الشيخ السياحية. أما أموال حسين سالم التى يُنفقُ منها يمينًا وشمالاً ويُعطى منها مبارك وأسرته: فالكل يعلم أنها أموال مصر المنهوبة بمساعدة مبارك وبطانته مما ينطبق عليه الكلمة التى قيلت من قبل: إن من لا يملك أعطى لمن لا يستحق، هذه هى حقيقة الأمر. فهل يجوز - بعد هذا – أن يسمَّى ما حصل عليه مباركٌ ونجلاه من حسين سالم عطيةً ؟! أيها السادة: انتبهوا إلى لغتكم واعلموا جيدًا دلالات ألفاظكم فالفرق كبير وبلا حدود بين (العطية) و(الرشوة) وإلا فإذا كان ما حصل عليه مباركٌ وأسرته عطيةً فما عسى أن تكون الرشوة!