يوم الاثنين الماضى الموافق الأول من شهر رمضان المعظم شهد خطوة جريئة تأخرت كثيرا لعودة الحياة مرة أخرى إلى أشهر ميادين العالم أجمع.. إنه ميدان التحرير بالقاهرة.. بعد أن أصابه الشلل التام لمدة ثلاثين يوما كاملا.. نتيجة أفعال غير مسئولة تتنافى مع ما يحمل الثوار الحقيقيون من مثل عليا وقيم نبيلة تعلى قيمة الوطن والبعد الحضارى العريق الذى يميزه.. وفوق كل ذلك تتناسب مع ما تفردت به الثورة المصرية الرائعة من نبل وطهارة عكست المفهوم الشائع عن مصر العظيمة على مستوى العالم كمهد لأعرق حضارة شهدها التاريخ الإنسانى وكانت وستظل نبعا لا ينضب ترتوى منه ماتلاها من حضارات.. ورغم أن شهر القرآن هو شهر الفضائل بما به من نفحات إيمانية، حيث تزدحم مساجد القاهرة وسائر بيوت الله على أرض المحروسة بالمصلين ابتغاء مرضاة الله وتضرعا إليه سبحانه وتعالى أن يتم نعمته علينا بنجاح ثورتنا وتحقيق كل أهدافها لتبدأ مصر عهدا جديدا يتمتع فيه كل المصريين الشرفاء بكامل حقوقهم المشروعة والتى سلبت منهم خلال حكم العهد البائد.. وإذا كان الشهر الفضيل يتسم نهاره بالقاهرة بسمات متفردة، حيث الزحام الشديد واضطراب حركة المواصلات العامة فما بالك وأن يأتى رمضان هذا العام وأكبر ميادين القاهرة مغلق نتيجة اعتصامات غير مبررة وممارسات تبتعد بنا عن الأسلوب الحضارى كأن تنصب الخيام بعشوائية فى قلب الميدان لتعطل سير المركبات المختلفة، وكذلك تعطيل مصالح الناس لغلق مجمع التحرير فى تعسف مرفوض للمعتصمين الذى وصفهم معظم الثوار الشرفاء بالفلول والبلطجية ويبدو بالفعل أنهم كذلك، خاصة حينما أنهى الثوار مليونياتهم السلمية على اختلاف أهدافها وأطيافها السياسية والتى لا تخرج عن التعبير الواعى لمصلحة الوطن والدعوة إلى استمرارية الثورة حتى اكتمال الهدف فى تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وثلاثتهم كانت مفقودة حين ظلت مصر مكبلة بحكم جائر طال ثلاثين عاما.. وما يستلفت الانتباه ويجعل من إخلاء الميدان ضرورة حتمية هو الممارسات التى وصلت فى عبثيتها إلى درجة لا تحتمل كأن نشاهد خيمة للحلاقة تحمل لافتة صالون «القلة المندسة»، ثم نرى خيامًا أصبحت محالًا للكشرى والفول والطعمية فى حراسة الخارجين عن القانون وحاملى الأسلحة البيضاء وما خفى كان أفظع، حيث اكتشفت حين داهمت قوات الأمن المركزى مع الشرطة العسكرية فى أول أيام رمضان أسلحة من كل الألوان والأنواع وهذا إن دل على شىء، إنما يدل على سوء نية مبيتة.. فهل هذه السلوكيات المعيبة هى سلوكيات الثوار الذين اعتبرهم العالم أسوة يقتدى بها ومثلا يحتذى لكل دولة يتوق شبابها للحرية والديمقراطية؟.. وخلال شهر كامل أصبح ميدان التحرير مرتعا للمنحرفين والمطاريد الذين تسللوا إلى الثوار الأطهار كى يلطخوا الثوب الأبيض لشباب الثورة بوصمات سوداء هم منها براء.. إن ميدان التحرير الذى أصبح رمزا للثورة والثوار حتى صار مزارا عالميا للكبار ضيوف مصر من حكام وساسة العالم المتقدم كان بحاجة ماسة إلى هذه الخطوة الجريئة التى تستوجب التحية ونقدمها خالصة للجيش المصرى العظيم ورجال الأمن فى قطاع الشرطة حين اعتزم الجميع إخلاء ميدان التحرير من هؤلاء المارقين والخارجين على القانون وتطهير هذه المنطقة الحيوية فى قلب القاهرة من تصرفاتهم المرفوضة والتى تصل فى معظمها إلى حد الإجرام، خاصة فى رمضان شهر التسامح والغفران.. ومن المشاهد اللافتة حين تعاون أصحاب المحال التجارية والتى كادت تغلق أبوابها لما أصابها من كساد مع الجيش والشرطة وانطلقت الأغانى الوطنية من هذه المحال ابتهاجا بإخلاء الميدان وعودة الحياة الطبيعية إلى وسط القاهرة، ولهذا كله كان لابد من وقفة جادة حاسمة تنقذ ما يمكن إنقاذه من استمرار تردى الأوضاع التى تصيب اقتصادنا فى مقتل وتصيب حركة المرور بالشلل خاصة فى الأوقات التى تسبق لحظة إطلاق مدفع الإفطار.. ولعل ما حدث فى أول رمضان يكون درسا يستوعب هؤلاء جيدا ليثوبوا إلى رشدهم مقدرين الظروف الحرجة التى تمر بها مصر إن كانوا حقا يعتبرون أنفسهم من الثوار ونعتقد جازمين أنهم ليسوا من ثوار مصر الأحرار، إنما اندسوا بوزاع مشبوه كى يفسدوا الثورة بعد أن أوشكت على تحقيق المنشود من أهدفها فى ظل ما تشهده ساحة العدالة المصرية من محاكمات القصاص من رموز الفساد فى العهد السابق. كلمة أخيرة نوجهها إلى الثوار من شباب مصر النبلاء احذروا المندسين عليكم من فلول النظام السابق وأتباعهم من بلطجية الحزب الوطنى المنحل ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلى.. إنهم بالقطع لا يريدون بكم خيرا، لأن لكم أهدافًا نبيلة تتناقض وتتعارض مع أهدافهم الذميمة.. وحرصا على مصر وشعبها يجب أن نكون كلنا على قلب رجل واحد فى مواجهة هذه الشرذمة من المنحرفين وسلوكياتهم الإجرامية.