جاءت القرارات الستة عشر المهمة التى أصدرتها اللجنة الوزارية التى جرى تشكيلها لإدارة ما أسمتها الحكومة «الأزمة الراهنة التى تمر بها مصر حاليا» فى أول اجتماع لها برئاسة الدكتور عصام شرف - وقت كتابة هذه السطور - جاءت لتؤكد التجاوب الحقيقى مع مطالب الثورة والثوار بقدر ما تسهم فى إشاعة أجواء الثقة والهدوء فى الشارع المصرى.. فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، وفى نفس الوقت فإنها لا تخفى دلالتها المهمة التى تعنى أن حكومة شرف المعدّلة تمارس صلاحياتها الكاملة. وبتشكيل هذه اللجنة الوزارية وبقراراتها فى أول اجتماع لها وبعد أن دخلت الثورة شهرها السابع، وبعد أسبوع واحد من إبعاد الوزراء المرفوضين من الشعب عن الحكومة، فإنه يمكن القول بأن هذه الحكومة المعدّلة بدأت بالفعل الخطوة الأولى والجادة لتصحيح المسار وإكمال نجاح الثورة فيما تبقى من المرحلة الانتقالية. أما دلائل هذا التوجه الحكومى الجاد نحو تصحيح مسار إدارة المرحلة الانتقالية وإنجاح الثورة فأولها: تسمية هذه اللجنة الوزارية بلجنة «إدارة الأزمة»، وهو الأمر الذى يعنى بكل وضوح إقرار الدكتور عصام شرف وحكومته المعدّلة وأيضاً وبالضرورة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن مصر والثورة تمرّان بالفعل بأزمة تستدعى ضرورة التصدى بكل قوة لمواجهتها وحلها، وهذا الإقرار بوجود الأزمة هو التشخيص الصائب والدقيق للأوضاع الراهنة، ولأن التشخيص الصحيح هو نصف الطريق للعلاج الناجع والشافى، فإن تشكيل هذه اللجنة الوزارية وما اتخذته من قرارات فى أول اجتماع لها يُعدّ مدعاة للتفاؤل بقدرة الحكومة على عبور تلك الأزمة الراهنة بسلام وأمان. كما أن تشكيل اللجنة بعضوية كل من نائبى رئيس الوزراء للشئون السياسية والشئون الاقتصادية.. الدكتور على السلمى والدكتور حازم الببلاوى ووزراء العدل والداخلية والإعلام والتنمية المحلية والصحة، إنما يعكس فى واقع الأمر إدراك الحكومة الواعى بأبعاد وعناصر «الأزمة»، ومن ثم آليات حلها من خلال الوزراء الذين بأيديهم ملفات الأزمة. *** قراءة القرارات الستة عشر التى أصدرتها لجنة إدارة الأزمة تؤكد أن حكومة شرف المعدّلة وبعد امتلاك الصلاحيات الكاملة ماضية قدما وفى أسرع وقت فى تنفيذ مطالب الثورة والثوار وجموع المصريين والتى تضمنتها تكليفات المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال اجتماعه بالحكومة بعد تعديلها. ولقد كان قرار إبعاد جميع أركان النظام السابق من مواقع المسئولية فى كافة أجهزة الدولة وفى أسرع وقت ممكن، وهو القرار الذى ربما بدأ تنفيذه قبل مثول المجلة للطبع.. لقد كان أول وأهم قرارات لجنة إدارة الأزمة، باعتبار أنه استجابة لأهم مطالب الثورة بتطهير البلاد من بقايا وأتباع النظام السابق والمنتفعين بفساده، بقدر ما يمثله من خطوة ضرورية لاقتلاع ذلك النظام من الجذور، وهى خطوة لا بديل عنها لتأمين الثورة فى مواجهة قوى الفساد التخريب وحمايتها من محاولات الالتفاف على مكتسباتها وإجهاضها خلال المرحلة الانتقالية الراهنة وعلى النحو الذى يعيق نقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة واستعادة مؤسسات الدولة. غير أن تنفيذ هذا القرار بالغ الأهمية وعلى النحو الذى يتحقق معه الهدف من صدوره يقتضى وبالضرورة ألا يقتصر فقط على أركان النظام السابق، بل يتعيّن أن يشمل الفروع والجذور الضاربة فى عمق ومفاصل كافة مؤسسات الدولة وعلى اختلافها فى المواقع الحكومية وغير الحكومية، وبحيث يشمل شركات وهيئات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والبنوك والجمعيات والتجمعات وكذلك الأجهزة الرقابية، بل إنه يتعيّن أن يمتد إلى الإعلام الرسمى والحكومى.. المسموع والمرئى والمقروء لتطهيره من الفاسدين من بقايا النظام الفاسد، وبحيث لا يبقى فى موقع المسئولية كل من جرى تعيينه فى موقعه فى زمن الرئيس المخلوع وتابعه الفاسد صفوت الشريف الذى أفسد الحياة الإعلامية والصحفية فى مصر طوال ثلاثين عاما. ولكن يبقى ضروريا فى نفس الوقت وعند تنفيذ قرارات الإبعاد والتطهير ووفقا لقيم الثورة والثوار النبيلة ألا يضار أحد من بقايا ذلك النظام رغم ما ارتكبوه من مفاسد فى رزقه ومعاشه، ويكفى فقط إبعاده عن السلطة وموقع المسئولية. ثم إننى لا أجد غضاضة فى المطالبة بضرورة أن يمتد التطهير إلى القضاء إن كان فى القضاء من يتعيّن إبعاده، وهو أمر متروك إلى قضاة مصر الشوامخ أنفسهم ممثلين فى المجلس الأعلى للقضاء، وحيث تتجه النية إلى إسناد مهمة التفتيش القضائى إليه ونزعها من وزير العدل، وهو أمر يتعيّن تحقيقه فى أقرب وقت ممكن.. تأكيداً لاستقلال القضاء وصونه من تغوّل السلطة التنفيذية حسبما كان يحدث فى النظام السابق. *** وبينما تضمنت قرارات اللجنة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد ضباط الشرطة المتهمين بابتزاز أهالى الشهداء للتنازل عن القضايا، فإن قرارها الآخر فى هذا الشأن بتشكيل فريق مساندة قانونية من المحامين المتطوعين لتقديم المساعدة القانونية لأسر الشهداء وتكليفهم بتقديم طلبات لتعجيل نظر القضايا المؤجلة فى ضوء قرار مجلس القضاء الأعلى بتفريغ دوائر كاملة لنظر قضايا مقتل الثوار.. فإن قرارها الآخر هذا يأتى مكملا للأول ويعكس حرص الحكومة على تحقيق العدالة الناجزة والاقتصاص لشهداء الثورة وبما يؤكد أنها بالفعل حكومة الثورة وحسبما تعهدت اللجنة الوزارية بعدم التخلى عن أسر الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الديمقراطية والوطن كله. وفى هذا السياق، ورغم أن المجلس الأعلى للقضاء كان قد أقر مبدأ علانية جلسات محاكمة رئيس النظام السابق ورموزه، فإن تأكيد اللجنة الوزارية لإدارة الأزمة فى اجتماعها الأول على إنفاذ هذا القرار يعدّ أمرا له دلالته التى تعنى إزالة أى التباس فى إدارة المرحلة الانتقالية بقدر ما تؤكد امتلاك حكومة الدكتور عصام شرف المعدّلة للصلاحيات الكاملة لممارسة سلطة الحكم ومشاركة المجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد. *** وإذا كان قرار لجنة إدارة الأزمة بإعداد قانون لتشكيل مجالس محلية مؤقتة بعد حل المجالس السابقة المنتخبة بالتزوير فى النظام السابق.. يسد فراغا سياسيا ورقابيا فى إدارة المحليات ريثما يتم انتخاب مجالس جديدة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، فإن قرارها بالإسراع فى إصدار حركة المحافظين - والتى قد تصدر قبل قراءة هذه السطور - مع مراعاة اختيار من يملكون القدرة والكفاءة لتحقيق أهداف الثورة.. يأتى أيضاً استجابة للمطالب الشعبية التى رفعها الثوار، ومكملاً للتعديل الوزارى الذى أجرى على حكومة شرف. وفى نفس الوقت فإن قرار اللجنة بالتزام الحكومة بتحديد حد أقصى للأجور خلال شهر واحد لجميع موظفى الحكومة والقطاع العام مع إعادة النظر فى هيكل الأجور بالدولة.. يعد فى واقع الأمر تنفيذا لأحد أهم مطالب الثورة وهو تحقيق العدالة الاجتماعية التى أهدرها النظام السابق الفاسد ضمن ما أهدره من حقوق المصريين. *** ومع الاتفاق مع مطالبة اللجنة الوزارية لإدارة الأزمة للثوار الشرفاء بالحفاظ على ما وصفته بالنقاء الثورى ومنع المزايدين من الإساءة للثورة لضمان تحقيق أهدافها النبيلة، فإن تأكيدها فى نفس الوقت على شرعية جميع أشكال الاحتجاج السلمى والتزامها بالحوار مع ممثلى القوى والتيارات السياسية لتحقيق مطالب الثورة وبما يحقق مصلحة الوطن.. هذا التأكيد يمثل فى حقيقة الأمر بادرة طيبة من جانب الحكومة يتعيّن البناء عليها، إذ أن من شأنها تجديد وتأكيد الثقة بينها وبين الثوار وجموع المصريين وعلى النحو الذى يصب فى خانة حلحلة الأزمة الراهنة التى تواجهها المرحلة الانتقالية. *** أفلحت اللجنة الوزارية لإدارة الأزمة وأفلحت الحكومة إن صدقت، وجاءت أفعالها مطابقة لأقوالها.. وتنفيذا فعليا على أرض الواقع لقراراتها المهمة، حتى تخرج مصر من الأزمة الراهنة فيما تبقى من المرحلة الانتقالية.. خروجا آمنا.. إلى دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. تأكيداً لاكتمال نجاح الثورة.