فى تقديرى أن عمر حكومة الدكتور عصام شرف، والتى حلفت اليمين الدستورية منذ ساعات، سيكون قصيرا جدا، لأنه بصراحة لم يتم اختيار معظم أعضائها وفق معايير علمية وسياسية واضحة، بل تم اختيارها وفق أهواء و“أمزجة”، إن جاز لى التعبير..! ففلسفة التشكيل الحكومى كانت أقرب ما تكون للفلسفة التى تحكم برنامج “ما يطلبه المستمعون”، فأى مستمع ينجح فى الاتصال بالإذاعة يمكنه أن يطلب ما يشاء من أغانٍ، حتى ولو كانت تفتقر للذوق العام، وعلى الإذاعة أن تلبى طلبات مستمعيها..!! و على الرغم من أننى من أشد المعجبين ببرنامج «ما يطلبه المستمعون» وأتابعه باستمتاع، إلا أننى لم أكن كذلك وأنا أتابع تلبية د.شرف لطلبات المستمعين لما يريدونه من وزراء..!! فحالة التردد الشديدة التى ظهرت عليها كواليس التشكيل الحكومى كانت تعكس حالة واضحة من الارتباك فى مؤسسة الحكومة نفسها.. فقد بدا د. شرف وكأنه لا يعرف من أين يأتى بوزراء.. فمرة يطلب من الشباب الدخول على صفحته واختيار ما يريدون من وزراء، ومرة يتراجع عن اختياره لأحد الأثريين المهمين وهو د. عبد الفتاح البنا كوزير للآثار بعد قيام 40 أو 50 أثرياً بالتظاهر ضده..! واكتمل مشهد التردد والبلبلة.. بالإعلان عن الوعكة الصحية التى ألمت بالدكتور شرف، فالكل اعتقد أنها حالة «مرض سياسى»، خاصة وأنها تزامنت مع تسريب أنباء عن استقالة د. شرف وانسحابه من تشكيل الحكومة، وهو ما فسّره البعض بأنه محاولة من شرف للضغط بتمرير بعض الوزراء الذين اختارهم..!! وأنا شخصياً أعتقد أن كل هذا من نسج خيال البعض، فليس من المستبعد أبداً أن يصاب د. شرف بوعكة صحية وسط كل الضغوط والبلبلة التى يتعرض لها والتى شابت عملية التشكيل الحكومى، والتى من الطبيعى أن تنعكس على حالته الصحية.. والحقيقة المؤكدة أننا كنا، حتى ساعات مضت، نعتقد أن التشكيل الوزارى يتم بناء على رؤية د. شرف والتى تعكس رؤية ثوار التحرير، لكننا اكتشفنا أن كل من هب ودب كان يشارك فى اختيار الوزراء فى حالة غير مسبوقة فى تاريخ مصر كله.. فقد نسى الكل أو تناسوا فى زحمة التشكيل الوزارى وفى ظل حالة الارتباك الملتبسة أن الوزراء الذين سيتم اختيارهم سيديرون الحكم فى أعرق دولة بالمنطقة.. مهما قصرت أو طالت الفترة الزمنية التى سيتولون فيها المسئولية، وسواء أكانت شهراً أو عدة أشهر أو يوماً أو عدة أيام.. وبالتأكيد أنا لا أقلل أبداً من شأن الجهد الجبار الذى بذله د. شرف، لكنه بصراحة أشبه بالجهد الجبار الذى يبذله المتسابق الذى يدخل سباقاً فيعدو بأقصى سرعة فى الاتجاه المعاكس للاتجاه الذى يعدو فيه باقى المتسابقين..! كما أننى بالتأكيد لا أقلل من شأن الوزراء الموقرين الذين اختارهم د.شرف فكلهم أساتذة أفاضل لهم قيمة وقامة فى مجالات تخصصهم، ويكفى أنهم خاضوا التحدى وقبلوا العمل فى ظل هذه الظروف الدقيقة التى يمر بها الوطن.. لكننى أعتقد أن الاختيارات التى تمت على طريقة ما يطلبه المستمعون سيرفضها البعض بنفس طريقة «ما يرفضه المستمعون».. فهناك وزراء جدد تم اختيارهم فى الحكومة الحالية كانوا أعضاء بلجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، وهو ما يرفضه معتصمو ميدان التحرير شكلاً وموضوعاً، ويمكن أن يكون سبباً فى رفضهم لحكومة شرف كلها، وهو ما قد يعيدنا إلى المربع صفر مرة أخرى..! وعلى الرغم من أننى قد أختلف مع كل من يدعى أن أعضاء الحزب الوطنى كلهم فاسدون، كما أننى أختلف مع كل من يرفض أى وزير عمل فى ظل النظام السابق.. فهناك شرفاء أكفاء كانوا يعملون فى ظل ذلك النظام.. واختلفوا معه، وكانوا يعملون من أجل الوطن لا من أجل زيد أو عبيد.. هؤلاء بالتأكيد لا يمكن أن نحسبهم على النظام السابق، ولا أن نعتبرهم من دعاة التوريث، أو من الفاسدين المفسدين.. إننى على الرغم من يقينى من أن د.شرف فى مأزق حقيقى، وأن حكومته لن تعمر طويلاً لكل الأسباب التى ذكرتها، لكننى مع ذلك أتمنى أن ينجح وتنجح حكومته لأننى مؤمن بضرورة ألا نقف أسرى للحظة الراهنة وهذه الحالة الملتبسة فى تاريخ مصرنا الحبيبة، فعلينا أن نتحرك إلى الأمام وألا نقف محلك سر.. حتى لا يحكم علينا التاريخ والأجيال الحالية والقادمة بأننا نجحنا فى تفجير ثورة عظيمة، لكننا فشلنا فى تحقيق أهدافها.. ووقتها قد نندم وقت لا ينفع أى ندم..!