نعم نجحت الثورة.. ولكنها لم تحكم بعد.. رغم ما قدمه الثوار من دماء وتضحيات وجهد هائل لتخليص مصر من براثن الاحتلال «الوطنى» والعمل على بنائها على أسس جديدة وراسخة. وهناك فارق شاسع بين الآمال والأحلام.. وبين ما يجرى ويتحقق على أرض الواقع فعلاً.. وعندما التقيت الثوار قبل نحو ثلاثة أشهر كان محور حديثنا عن ضرورة اندماج أحزاب وتجمعات الشباب التى تجاوزت العشرات.. واتفقنا آنذاك على أن تحقيق هذا الهدف سوف يضمن للشباب نسبة أعلى فى الانتخابات البرلمانية.. وربما يكون توافقهم على مرشح رئاسى معين سبباً قوياً لنجاحه وتفوقه. ولكن الواقع المجرد والمحايد والموضوعى يشير إلى أن أبناءنا الثوار يواجهون العديد من المشاكل.. منها نقص الخبرة، فمع تقديرنا العظيم لما بذلوه - وما زالوا – من دم وعرق وجهد ومال، إلا أن خبرة اللعبة السياسية تختلف تماماً عن تجربة الثورة التى انطلقت على أرضية إسقاط النظام كهدف أساسى ولكنها لم تخطط للمراحل التالية بذات القدر من الدقة والحكمة والحنكة، نعم.. إن إسقاط النظام هدف سام وإنجاز عظيم نظراً لاستقرار هذا النظام على مدى عشرات السنين.. وتحديداً منذ أوائل الخمسينيات.. ولكن هدم هذا النظام لا يكفى وحده.. والمرحلة الأصعب والأهم والأطول هى البناء وهى عملية طويلة وشاقة وغير مضمونة النتائج.. كما أنها محفوفة بالمخاطر. ويستطيع الشباب اكتساب الخبرة بالدراسة والدورات التدريبية وأيضاً بالممارسة العملية.. وهى الأهم.. فما هو مكتوب ومقروء يختلف عن التطبيق على أرض الواقع، كما أن مرونة الممارسة السياسية تمنح الثوار تكتيكات وأفكاراً وتطبيقات جديدة ومبتكرة.. قد يستفيد منها الساسة المخضرمون! أيضاً فإن تنظيم أحزاب وحركات واتحادات الشباب لا يرقى إلى الدرجة المأمولة.. وهم يعترفون بذلك، وهذا أمر طبيعى نظراً لانطلاق الثورة وتجمع الثوار خلال وقت قصير قبل وبعد يناير.. مما لم يسمح لهم بإنشاء التنظيمات الفاعلة وتكوين الكوادر المؤثرة، ومع ذلك فإنهم يبذلون جهوداً مضاعفة وينفقون من جيوبهم ومرتباتهم وقوت أولادهم على أحزابهم وجمعياتهم وحركاتهم، والتنظيم الجيد يأتى نتيجة تراكم التجارب والخبرات التى يفتقدها الشباب.. رغم أنهم قدموا لنا أعظم تجاربنا وثوراتنا على الإطلاق. من المشاكل التى تعوق الشباب عن الانطلاق والتأثير القوى فى الرأى العام افتقاد التمويل.. فهناك أحزاب ورجال أعمال يقدمون مئات الملايين – وربما يصرفون البلايين – من أجل تحقيق اختراق فى الانتخابات القادمة (برلمانية ورئاسية).. بل إن هدفهم الخفى تحطيم أحزاب وجماعات بعينها والتكاتف ضدها.. حتى لا تصل إلى النسبة المرجوة فى البرلمان.. أو انتخابات الرئاسة، وإذا كنا نتحدث عن زواج رجال الأعمال والساسة فى النظام البائد.. فإن هذه الظاهرة الأخطر تطل برأسها بعد الثورة، لذا يجب أن نقف لهؤلاء ونكشف ألاعيبهم ومؤامراتهم.. فسجلهم محفوظ ومعروف.. ومشبوه أيضاً! وحتى نكون موضوعيين ومحايدين أيضاً.. فرغم حبنا وتقديرنا لأبنائنا الثوار.. وهم فلذات أكبادنا الذين نفتخر بهم.. فنحن ننصحهم بعدم الانسياق نحو بعض وسائل الإعلام جرياً وراء شهرة زائفة أو مجد هلامى زائل، فإذا كان هدفهم بناء مصر.. فلن يتحقق هذا إلا بالجهد والكفاح على أرض الواقع، ومهما كان إغراء «الشو» الإعلامى.. فإنه سوف يأخذ وقته وتزول إثارته.. وتبقى الحقيقة المؤكدة: «وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً». أيضاً فإن من أسباب إعاقة الشباب عن الوصول إلى سُدة الحكم هو الجرى وراء المصالح الشخصية.. فالبعض منهم.. اهتم بالمصالح الخاصة على المصالح العامة، نقول البعض وليس الكل.. إحقاقاً للحق.. مع التقدير الكامل لأبنائنا الثوار، والنقد هنا لا يفسد للود والحب الكبير لهم أى قضية، وهذا لا يعنى أنهم يجب ألا يبحثوا عن مصالحهم وأعمالهم.. ولكن أن يضعوها فى إطارها ونصابها الصحيح. ومن منطلق الحب أيضاً.. نقول لأبنائنا الثوار: لا تنخدعوا بمحاولات الاستقطاب من الأحزاب القديمة والجديدة، نعم هناك أحزاب وجماعات وحركات انطلق منها الشباب فى الأساس.. وأحزاب أخرى تسعى وراءهم سعياً حثيثاً من أجل استكمال «الصورة الثورية».. إضافة إلى أن هؤلاء الثوار وجدوا فى بعض الأحزاب نوعاً من التوافق الفكرى والأيديولوجى، هذه حقائق لا ننكرها.. ولكن يجب ألا يقع أبناؤنا الثوار فى فخ من يحاولون استقطابهم أو استغلال إنجازهم الثورى الرائع من أجل مصالح حزبية أو سياسية ضيقة. وقد يفتقر الثوار إلى العلاقات الخارجية القوية.. نظراً لأنهم نشأوا أو انطلقوا من أرضية محلية.. ولكننا على يقين من أن ثورة النت – بكل تشعباتها – ساعدت هؤلاء الثوار فى بناء شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الشعبى بالدرجة الأولى.. ويمكن توسيع هذه الشبكة لتشمل أطراً أخرى.. رسمية وغير حكومية.. وتحقيق هذا الهدف يتطلب جهداً أكبر ومساعدة من كل الأطراف.. بما فيها الحكومة والمجلس العسكرى والخارجية المصرية. ولقد عشت قبل أيام تجربة رائعة مع اتحاد شباب الثورة، حيث يجهزون لمعرض دولى يجوب العالم ويشمل حوالى 20 دولة أوروبية وعربية وأفريقية.. يبدأ بعد عيد الفطر بمشيئة الله، هذا المعرض يحوى إبداعات الثوار.. بما فيها نموذج مجسم ومتكامل لميدان التحرير.. قلب الثورة النابض.. إضافة إلى أعمال إبداعية وفنية رائعة، وتتعاون مع الشباب جهات كثيرة منها وزارتا الآثار والثقافة والمجلس العسكرى، وهدف الشباب الترويج للاستثمار وتطوير الاقتصاد المصرى وجذب مزيد من السياح إلى أرض الكنانة. هذا مثال رائع على توسيع نطاق حركة الثوار نحو العالم الخارجى.. وبناء علاقات أقوى مع دول العالم المختلفة، وفى ذات الوقت فنحن ندعو المجلس العسكرى ورئيس الحكومة إلى إعطاء فرصة أكبر لشباب الثورة حتى يشعروا بطعم الإنجاز الأعظم فى تاريخنا، لماذا لا نختار أربعة أو خمسة من شباب الثورة المبدعين المتفوقين فى مجالات مختلفة ونمنحهم فرصة الانضمام للحكومة.. ومعرفة أفكارهم وخططهم والعمل على تطويرها.. عندئذ سوف يشعر الشباب أن ثورتهم بدأت تحكم فعلاً.. وبدأت مصر تجنى ثمارها، لماذا لا يتولى بعض شباب الثورة مواقع رسمية مختلفة.. فى الإعلام والاقتصاد والتجارة والثقافة.. إلى آخر المجالات المتاحة.. من المؤكد أننا سوف نكتشف مواهب هؤلاء الثوار فى كل مناحى الحياة.. كما عرفناها – وشهدها العالم بأسره – فى ميدان التحرير!