حزنت أشد الحزن عندما تابعت التعليقات الساخرة لبعض شباب “الفيس بوك” والزملاء الصحفيين على قضية الجاسوس الإسرائيلى، الذى تم القبض عليه مؤخراً، والتى حاولت التشكيك فى الدور الوطنى العظيم الذى يلعبه جهاز المخابرات المصرية لحماية أمن وأمان هذا البلد.. كما حزنت أشد الحزن لقيام بعض المغرضين بالربط بين القضية وبين ثورة 25 يناير العظيمة، والإيحاء بأن الثورة لم تكن مصرية خالصة، وأن هناك أيادى خارجية، ومنها إسرائيل، هى التى حرّكت الشباب وحرّضتهم على الثورة، مع التذكير بالحكاية العبيطة عن تدريب بعض الشباب الذين قاموا بالثورة على أيدى خبراء أمريكيين وإسرائيليين، مع دفع مبلغ لكل “ثائر” هو تحديداً 50 دولار ووجبة كنتاكى..!! هؤلاء نسوا أو تناسوا أن شباب الثورة هم الذين أمدوا المخابرات بالخيط الأول الذى مكّنهم من القبض على الجاسوس الإسرائيلى.. كما نسى هؤلاء أو تناسوا أن الشباب ثاروا بعد أن زكمت قصص الفساد أنوف الجميع، وأنهم قد قدموا دماءهم وأرواحهم الطاهرة فداء للوطن، من أجل كتابة غد أفضل جديد لأبنائه، فالثورة كانت ثورة حقيقية من لحم ودم، ولم تكن مجرد «شو» أمام الفضائيات ووسائل الإعلام العالمية، أو حلقة من حلقات برنامج الكاميرا الخفية الساذج.. وأنا شخصياً لم أكن أقرأ الطالع أو أضرب الودع عندما أكدت منذ أكثر من شهر فى مقال بعنوان «فواتير المؤامرة» أن أصابع إسرائيل ظاهرة للعيان فى كل ما يحدث فى الشارع المصرى من انفلات أمنى وفوضى وحوادث طائفية.. وقلت بالتحديد إن إسرائيل وراء ما حدث فى إمبابة وفى أطفيح، وما حدث من مظاهرات طائفية واشتباكات أمام مبنى ماسبيرو.. وقد جاءت عملية القبض على الجاسوس والتحقيق معه لتؤكد كل ما قلت وأكثر.. فالجاسوس كان متواجداً بصورة دائمة فى ميدان التحرير.. وذهب إلى إمبابة، وحاول السفر إلى أبوقرقاص، وقد تجرأ وجلس على دكة العلماء فى الجامع الأزهر الشريف ليحرض المواطنين ضد قواتهم المسلحة.. كل ذلك تحت سمع وبصر الحاضرين الذين يعيشون، كما نعيش جميعاً حالة «عبط أمنى» تجعلنا لا نشك فى أحد، ولا نتخيل أبداً أن هناك من يتآمر على شعب مصر الطيب «المحروس» بأولياء الله الصالحين..!! وقد يقول قائل: وماذا فعل الجاسوس للإضرار بأمن مصر القومى؟! إنه لم يتجسس لا على قواتنا المسلحة، ولا على منشآتنا الحيوية الحساسة.. كل ما فعله الرجل هو أنه زار الأزهر وجلس على دكة العلماء وقال له كلمتين، وذهب إلى ميدان التحرير مثل الملايين الذين يذهبون ليتظاهروا ويساندوا الثوار فى مطالبهم المشروعة..!! وحتى هذا الكلام يصب فى خانة العبط الأمنى الذى نعيشه، والذى يجعلنا نتخيل أن التجسس يقتصر فقط على التجسس على قواتنا المسلحة وعلى منشآتنا الحيوية.. فالجاسوس إيلان جرابيل فعل أخطر مما قد يفعله الجاسوس الذى يتجسس على القوات المسلحة، لقد شارك وسعى إلى إشعال وتأجيج نار الفتنة الطائفية، وتحريض الشعب المصرى على قواته المسلحة.. مستغلا مرحلة المخاض التى تعيشها مصر حالياً بعد ثورة 25 يناير، والتى تمثل أرضاً خصبة للقوى المعادية لمصر وفى مقدمتها الكيان الصهيونى لزراعة الفتن والمؤامرات.. وهذا ليس اتهاماً لإسرائيل بقدر ما هو قراءة لما أكده أكثر من مسئول إسرائيلى كبير، ومنهم موشى يعلون، الذى هدد مصر بعد إتمامها للمصالحة بين الفلسطينيين قائلاً: إن إسرائيل لديها «وسائلها» للتعبير عن استيائها وسخطها وانزعاجها مما تفعله القاهرة!! إن هذه الكلمات تعنى أكثر من معنى.. لكن المعنى الأكثر وضوحاً هو أن الكيان الصهيونى سيقوم باللعب فى الأمن القومى المصرى، وسيهز استقرار مصر حتى تنشغل بهموم الداخل، وتبتعد عن ممارسة دورها الطبيعى فى محيطها العربى والأفريقى والدولى، وهو الدور الذى تلعبه مصر منذ القدم بحكم التاريخ والجغرافيا، وهو ما يقلق العديد من القوى المعادية لمصر، وفى مقدمتها أيضاً الكيان الصهيونى.. وهذا الدور للأسف كاد أن يضيع بسبب تخاذل بعض كبار المسئولين، أو لحالة الاستعلاء التى كانوا يتعاملون بها مع الأشقاء والأصدقاء فى العالم العربى وأفريقيا.. والفضل يعود لثورة يناير فى إعادة إحياء هذا الدور؛ ولذلك تسعى إسرائيل جاهدة لإجهاض الثورة بكل السُبل ومنها إثارة الفوضى والبلبلة والفتن الطائفية، فليس سراً أنه منذ قيام الثورة وحتى لحظة كتابة هذه السطور تم ضبط 4 شبكات تجسس مقابل 73 شبكة تجسس فى الثلاثين عاماً الماضية.. يضاف إلى ذلك محاولات إسرائيل المستمرة إغراق البلاد بالمخدرات، حيث ثبت ضلوعها فى أكثر من 67% من قضايا تهريب المخدرات وغسيل الأموال.. هل بعد كل هذا يمكن لأى عاقل فى هذا البلد أن يشك ولو للحظة فيما يحاك من مؤامرات ضد مصر وشعب مصر؟!.. إن المطلوب فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر أن ننتبه جميعاً إلى كل ما يدور حولنا، وأن ننفض عن أنفسنا حالة «العبط الأمنى»، التى تجعلنا نقابل ببساطة وببراءة الأطفال فى أعيننا كل ما يحاك من مؤامرات ضدنا، بل، وهذا الأخطر، إن البعض منا يشكك فى مصداقية جهاز المخابرات العظيم الذى أثبت منذ إنشائه وحتى الآن أنه قادر على حماية تراب مصر وشعب مصر من كل ما يحيكه الأعداء من مؤامرات.