هذا السؤال الذى تبدو سذاجته بما فيه من سخف وتكمن سخافته فى ابتعاد السؤال عن كل منطق يقبله العقل وإن كان هذا العقل لرجل مخبول تمكن منه الجنون.. وهنا يجدر بنا أن نطرح أكثر من تساؤل: كيف قتل ما يقرب من الألف شهيد خلال ثمانية عشر يوما؟! ومن الذى استطاع بقدرة مرذولة أن يصطاد شباب الثوار النبلاء برصاص الغدر من فوق أسطح عمارات ميدان التحرير؟.. أليسوا رجال أمن الدولة.. ذلك الجهاز الآثم المتهم بارتكاب أفظع الجرائم حيال شعب مصر بلا تمييز أو استثناء، حيث إن فظائعه لم تسلم منها أسرة مصرية واحدة فى واحد من أعز أبنائها.. ممن راحوا ضحية التعذيب أو أصابته عاهة مستديمة تذكره دوما بما لاقاه من هوان فى عهد النظام السابق المستبد. أليست جمعة الغضب فى رابع أيام الثورة شاهدة على تورط كبار الطغاة فى قرارات صريحة مستنكرة بقتل الثوار بالرصاص الحى، وكذلك فى موقعة الجمل النكراء التى تجلت فيها كل مظاهر الاستهانة بشعب مصر العظيم، ولكن ليس مهما من نفذ الأوامر، بل الأهم هو من أصدرها بدم بارد وضمير ميت فقد كل صلة بالحياء والحياة معاً. وإن كانت كل الشواهد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن رئيس النظام السابق حسنى مبارك فى وقت أصيب فيه بالهلع، مما رأى من عزم أكيد لدى الثوار الشباب ومن خلفهم الشعب المصرى بكامله على الإطاحة به وبنظام حكمه العصابى.. وهنا جاءت أوامره مباشرة بقتل هؤلاء الثوار.. وكانت استجابة حبيب العادلى لتنفيذ هذه الأوامر والتى صادفت هوى فى نفسه المتعطشة للبطش والدماء بداية لما حدث من انفلات أمنى دفع ثمنه الشعب بسقوط شهدائه من الثوار والشرفاء من رجال الأمن فى وقت واحد.. وكانت النتيجة ما آلت إليه العلاقة بين الشعب وحماة أمنه بما لا نرجو ولا نتمنى . ومما يثير الدهشة والعجب معاً أن ما أجرى من تحقيقات النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع ومن خلال ما وصل إلى أجهزة الإعلام من تسريبات حول هذه التحقيقات هو أن عتاة الإجرام من رجال النظام السابق يبدون وكأنهم أطفال تطل البراءة من أعينهم وأن أناسا آخرين هم الذين ارتكبوا كل هذه الفظائع والتى بدأت بسلب ونهب مصر أرضاً ومالاً وانتهت بقتل أبنائها، لا لذنب جنوه سوى أنهم يبتغون الحرية لبلادهم والحياة الكريمة التى هى حق أصيل من حقوق الإنسان. ومما ورد فى التحقيقات من إنكار ساذج أبداه الرئيس السابق وأذنابه هو ترجمة غبية لتعليمات المحامى الذى يدافع عن كل منهم.. فنرى محامى الرئيس السابق يبدى دفوعه بتصريحه بأن موكله لم يصدر قراراً بقتل المتظاهرين، وكذلك أن ثروته لا تتجاوز المليون دولار داخل البلاد فضلا عن أنه ليس لديه أية أموال خارج البلاد وفق ما صرح به الرئيس السابق فى حديثه لقناة العربية.. وهنا نتساءل: إذا كان قصر مبارك فى شرم الشيخ يقدر ثمنه وحده بمبلغ خمسة وثلاثين مليون جنيه فهل يريد مبارك ومحاميه أن نصدق أنه اشتراه بنصف مليون جنيه كما صرح فى تحقيقات الكسب غير المشروع؟! وإن كان كذلك فهل الثروات التى جمعها نجلاه والتى تقدر بمليارات الدولارات على هيئة قصور وفيلات وعقارات وأراض وغيرها لم تكن بنفوذه وسطوته؟! وذلك إن استثنينا الثروات المنهوبة التى جمعها رجال الحكم فى وقائع فساد لم تشهدها ساحات أعتى النظم الفاسدة على مستوى العالم.. ويأتى التساؤل الأهم: إلى هذه الدرجة قد بلغ التبجح حين أنكر الجميع ما نسب إليهم من تهم مؤكدة بالفساد وقد كانت سببا مباشرا فيما عاناه الشعب المصرى طيلة ثلاثين عاما من فقر وحرمان.. ويأتى التساؤل الأخير: إذا كانت الإجابة عن كل التهم الموجهة إلى الرئيس السابق ورجاله (ما عرفش.. وما حصلش) إذن من قتل الشهداء؟! والإجابة تكمن فى الأمانة التى أودعها الشعب المصرى إلى ضمير القضاء المصرى الشامخ وهو أهل لها وجدير بها لننتظر معا القصاص قريبا حتى تعود لهذا الشعب حقوقه المسلوبة ويلقى الآثمون جزاءهم العادل.