اعتمدت الإدارة الأمريكية ولسنوات على آليات محددة فى تعاملها مع دول منطقة الشرق الأوسط ولاسيما مصر مستخدمه فى أدائها أسلوب العصا والجزرة. فهى تارة تلوح بورقة المعونات الاقتصادية والتى بلغت 1,52 بليون دولار عام 2010 للضغط على النظام السابق لخدمة مصالحها فى المنطقة وتارة أخرى تقدم الدعم المباشر وغير المباشر للمعارضة المصرية فى الداخل والخارج لاستخدامها كوسيلة ضغط فاعلة لصالح حلفائها. وبعد قيام ثورة 25 يناير تباينت الرؤى الأمريكية بعد أن تداعت النظريات السابقة وتغيرت الأحوال وانهار النظام الحليف وجاء نظام جديد رافض للهيمنة الأمريكية بكل أشكالها وأصبح جلياً رغبة المصريين الجدد فى الخروج من العباءة الأمريكية. كما أن التعددية الحزبية والحراك الديمقراطى السائد فى مصر الآن والرؤية المستقبلية لدول المنطقة أصبحت مصدر تهديد مباشر للمصالح الأمريكية وحلفائها. ولهذا سعت الإدارة الأمريكية فى البحث عن مؤثرات جديدة تستعيد من خلالها نفوذها المفقود فى منطقة تعوم فوق ثروات طبيعية وتحتل موقعاً استراتيجياً فى مناطق نفوذها فى قارتى آسيا وأوروبا ولذا تطلب الأمر العمل على استعادة التأثير السياسى والاقتصادى والثقافى فى التعامل مع النظام الجديد فى مصر وتطلب ذلك البحث عن عناصر دبلوماسية تتمتع برؤية واضحة وخبرة فى التعامل مع النظم العسكرية والنظم الأصولية الصاعدة فى مصر. وجاء اختيار «آن باترسون» السفيرة الأمريكيةالجديدة لتحقق الهدف المنشود والتى جاءت خلفاً للسفيرة السابقة «مارجريت سكوبى» صاحبة الرؤية المتشددة والمتحيزة للحليف الإسرائيلى على حساب مصالح جميع الدول فى المنطقة والتى أسهمت فى فقدان مصداقية المفاوض الأمريكى فى إيجاد حلول جذرية للقضايا الخلافية السائدة وتأتى القضية الفلسطينية على رأس هذه القضايا. معايير قياسية وأعراف وكما هو متبع فى العرف الدبلوماسى إنه إذا كانت قراءة إحداثيات خريطة التغييرات السياسية لدى المبعوث والمنوط به العمل فى الموقع خاطئة وفاشلة بسبب خطأ فى الرصد وعدم القدرة على قراءة المستقبل عبر تضاريس الواقع فلا مناص من إعطائه الكارت الأحمر ليخرج من الملعب الدبلوماسى وغير مأسوف عليه واستبداله بلاعب جديد يمتلك المهارات المطلوبة ويجيد إحراز الأهداف المؤثرة! لذا فاختيار «آن باترسون» لشغل هذا المنصب لم يأت على سبيل المصادفة بل جاء بأمل تحقيق الأهداف المنشودة ولتتمكن الإدارة الأمريكية من استعادة نفوذها المفقود. فالسفيرة باترسون يصفها أقرانها بأنها سيدة المهام الصعبة فسيرتها الذاتية تتضمن قيامها بمهام شبه مستحيلة وأحرزت من خلالها نجاحا استمر طوال 37 عاماً هى فترة عملها الدبلوماسى.. وعن أسباب اختيارها تقول صحيفة يديعوت الإسرائيلية إن خبرة «آن باترسون» الطويلة ناجحة فى التعامل مع الدول التى يكون فيها الجيش هو المسيطر على مقاليد الأمور، ويؤكد ذلك الدبلوماسى المخضرم «آرون ميلر» الذى يقول إنهم سيرسلون لمصر سفيرة موهوبة جداً تستطيع التواصل وإقامة محادثات مع جيش قوى، بالإضافة لهذه المؤهلات فهى تستطيع أيضاً ربط غطاء الرأس بأناقة ملحوظة عند التعاطى دبلوماسياً مع قادة المجتمعات المتحفظة دينياً كما حدث أثناء توليها مهام منصبها كسفيرة فى باكستان آخر معاركها فى العمل الدبلوماسى والتى نجحت خلالها فى إقناع التيارات المتشددة وقادة الجيش والمخابرات فى القيام بعمليات أمنية مشتركة منذ عام 2007 وحتى 2010 أى طوال فترة عملها فى باكستان، وذلك لمواجهة تنظيم القاعدة وتوجيه ضربات موجعة لطالبان الأفغانية والباكستانية مستخدمة المجال الجوى لباكستان لشن غارات بدون طيار لضرب معاقل تنظيم القاعدة على الحدود محققة نجاحاً لم يتحقق لمن سبقوها فى شغل هذا المنصب. خبرة وصراحة معيار النجاح آن باترسون ولدت عام 1949 فى ولاية أركانساس الأمريكية ودرست الفنون فى جامعة وليسلى وهى زوجة أيضاً لدبلوماسى متقاعد ولديها ولدان. بدأت عملها الدبلوماسى فى السعودية كمديرة للعلاقات الاقتصادية ثم مبعوثة لأمريكا لدى الأممالمتحدة ثم سفيرة فى السلفادور وكولومبيا ثم سفيرة لبلدها لدى باكستان. وتعد باترسون من أكثر الشخصيات ظهوراً على وثائق ويكليكس الشهيرة وذلك بسبب تقاريرها الاستخباراتية التى كانت تكتبها بنفسها وانتقدت بصراحة من خلالها سياسة بلدها الخارجية مع باكستان وأسهمت فى تصحيح مسار العلاقات الأمريكيةالباكستانية وسمحت للطائرات الأمريكية بدون طيار فى عبور المجال الجوى الباكستانى لشن هجمات موجعة ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان. ولهذا فإن باترسون تتمتع بمصداقية لدى صانعى القرار فى أمريكا واختيارها لشغل المنصب الجديد يعنى بداية أمريكية جديدة وحذرة مع الشأن المصرى وليس مجرد مكافأة نهاية خدمة أمريكى قد يعتقد البعض أنه شهر عسل جديد.