من التبسيط الساذج أن نقول إن سينما جديدة ستولد على الفور بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، نحن فى فترة انتقال بامتياز، ومازلنا نعيد بناء مجتمع تم تسليمه فى حالة يرثى لها بعد ثلاثين عاماً من الجمود والوقوف فى المكان، سنأخذ وقتاً فى ذلك، وستأخذ السينما أيضاً وقتها لكى تستعيد عافيتها بعد فترة توقف ليست قصيرة، ولو ذهبت الآن إلى أى دار عرض لاكتشفت أن منتجى الأفلام فى حيرة بالغة ما بين إخراج أفلام استكملت قبل الثورة وفقاً للسائد والمألوف، أو إضافة مشاهد الثورة لبعض تلك الأفلام، ستجد مثلاً إعلانات عن أفلام ستعرض قريباً مثل «إذاعة حب» الذى يجارى الموجة الخفيفة السابقة على الثورة، ومثل «الفاجومى» الذى بدأ تصويره قبل الثورة عن حياة الشاعر «أحمد فؤاد نجم»، ومن الواضح أن مخرج الفيلم «عصام الشماع» قد أضاف إلى فيلمه مشاهد مصورة من ميدان التحرير واعتصامات الشباب فيه، وستجد إعلاناً ثالثاً من فيلم قادم من أعماق سحيقة وبلا نجوم تقريباً بعنوان «الهاربتان» من تأليف وإخراج أحمد النحاس، ومن إنتاج سيدة المسرح «سميحة أيوب»! أتصور أن هذا الكوكتيل السينمائى لفترة ليست قصيرة خاصة أنه لم يكن هناك أى خطط إنتاجية أو توزيعية لا سابقة ولا لاحقة، قبل الثورة على سبيل المثال كان هناك أربعة أفلام فقط معروضة هى: «الشوق» للمخرج سيد رجب و«فاصل ونعود». إخراج أحمد نادر جلال، و«365 يوم سعادة» للمخرج اللبنانى «سعيد الماروق» ثم فيلم «ميكروفون» للمخرج «أحمد عبد الله»، وبعد الثورة لم يعرض سوى فيلمين هما: «EUC» للمخرج «أكرم فريد» ثم «سفارى» للمخرج «مازن الجبلى»، وهناك مخاوف شديدة من المنتجين من عرض أفلام النجوم الكبار التى اعتدنا أن تحتكر موسم الصيف، المشكلة أن أحداً لم يفكر قبل الثورة أن يعرف رأى ومزاج الجمهور من خلال الاستطلاع أو الدراسة العلمية، بينما كل شىء يسير بالبركة، وقد فاجأت الثورة المنتجين فتحولت «البركة» إلى حيرة، وأصبح المتاح فى هذه المرحلة الانتقالية تقليل الخسائر بعرض المخزون، وتأجيل بعض الأفلام التى زاد من تأثرها تغير المزاج العام للجمهور، وربما انخفاض القدرة الشرائية، مع وجود ممثلين لهم أفلام أصبحوا ضمن ما يطلق عليه القوائم السوداء، وأوضح نموذج على ذلك «طلعت زكريا» الذى نزلت أفيشات فيلمه الجديد «الفيل فى المنديل» إلى دور العرض قبل أيام من الثورة، ولكن الفيلم نفسه لم يعرض حتى الآن وسط حسابات جديدة بسبب موقف «طلعت زكريا» العجيب من ثوار التحرير، ففى الوقت الذى كان الرئيس المخلوع يقول عنهم فى خطاباته «أبنائى»، كان «زكريا» ملكياً أكثر من الملك، واتهمهم بتعاطى المخدرات وممارسة الجنس فى قلب الميدان!! على الجانب الآخر، بدأت بالفعل هوجة تقديم أفلام روائية طويلة من الثورة أبرزها فيلم «مجدى أحمد على» الجديد الذى يحمل اسم الميدان، والذى يتناول تجربة أحد الأطباء الكبار فى اكتشاف هذا الجيل الجديد من المصريين عندما نزل لمشاركتهم وعلاج بعضهم، ولدينا أيضاً الفيلم الذى شارك أكثر من مخرج مثل «شريف عرفة» و«مروان حامد» فى تقديمه بحيث يحكى كل منهم زاوية من حكايات الميدان، كل ذلك جيد ولكنه لن يغير الكثير فى صناعة مرتبكة تحتاج إلى الفانوس السحرى لترتيب أوضاعها وتفكيك احتكاراتها وخلق نجومها الجدد، لن تختفى بالتأكيد الأفلام الهايفة ولكن نأمل أن تنحسر وتقل، ربما ستتاح الفرصة لعرض المزيد من التجارب المختلفة مثل «ميكروفون» و«عين شمس»، الشىء المؤكد أن تنظيم فوضى السينما سيستغرق وقتاً خاصة فى فترة الانتقال هذه انتظاراً سينما جديدة مع مجتمع جديد.