حقيقة أن وسائل الإعلام العالمية لا تتحدث عن إسرائيل إلا وتناولت الصراع مع الفلسطنين وباقى الدول العربية إنه واقع ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أنه منذ عدة سنوات ظهرت وسط المجتمع الإسرائيلى موجة من الاحتجاجات تخطت بكثير ما يحدث فى أوروبا وباقى دول العالم. ولأن الشعب الإسرائيلى مثله كمثل باقى الشعوب يعانى من الفساد والفقر والبطالة، بدأ يرفض سياسة التخويف والترهيب التى يستخدمها حكامه من أجل البقاء فى السلطة ومن ثم فرض سياسة بعينها ومع تجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلى لهذا العهد الجديد حرص الآلاف من الشباب على السفر إلى الهند وأمريكا الجنوبية وأستراليا وتايلاند بحثاً عما أطلقوا عليه «السلام الداخلى» أو الرومانية الجديدة. جاءوا من عدة فئات اجتماعية مختلفة مثل الصحفيين وأصحاب الشركات والمؤسسات رجالاً ونساء، بهدف الخروج من ذلك التوتر والغضب الذى فرض عليهم بسبب الصراع السياسى- العسكرى الأمر الذى أدى إلى ظهور نوع جديد من المهرجانات الروحانية فى إسرائيل، مثل مهرجان «الحب والتأمل» و «الروحانية والتطور الشخصى» و «الروحانية والخلاص» تعبيراً عن ضرورة وجود نوع جديد من التأمل الاجتماعى. ومن اللافت النظر أن هذا النوع من المهرجانات أو التجمهر الشعبى ضم عشرات الآلاف من المشاركين. الشىء الذى أكد أن الشعب الإسرائيلى قد طفح به الكيل من ممارسات حكامه السياسية والعسكرية. فلم يعد الناس ينتظرون شيئاً من مساعى «جينيف» الداعية للسلام، مادامت الحكومتان الإسرائيلية والفلسطينية مستمرتين فى التعنت والصدام. وأمام معاناة الشعب الإسرائيلى لعدم وجود مخرج لأزمته، وبما أن السلام لايتحقق على الأرض، فضل العمل بنفسه بحثاً عن ذلك السلام الداخلى، تجنباً لضياع طاقته الإيجابية فى صراع لانهاية له. وكما قال «الدلاى لاما»: إن السلام الخارجى لايمكن أن يتحقق إلا لو كان هناك سلام داخلى نابع من النفس. والذى زاد من غضب الإسرائيليين أنه منذ أن تولى رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» السلطة ومعدلات الفقر فى زيادة مستمرة، حيث أعلنت الهيئة الوطنية الإسرائيلية أن هناك حوالى 15 ألف أسرة، أى 28% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وأن هناك 850 ألفا وثلاثمائة طفل يعانون من الظروف الصعبة. وأوضحت الإحصاءات لعام 2010 ارتفاع معدل الفقر من 19.9% إلى 25% كما أن نسبة الفقر بلغت فى شمال إسرائيل حوالى 32.3%، وفى جنوب البلاد نسبة 23.6%، وفى القدس بلغت النسبة 13% الأمر الذى أدى إلى زيادة حالات العنف لتبلغ حوالى 81% لتصبح الهوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء. كتب الصحفى الإسرائيلى «يورى أفيندى» متحدثاً عن أحد جنود الاحتياط ويدعى «هاد هاملت» الذى أعلن وقال: هناك شىء عفن فى الدولة الإسرائيلية. إذ أن قضايا الفساد فى إسرائيل تدور فيما بين ألمانيا والتهريب وتبييض الأموال والتزاوج بين السلطة والمال والاتجار فى المخدرات والفضائح الأخلاقية إذا قام رجال القضاء فى بلجيكا بالكشف عن أكبر مشكلة دولية لتبييض الأموال كان على رأسها رجل الأعمال اليهودى المعروف «دانيال زلكبرج» الذى كان يمارس نشاطه فيما بين بروكسل وفرنسا وإسرائيل. كما ألقى القبض فى «نيويورك» على رجل الأعمال «برنار مادوف» أثناء عملية تهريب للماس والمصوغات، تم على أثرها التحفظ على ثروته على اعتباره خطرًا على المجتمع. إذ أن هذا الثرى اليهودى الذى تم القبض عليه يوم 11 ديسمبر الماضى، أتهم بالاحتيال والغش بحوالى 50 مليار دولار حيث تم الافراج عنه بكفالة حوالى 10ملايبن دولار مع خضوعه للإقامة الجبرية فى منزله ب«منهاتن» وفى شمال إسرائيل تم الكشف عن أكبر شبكة لتهريب المخدرات قدرت بحوالى 2 مليار شيكل، وتم توقيف حوالى 12 متهماً، يهربون كافة أنواع المخدرات عن طريق السيارات التى تنقلها السفن،ليتم ترويجها وتوزيعها فيما بعد فى أوروبا والشرق الأوسط. وفى العام الماضى تم القبض على اثنين من المواطنين الإسرائيليين فى مدينة «بانكوك» وبحوزتهما 23 ألفا من الأقراص المخدرة الممنوعة دولياً أما طبقة الساسة فى إسرائيل فلم تفلت هى الأخرى من الفساد، إذ اتهم رئيس الوزراء السابق «ايهود أولمرت» بالاحتيال واستغلال المنصب بهدف التربح والاستيلاء على المال العام. كما سبق أن وجهت التهم لكل من رئيس الوزراء السابق «شارون» ونجله لتحقيق المكاسب الطائلة من وراء مشاريع بناء المستوطنات كما واجه رئيس الدولة السابق «موشيه كتساف» عدة تهم من بينها الاغتصاب و التحرش الجنسى، وكذلك اتهام كل من رئيس الكنيسة بالمخالفات المالية، ووزير العدل المتهم بفعل فاضح كما اتهم «ايهود باراك» و «أفيجدور ليبرمان» بسبب تهم متعددة تدور كلها حول الفساد والتربح غير المشروع. وتحتل إسرائيل طبقاً للإحصائات الدولية المرتبة 32 من حيث الفساد من بين 180 دولة أخرى، إذ احتلت الدنمارك المرتبة الثانية، وسويسرا المرتبة الخامسة، وألمانيا المرتبة الرابعة عشرة وفرنسا المرتبة الرابعة والعشرين. هكذا تصبح غضبة الشعب الإسرائيلى مكتملة الجوانب، إذ كتب الروائى الإسرائيلى «إيتزاك لاهور» قائلاً: يعيش الشعب الإسرائيلى فى «جيتو» ذهنى وعقلى.. يعيش فى جيتو العزلة بعيداً عن باقى جيرانه فى الشرق الأوسط.. إذن سوف نصبح قاعدة عسكرية للغرب فى المنطقة. وبعد أن بدأت الدول العربية صفحة تاريخية جديدة بدءاً من تونس ومصر مروراً بليبيا واليمن والبحرين، وبعد نجاح ثورة مصر الشعببية تظاهر الآلاف من اليهود والناشطين الأوروبيين فى مدينة القدس للتنديد بسياسة بلادهم العنصرية رافعين لافتات تقول: «لا للعنصرية ضد العرب» ومع احتجاجات الشعب الفلسطينى المطالبة بالوفاق الوطنى يصبح المؤشر دليلا قويا على أن هناك حقبة تاريخية جديدة سوف تفرض كلمتها قريباً على الساحة السياسية. فإن تلك النداءات التى جاءت من داخل إسرائيل على مسامع حكام صامتين إنما تؤكد أن إسرائيل لن تفلت من موجة التغيير حيث أعلن أحد قادة الأحزاب البارزين قائلاً: «يدرك المتظاهرون تماماً أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تقتل كل فرص السلام ليس فقط مع جيرانها ولكن أيضاً مع الشعب الإسرائيلى».