فى مثل هذه الأيام منذ ست سنوات كاملة وبالتحديد فى شهر فبراير كان تعديل المواد المتعلقة بمباشرة الحقوق السياسية من الدستور المصرى، وحينذاك اعتبر الشعب المصرى ذلك التعديل إنجازا كبيرا يفتح الباب واسعا لانتخاب رئيس الجمهورية وفق اقتراع حر مباشر يتيح المشاركة لأكثر من مرشح بعد سنوات طويلة تجاوزت نصف القرن كان فيها انتخاب رئيس الجمهورية بالاستفتاء الذى يعتمد على كلمتى نعم أو لا.. وتوقع الجميع أن ذلك التحول هو أولى درجات السلم نحو ديمقراطية حقيقية وجاءت النتائج تعكس خيبة أمل كبيرة فى هذا التوقع، وقد شهدت بذلك الأحداث والوقائع التى اكتنفت هذه العملية الديمقراطية الزائفة، لتؤكد من جديد أكذوبة كبرى لبست ثوبا من الإفك والبهتان كانت نتيجتها مجافية للحقيقة التى لمسها الشعب المصرى بكل طوائفه، حيث كان التزوير الفاضح هو البطل المطلق لهذه التمثيلية البلهاء ويشهد على ذلك العزوف الواضح للناخبين لافتقادهم الثقة والمصداقية فى وقت واحد، وكأنهم كانوا يعلمون مسبقا بالنتائج المزيفة والتى أسفرت عنها هذه المهزلة بملايين الأصوات بينما لم يدل بصوته فيها بما يماثل بضعة آلاف على أكثر تقدير وكان ذلك واضحا جليا من اللجان الخالية والتى أتاحت للمزور فرصة ذهبية لما يعرف بعملية «التسويد» للبطاقات الانتخابية بعد أن غاب أصحابها عن ممارستهم المشروعة فى مباشرة حقوقهم السياسية التى يكفلها لهم الدستور. ومن هنا يجب أن نعى الدرس جيدا ولا نلقى كل اللوم على المزورين وحدهم، إنما يجب أن نلقى جزءا كبيرا من اللوم على أنفسنا لتقصيرنا فى المحافظة على ما هو حق أصيل لنا كمواطنين كما علينا من واجبات. واليوم «السبت» تجرى عملية الاستفتاء على تعديل جزئى لبعض مواد الدستور كخطوة أولى لازمة على وجه السرعة للظروف الطارئة التى تمر بها مصر فى هذه الأيام، وقد لا يروق هذا التعديل للبعض قناعة منهم بوجوب وضع دستور جديد تبدأ به مرحلة جديدة تكون فاصلة عما سبقها من مراحل غاب عنها التمثيل الديمقراطى السليم سواء لمنصب رئيس الجمهورية أو لأعضاء المجالس النيابية والمحلية، وربما كان هذا مطلبا شعبيا اتفق عليه الجميع، ولكن عاملى الوقت والحاجة الملحة يحتمان الإسراع بخطوات فاعلة نحو الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية للدولة المصرية فى ظل حكم مدنى يعتلى سدته رئيس منتخب انتخابا لا شائبة فيه ونواب يمثلون الشعب تمثيلا حقيقيا يخلو من الزيف والتدليس، وبالطبع سوف يعقب هذا الاستقرار المأمول خطوات أخرى لتحقيق مطالب الشعب ليس فى دستور جديد فقط، إنما فى نظرة شاملة على كثير من القضايا المعلقة يأتى فى مقدمتها تحسين أجور المواطنين بما يحقق لهم حياة كريمة فى ظل الارتفاع المستمر لنفقات معيشتهم، وذلك إلى جانب إصلاحات أخرى سوف ينظر إليها تباعا تحقيقا لطموحات ثورة الشباب فى الخامس والعشرين من يناير وأيضاً تطلعاتهم مع الشعب المصرى نحو مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة. وإذا كنت من أصحاب الرأى الرافض للتعديل الدستورى الجزئى أو من أنصار تفهم الوضع القائم فإن الدستور قد كفل لكما إبداء الرأى بكل حرية وحيادية ودونما وصاية من أحد مهما كان قدره، خاصة أن استفتاء اليوم تحت إشراف قضائى كامل بما يضمن إرادة شعبية حقيقية سوف تسفر عنه عملية الاستفتاء فى إطار من الشفافية بشكل لم يحدث كثيرا فى حياتنا السياسية المعاصرة عبر نصف قرن، وإذا كنت من الذين يقولون نعم أو يقولون لا فلا جناح عليكما لأنكما معا قد أديتما واجبكما نحو الوطن العزيز فى ظروفه المصيرية والدقيقة الطارئة أما ما يطلق عليهم الغالبية الصامتة والتى كانت تمثل نقطة ضعف كانت لها عواقبها الوخيمة على الخريطة السياسية فى نظم الحكم السابقة، خاصة أنها كانت تشكل النسبة الغالبة من الشعب المصرى فيما مضى فإن واجبهم اليوم أن يتخلوا عن سلبيتهم التى لم يعد هنا داع لها ولا مبرر بعد ثورتنا الرائعة وأن ينفضوا عن كاهلهم خيارهم الثالث والذى أصبح مرفوضا بعد الثورة وينخرطوا فى مشاركة سياسية فاعلة مع أصحاب الخيارين الأول والثانى ممن يقولون نعم أو لا وتلك هى الإيجابية البناءة التى نصبوا إليها ونتمناها لمصرنا الجديدة والتى من اجلها سوف أقول اليوم نعم للتعديل الدستورى.