اختلفت معه كثيرا ولكننى اتفقت معه أكثر وهاجمته منتقدا بعض مواقفه السياسية وخاصة موقفه من مبادرة السلام واتفاقية كامب ديفيد والتى أعيدت بمقتضاها سيناء كاملة إلى التراب الوطنى وبادلنى هجوما بهجوم وتوقعت منه قطيعة مؤكدة ولكننى فوجئت بأن سماحته وطيبة سريرته أكبر من سوء ظنى به وفى أول لقاء لى معه بعد هذا السجال وجدته مرحبا بى بوجهه البشوش وكأن شيئاً لم يكن، ولم تنقطع دعوته لى فى كل اجتماع لاتحاد الفنانين العرب داخل مصر وخارجها وكان موقفى من دعوته دائماً هو القبول شاكراً له كأستاذ لى وكأحد أهم المبدعين فى الوطن العربى والذى تنوعت إبداعاته بشكل يكاد يكون نادرا فى كثير من غيره من المبدعين، هذا هو الكاتب الراحل سعد الدين وهبة أحد أكبر رواد التأليف المسرحى فى مصر ولا أبالغ حين أقول إنه حينما يؤرخ للمسرح المصرى فى عهد ازدهاره وتألقه لا بد أن تذكر مؤلفاته المسرحية والتى صنعت مع مؤلفات زملائه من فرسان الستينات تاريخ المسرح المصرى فى هذه الحقبة ومنهم نعمان عاشور ومحمود دياب ويوسف إدريس والفريد فرج وميخائيل رومان وغيرهم. وقد قدم سعد الدين وهبة عددا من المسرحيات للمسرح القومى والتى اضطلعت ببطولة معظمها رفيقة عمره سيدة المسرح المصرى سميحة أيوب ومنها «سكة السلامة» و«السبنسة» و«كفر البطيخ» و«كوبرى الناموس» و«يا سلام سلم الحيطة بتتكلم» وغيرها من المسرحيات ذات البناء الدرامى الشائق والذى جمع بين الكوميديا والتراجيديا دون إخلال بالقصد التثقيفى والهدف التنويرى خاصة وأنها جميعا حملت من دراما الإسقاط السياسى والاجتماعى ما جعلها تتسم ببلاغة مسرحية نادرة جعلتها تفلت من يد الرقباء فى ذلك الوقت الذى شاع فيه تطبيق الشرعية الثورية على حساب الشرعية الدستورية التى نحياها اليوم بعد أن ارتفع سقف حرية التعبير وتلاشت معظم المحاذير الرقابية. ولم تقتصر إبداعات الراحل الكبير سعد الدين وهبة على مجال التأليف المسيحى وإنما تجاوزته إلى وسائط إعلامية أخرى وأبرزها السينما والتى كانت له فى مضمارها مساهمات لا تقل فى ريادتها ما كان له فى الدراما المسرحية ودليلنا القاطع على ذلك أن أفلاما وضع سعد الدين وهبة لها السيناريو والحوار أصبحت الآن كلاسيكيات السينما المصرية ويؤرخ بها لهذا الفن الذى كان لمصر ومازالت المكانة الرائدة فى وطننا العربى ومن هذه الأفلام «زقاق المدق» لنجيب محفوظ و«الحرام» ليوسف إدريس و«مراتى مدير عام» لعبد الحميد جودة السحار و«الزوجة الثانية» لأحمد رشدى صالح و«أرض النفاق» ليوسف السباعى و«أبى فوق الشجرة» لإحسان عبد القدوس و«أريد حلا» لحسن شاه.. وبنظرة فاحصة ناقدة لكل هذه الأفلام نرى أنها لكبار كُتاب الأدب الروائى المصرى على اختلاف نوعياتها من الواقعية الشعبية إلى الدراما الريفية إلى سينما الإسقاط السياسى إلى الفيلم الاجتماعى الجاد، وسينما الكوميديا الخالصة وكذلك الفيلم الغنائى ورغم هذا التنوع والتباين فى موضوعات هذه الأفلام إلا أنها جميعا قد صاغها سعد الدين وهية بنفس درجة الاقتدار والجودة الفنية الفائقة التى تؤكد ما كان يحمله هذا المبدع الرائد من موهبة قديرة مطواعة لكل ألوان الإبداع الدرامى. كما قدم لنا سعد الدين وهبة فى آخر سنوات عمره تجربة غير مسبوقة وهى تقديم السيرة الذاتية تليفزيونيا لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب تحت عنوان «حياة عبد الوهاب فى الفن والحياة» على حلقات مسلسلة من تقديمه تضمنت حوارا شائقا سرد خلاله محمد عبد الوهاب دقائق وأسرار حياته منذ مولده فى أوائل القرن الماضى وحتى قبيل وفاته فى بداية تسعينات نفس القرن، وبذلك أصبح لدينا وثيقة تاريخية تعرف من خلالها الأجيال اللاحقة قصة حياة أحد أكبر مبدعى الموسيقى والغناء إن لم يكن أكبرهم على الإطلاق. ورغم كل هذه الإبداعات فى حياة سعد الدين وهبة فإنها لم تنسه دوره كوكيل أول لوزارة الثقافة، حيث أنشأ قطاع الثقافة الجماهيرية كما ترأس اتحاد كُتاب مصر لأكثر من دوره وترأس مهرجان القاهرة السينمائى الدولى منذ عام 1985 وحتى وفاته وكذلك ترأس اتحاد الفنانين العرب وقد كرمته الدولة حين منحه الرئيس حسنى مبارك وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1985 وجائزة الدولة التقديرية 1988 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1990 تقديرا لما أسهم به فى نشر الثقافة الراقية فى مصر والوطن العربى.. وقد مرت ذكرى رحيله منذ شهرين دون الاحتفاء الواجب من وسائل الإعلام وبعد أيام قليلة سوف تأتى ذكرى مولده فى الرابع من الشهر القادم ولعلها تكون فرصة لتدارك هذا التقصير حيال هذا المبدع الخلاق وإلقاء مزيد من الضوء على مراحل حياته الإبداعية عرفانا بما قدمه من خدمات ثقافية جليلة تشهد بها إبداعاته الخالدة فى وجدان شعبنا العربى.