فى المؤتمر السنوى السابع للحزب الوطنى الديمقراطى وفى استعراضه أمام لجنة «مصر والعالم» لما وصفها بالتحديات الرئيسية التى تواجه الدبلوماسية المصرية، حدد السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية ستة تحديات هى بالترتيب الذى ورد فى حديثه.. السودان والعراق والقضية الفلسطينية، ثم المسألة اللبنانية والملف النووى الإيرانى وقضيه مياه النيل.. حديث الوزير عن هذه التحديات الستة يستلزم تعقيباً أراه ضرورياً للتوقف أمام بعض الملاحظات المهمة. الملاحظة الأولى وربما تكون شكلية تعلق بالترتيب الذى ذكره الوزير، وأحسب أنه غير مقصود باعتبار أنه لا يمثل الترتيب الصحيح وفقا لأهمية تلك التحديات ووفقا لأولويات السياسة الخارجية، إذ ليس منطقيا أن تأتى قضية مياه النيل التى تعد أخطر تحد استراتيجى يهدد الأمن القومى لمصر فى آخر قائمة التحديات الرئيسية للدبلوماسية المصرية. ثم إن من غير الممكن استراتيجيا أن تأتى قضية العراق مع الإقرار حسبما قال الوزير بأنه الجناح الشرقى للأمة العربية قبل القضية الفلسطينية.. قضية العرب المركزية ولب الصراع العربى الإسرائيلى والتى يظل السلام والأمن العربى وأمن المنطقة رهنا بتسويتها وقيام الدولة الفلسطينية. *** أما حديث الوزير عن استقرار السودان الذى وصفه بالتحدى الأول، فقد بدا متناقضا وأيضا متعارضا مع محددات الأمن القومى، ففى الوقت الذى أكد فيه أن استقرار السودان - كما هو معلوم - قضية أمن قومى لمصر، فإنه لا يرى «مشكلة فى انفصال الجنوب» باعتبار أنه لن يؤثر على حصة مصر من المياه، حيث يراهن على أن الجنوب كدولة مستقلة «سوف تأخذ التزاماتها من الدولة الأم»! غير أن رهان وزير الخارجية غير مضمون على إطلاق حتى مع إشارته إلى المساعدات التى ستقدمها مصر للجنوب فى استثمار المياه وإقامة السدود، خاصة أنه تحدث عن احتمالات العنف والصدام بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذى دفع مصر لطرح فكرة الكونفدرالية بهدف «رأب الصداع» على حد تعبيره. تطمينات السيد أبو الغيط بشأن انفصال الجنوب لا يجوز التعويل عليها، فمن المرجح أن السودان مقبل على أجواء حرب من الممكن أن تنشب عقب انفصال الجنوب، وسوف تكون لها تداعياتها التى تؤثر على الأمن القومى لمصر، وهذا هو التحدى الذى تتعين مواجهته والذى لم يتحدث عنه الوزير. ما لم يتطرق إليه الوزير أيضاً هو التقصير العربى بوجه عام والمصرى بوجه خاص فى ممارسة الضغوط الكافية على نظام البشير والحركة الشعبية فى الجنوب لاستمرار الوحدة السودانية، حيث غاب الحضور العربى المصرى القومى فى الأزمة وفى مواجهة التدخلات الخارجية والتحريض الغربى الأمريكى للجنوبيين على الانفصال. *** وفى قضية مياه النيل فإن شرح وزير الخارجية المستفيض للمصادر الأساسية لحصة مصر، حيث أوضح أن 85% منها تأتى من الهضبة الأثيوبية، وال 15% الأخرى تأتى من البحيرات العظمى من جنوب السودان، بدا تركيزا على الشق الجغرافى الفنى فى القضية، بينما أغفل الجانب السياسى وتجنب الرد على الاتهام الموجه للدبلوماسية المصرية بالتقصير تجاه أفريقيا ودول حوض النيل بوجه خاص، وعلى النحو الذى تسبب فى تراجع ملحوظ لدور مصر فى القارة وإهدار رصيدها السياسى المؤثر لدى دولها المختلفة. تأكيد وزير الخارجية أمام أعضاء الحزب الوطنى على أن مصر لن تعترف بأية اتفاقية إطارية لم تشارك فيها إلا عن طريق التفاوض والعمل مع دول الحوض لاستثمار مياه النيل، إنما يعنى فى حقيقة الأمر أن قضية مياه النيل وتمسك مصر بحصتها المقررة فى الاتفاقية هى أكبر تحد يواجه الدبلوماسية المصرية فى السنوات القليلة المقبلة، وهو الأمر الذى يتطلب تحركها المكثف والمتواصل واستخدام كل ما لدى مصر من رصيد سياسى سابق وكل ما لديها من إمكانيات بمشاركة جميع الوزارات واجهزة الدولة المعنية. *** ومع الإقرار بدوافع وواقعية النهج السياسى المصرى فى معالجة القضية الفلسطينية والتى وصفها الوزير بأنها أم القضايا من خلال المفاوضات للتوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، حيث تعد القدس قضية لا يمكن التنازل عنها من جانب المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وهو ما يعنى أن وجهة النظر المصرية السياسية هى الاستمرار فى خيار المفاوضات وحدها كآلية للتسوية، إلا أن وزير الخارجية تجنب الإشارة إلى الأطروحات العربية الأخرى بشأن خيارات أخرى بديلة للمفاوضات من بينها اللجوء إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن. ثمة ملاحظة أخرى على حديث الوزير بشأن الدولة الفلسطينية وتحديدا إشارته العابرة إلى أن يكون حجمها هو نفس حجم الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى يونيو 1967، إذ أن هذه الإشارة العابرة تنطوى على إيماءة واضحة بأن ثمة توافقا ضمنيا على أن إسرائيل لن تنسحب - إذا انسحبت - من ذات الأراضى التى احتلتها، بحيث يجرى تبادل للأراضى على الجانبين وهو أمر بالغ التعقيد عند التنفيذ. *** فيما يتعلق بالمسألة اللبنانية فى اهتمامات الدبلوماسية والسياسة الخارجية المصرية، فإنه لا خلاف على ما أكده السيد أحمد أبو الغيط من ثوابت مصر تجاه لبنان وفى مقدمتها منع التدخل الخارجى فى الشأن اللبنانى (المقصود إيران) والعمل على الاستقرار ومنع التصادم الداخلى بين الأطراف اللبنانية. وعن قضية العراق كأحد التحديات الرئيسية للدبلوماسية المصرية، حيث أشار الوزير إلى تحمل مصر لمسئولياتها تجاهه وإعادة فتح سفارتها فى بغداد عام 2008 بعد استقرار الأوضاع هناك، فإن حقيقة الأمر أن المسألة العراقية ومنذ الغزو الأمريكى صارت خارج الدائرة العربية وإلى حين إشعار آخر، ومن ثم فإن أقصى ما يمكن قوله وعمله.. مصريا وعربيا حتى الآن هو ما قاله له وزير الخارجية فى مؤتمر الحزب الوطنى وهو أننا نتابع عن كثب كل الأحداث فى العراق وعلى أعلى مستوى، ومن ضمن هذه المتابعة عن كثب السعى لتقريب وجهات النظر وأحتواء الخلافات بين الفرقاء العراقيين والحيلولة دون تصعيد النزاع والصراع الطائفى والمذهبى لضمان استقرار لعراق ووحدته. *** ولأن الملف النووى الإيرانى هو أحد التحديات الستة الرئيسية للدبلوماسية المصرية، والذى وصفه وزير الخارجية بأنه فى غاية الخطورة، فقد كان ضروريا - حسبما فعل - أن يعيد تأكيد موقف مصر الثابت الواضح فى هذا المحفل السياسى للحزب الحاكم وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولى بالمطالبة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها من السلاح النووى، والأهم أنه أعاد أيضاً تأكيد أن مصر تربط بين التسلح النووى الإيرانى والإسرائيلى معا. ما لم يقله الوزير أن إيران أمامها طريق طويل ووقت كبير لامتلاك أسلحة نووية بالفعل، بينما إسرائيل لديها ومنذ سنوات بعيدة ترسانة من هذه الأسلحة بالمخالفة لاتفاقية حظر الانتشار النووى، وبما يخل توازن القوى فى المنطقة ويهدد الأمن والسم الإقليمين، ومن ثم فإن أية ضغوط دولية خاصة أمريكية على إيران لوقف برنامجها النووى يتعين أن يسبقها أولاً الضغط على إسرائيل لإجبارها على التخلى عن ترسانتها النووية. *** يبقى أخيراً أنه باستثناء كلمات عابرة عن العلاقات مع القوى الدولية الرئيسية وأن مصر موجودة على المستوى الدولى والإشارة إلى ضرورة إعادة النظر إلى القوى الدولية الجديدة مثل الصين وروسيا فإن حديث الوزير لم يتطرق إلى مجمل السياسة الخارجية واقتصر على القضايا الإقليمية فقط دون استعراض لعلاقات مصر الدولية خاصة مع الولاياتالمتحدة.. القطب العالمى الأوحد حالياً، رغم أن اللجنة التى كان يتحدث أمامها فى مؤتمر الحزب الوطنى اسمها لجنة مصر والعالم.