بعد التوقف الذي كاد أن يكون مقصوداً من جانب إسرائيل وجهود التفاوض مع الجانب الفلسطيني الذي جاء في إطار رؤية خاصة لإسرائيل فى فرض أو ترويج بعض المفاهيم الخاصة حول التسوية السياسية المحتملة و محاولتها التأثير على المواقف الأخرى لصالح هذه المفاهيم، فقد عادت الجهود للتواصل سواء لاستئناف جهود التفاوض أو على الأقل الحد من التأثيرات السلبية سواء على مجمل المواقف أو على احتمالات التوصل لنتائج إيجابية تحد من السلبيات المتوقعة و تمهيد الطريق أمام تحريك الموقف وذلك من واقع الجهود التي تبذلها واشنطن بصفة خاصة والاتحاد الأوروبي بصفة عامة بهدف إيجاد مخرج يكفل استئناف التفاوض. و تجدر الإشارة إلى أن التفاوض إذا كان في حد ذاته قد أصبح فى وقت من الأوقات هدفاً كوسيلة للحصول على تنازلات عربية أو تسليم بمفاهيم إسرائيلية ويهودية وهو الأمر الذي جاء أساساً نتيجة ما وضح من رغبة إسرائيل فى الدفاع عن جهود الاستيطان الحكومية وغير الحكومية فى الأراضى العربية، وكذلك تصديرها لمبدأ يهودية وديمقراطية الدولة بما صاحبه من تفسيرات تجاوزت الواقع الحالى لتبشر بجولة لصياغة منظومة إسرائيلية تفتح لها المجال للنمو سواء للتراخى من جانب العرب أو بعض الاعتبارات الأخرى التى شهدتها الفترة الأخيرة. ولعل المناخ السابق قد أدى إلى إعلان القيادة الفلسطينية التوقف عن مواصلة المفاوضات «العبثية» كما أدى إلى إعلان الجامعة العربية من خلال لجنة المتابعة العربية التى عقدت بالقاهرة عن وقف المفاوضات مع إسرائيل وعدم استئنافها إلا فى حالة قيام الوسيط الأمريكى بتحركات جادة لإنهاء الصراع وفقاً لمرجعية السلام كما أشار البيان إلى التوجه لمجلس الأمن لبحث مسألة الاستيطان الإسرائيلى فى المناطق المحتلة . والغريب هو مبادرة مجلس الشيوخ الأمريكى باتخاذ خطوة مضادة ليس فقط للموقف الفلسطينى بل كذلك للموقف الأمريكى ذاته وذلك من خلال البيان الذى سارع المجلس بإصداره ويتضمن دعوة الإدارة لاستخدام الفيتو فى مجلس الأمن ضد أى تحرك دولى لإعلان دولة فلسطينية من جانب واحد مع الإشارة إلى أن السلام الحقيقى يأتى فقط خلال المفاوضات المباشرة، وهى مصادرة تتسم بطابع العضلات أكثر من إسهامها فى جهود السلام فى المنطقة وقد تبدو هذه الخطوة أيضاً غير متسقة مع جهود اللحظات الأخيرة التى تبذلها الإدارة الأمريكية فى محاولة لتذليل العقبات واستعادة الفاعلية للحركة التفاوضية من خلال كل من جورج ميتشل ثم دينيس روس «وما أشير إليه من حملهما مقترحات جديدة لاستمالة الموقف الإسرائيلى لم يعلن عن تفاصيلها بعد ومواصلة المسئولين الإسرائيلين والمجلس الوزارى بحث هذه المقترحات» رغم حرص الجانب الإسرائيلى على مواصلة التمتع بقدر أكبر من المساومة كالعادة . كذلك تبدو أهمية المواقف التى عبر عنها كل من المسئولين الروس فضلاً عن المسئولين الفرنسيين حيث ركزت الخارجية الروسية على أهمية دور الرباعية الدولية فى بذل الكثير من الجهود لاستئناف المفاوضات بالتنسيق مع الجامعة العربية فضلاً عن ما أكدته فرنسا فى مناقشاتها مع ميتشل من أهمية عدم التفريط فى القرار الخاص بدولتين فى المنطقة مع التأكيد على الدولة الفلسطينية المستقلة . ومن قبيل رب ضارة نافعة فقد أدى الموقف العربى والفلسطينى إلى مجموعة من النتائج الآخذة فى التطور فمن ناحية تبدو أهمية إقدام عدد من دول أمريكا اللاتينية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى حدود عام 1967 والتى بدأت بالبرازيل ثم فينزويلا والأرجنتين وكذلك بوليفيا مع التوقع باتجاه مزيد من الدول اللاتينية وغيرها بالتجاوب مع هذا الاتجاه فضلا عما تثيره الدعوة للذهاب إلى مجلس الأمن لمناقشة الاستيطان من تأثير على المناخ الحالى . و تجدر الإشارة إلى إعلان وزيرة الخارجية بأن بلادها ستحض إسرائيل و الفلسطينيين على البدء فورا فى بحث القضايا الأساسية خلال مباحثات السلام مع تعهدها بأن تعمل واشنطن على الحد من الخلافات بين الجانبين و طرح الأفكار عند الضرورة . نعود إلى التحركات الحالية والتى تتخذ أهميتها من محاولة دفع الموقف للتعبير عن قدر من الاعتدال لصالح المطالب الفلسطينية مع الحرص الأمريكى على إقناع تل أبيب باستعادة الحوار السياسى من خلال ما تبديه فى المقابل من إغراءات تحاول من خلالها الاستمالة بدلاً من المغامرة بوصول الحوار فى هذا المجال إلى ما قد يشبه الاستحالة.