وكأنما احتاجت عملية السلام الفلسطينى الإسرائيلى إلى ما يشبه الجرد السريع مع نهاية العام فى محاولة تبدو جادة لتجنب الفشل أو تنشيط وإخراج الأمور إلى منطقة آمنة تضمن محاولة توحيد الرؤى والاتجاهات نحو أهداف مشروعة لكل أطراف التفاوض أو ما يشبه محاولة مقاربة الحدود الدنيا لمواقف الأطراف بعيدا عن التشتت وهو الأمر الذى قد تركز عليه واشنطن بصفة خاصة خلال الفترة الحالية والقريبة القادمة وقد أظهرت دلائل الجرد وسير الأحداث وتطوراتها اتجاهات رئيسية يبدو من الأهمية وضعها فى الاعتبار: *إن زيادة التشبث الإسرائيلى لفرض مفاهيم خاصة على ما عداها من مفاهيم قد أدى إلى إعاقة التفاوض أو ما يقال عنه عدم النجاح فى تعزيز الرغبة لدى الطرف الآخر فى الوصول إلى مفاهيم منتصف الطرق لاسيما أن إسرائيل قد افترضت قدرتها تمرير هذه المفاهيم والوصول بها إلى اتفاق نهائى، فإسرائيل من ناحية قد أعلت قيمة يهودية الدولة كقاعدة أساسية يجب أن تشكل الأرضية للحوار، هذا ورتبت بعض النتائج الحالية والمستقبلية إلا أنه أيضا قد تناقض مع مفهوم آخر ونقصد به حقها فى إقامة مستوطنات على أى مكان حتى لو كان على أراض قد تخضع للغير مستقبلا. *إن المنطق الإسرائيلى قد اعتمد على محاولة ضمنية لتقنين الأمر الواقع بعد إحاطته بسياج تفاوضى خاصة فى مسائل تتعلق بمدينة القدس وغيرها، والجدير بالملاحظة أن إسرائيل وهى تستبعد – فى الواقع – رسم حدود سياسية نهائية لها مع محاولة رسم حدود من وجهة نظرها تمر بالاتفاق مع الطرف الآخر مع حدود الدولة الفلسطينية. *إن المنطق الإسرائيلى فى الاستيطان والذى يتعارض مع التصور العربى ثم الأمريكى حاول أن يبدى استقلالية فى هذا المجال رغم أنه لم ينجح سواء فى الحصول على شريك عربى للتفاوض أو دعم مادى أمريكى وهى محاولات يبدو أنها قد أصبحت مكشوفة إلى حد لا يمكن من استيعابها ناهيك عن فكرة التجاوب معها. *إن النوايا المرحلية لإسرائيل أصبحت تبدى تعارضا ليس خافيا من حيث ما تهدف إليه إسرائيل من رغبة فى علاقات طبيعية أو شبه طبيعية مع دول المنطقة العربية وبين اعتمادها على الضغط والإرغام لتحقيق أهداف تبدو نهائية أو شبه نهائية لإسرائيل. *إن الرائحة الدينية واليمينية الطاغية فى الموقف السياسى الإسرائيلى – وإن كانت تعد نتاجا او أمرا داخليا – قد أدت بها إلى تأثيرات ضارة على ما حولها سواء من دول عربية أو اتجاهات الإدارة الأمريكية الحالية. *إن القدرة الإسرائيلية على الجدال و«غلظ الرقبة» قد أنهك من يتعاملون مع الحكومة الإسرائيلية سواء فى الداخل أو الخارج كما وضحت نتائجه على الموقف الأوروبى الذى أصبح يبدى ابتعادا عن الموقف الإسرائيلى فى اتجاهاته الحالية او فى أوساط المعارضة الإسرائيلية سواء كانت حزب كاديما أو حتى حزب العمل شريكى الائتلاف واشاراتهما إلى أهمية الحد من النهج الرسمى الإسرائيلى الذى يؤدى - فى تصورهما - إلى ضياع فرص مواتية لإسرائيل كما يفوت عليها مزايا عديدة إذا تخلت عن تشبثها خاصة فى مجال الاستيطان، وذلك رغم استناد هذه الاتجاهات على تفسير خاص للمصلحة الإسرائيلية وأنسب الطرق المرحلية إلى تحقيقها. *وعلى الجانب الآخر فقد أدى موقف المفاوض الفلسطينى - ولو بعد فترة طويلة – إلى كشف صعوبة التجاوب مع التحركات والتصورات الإسرائيلية فى إطار الحوار الثنائى وبالتالى فقد نأى بالمفاوض الفلسطينى عن مواصلة إبداء التجاوب الجدى بعد ثلاثة أسابيع من الحوار وبالتالى فقد لجأ إلى عدم مواصلة الحوار المباشر مع الجانب الإسرائيلى والأهم فى تقديرى هو عدم المغامرة بتحمل مسئولية إقرار مواقف قد تبدو شبه نهائية وتحويلها فى النهاية لما يشبه الموافقة، وهو الأمر الذى فتح الباب على مصرعيه لمحاولة تصحيح المسار واستكشاف السبل الكفيلة لإعادة الموقف إلى سمة الجدية والقدرة على إنجاز اتفاقات مرضية تحظى بموافقة من قبل أطراف هذا الحوار أو التفاوض.