«فى مصر تولد شركة كل ساعة».. هذه ليست مبالغة ولكنها الأرقام التى تعلنها دائما وزارة وهيئة الاستثمار وتتباهى بها - وتعتبرها دليلاً على تحسن مناخ الاستثمار - ففى أسبوع واحد فقط وتحديداً فى الفترة من 7 نوفمبر وحتى 11 نوفمبر 2010 تم تأسيس 167 شركة جديدة بمتوسط يومى 33 شركة تقريباً توزعت فى قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإنشاءات وغيرها وفّرت 3 آلاف و81 فرصة عمل مباشرة. الغريب أنه عند حصر الشركات التى تم تأسيسها فى السنوات الأربع الأخيرة - وحسب أرقام وزارة الاستثمار - نجد أن عددها بلغ 464 ألف شركة بمعدل 58 شركة فى الساعة وبالرغم من ذلك فإن نسبة البطالة ارتفعت خلال نفس الفترة من 9% عام 2004 إلى 13% عام 2009. وإذا أخذنا عام 2009 نموذجاً لبيان عدد الشركات التى تم تأسيسها - وحسب أرقام هيئة الاستثمار - نجد أن الفترة من 1 يناير 2009 وحتى 30 نوفمبر من نفس العام شهدت تأسيس 503 شركات فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات برأس مال مصدر بلغ 5 مليارات و848 مليون جنيه و721 شركة فى القطاع الإنشائى برأس مال مصدر 8 مليارات و237 مليون جنيه. وشهد القطاع الخدمى تأسيس 2795 شركة بإجمالى رءوس أموال مصدرة بلغت 6 مليارات و976 مليون جنيه فى حين تم تأسيس 12 شركة فقط فى قطاع الخدمات التمويلية برءوس أموال 3 شركات و380 مليون جنيه. فى القطاع الزراعى تم تأسيس 580 شركة برءوس أموال 2 مليار و298 مليون جنيه فى حين تم تأسيس 412 شركة فى القطاع السياحى برءوس أموال 7 مليارات و224 مليون جنيه. أما القطاع الصناعى فقد نال نصيب الأسد من الشركات المؤسسة حيث شهد تأسيس 6036 شركة برءوس أموال مصدرة 49 مليار و629 مليون جنيه. د. صلاح الدسوقى رئيس المركز العربى للتنمية والإدارة يقول إن مفهوم الشركة هو مفهوم مطاط فهناك شركات الأشخاص وشركات الأموال.. ويمكن أن تكون الشركة فردية بمعنى أن محل البقالة مثلاً يمكن أن نطلق عليه شركة، وشركات الأشخاص قد تتكون من فرد واحد أو اثنين أو مائة أو أكثر وتتدرج من شركات التوصية البسيطة إلى شركات التضامن. أما شركات الأموال فتبدأ من الشركات ذات المسئولية المحدودة ثم الشركات المساهمة والأخيرة يمكن أن تكون «مقفلة» أى مقصورة على المساهمين ولا تطرح أسهمها فى الاكتتاب العام وفى أحيان أخرى تكون شركات المساهمة مفتوحة أى تطرح أسهمها فى البورصة وعدد المساهمين غالباً لا يزيد فيها على مائة فرد. وأضاف الدسوقى أن هدف وزارة الاستثمار من إعلان هذه الأرقام هو هدف دعائى للإيحاء بأن هناك إنجازات للحكومة، والواقع يكذب ذلك متسائلاً: كم ألف شركة انتهت ووقفت عن العمل وكم ألف شركة أعلنت إفلاسها ولكن الوزارة لم تعلن ذلك. وأوضح أن كل الشركات التى تعلن عنها الوزارة هى شركات قطاع خاص ليس لها رأس مال محدد مضيفاً أنه رغم الإعلان عن هذا الكم من الشركات فإن نسبة البطالة تزداد حيث وصلت إلى 25% من إجمالى القوى العاملة. وقال الدسوقى إنه كان يجب أولاً - قبل الإعلان عن هذه الشركات - معرفة متوسط رأس مالها وعدد العاملين الذي يعملون بها ومعرفة قيمة الإنتاج الذى يتحقق نتيجة إنشاء هذه الشركات مشيراً إلى أن أرقام الشركات المعلنة لا تؤثر بشىء فى الاستثمار القومى. وأضاف أن تأسيس الشركات لا يتعدى كونه شهادة ميلاد يتم تسجيلها مقابل سداد رسوم معينة وبعدها يكون لها مطلق الحرية فى أن تمارس نشاطها أو تتوقف. مغالطات عديدة/U/ أما د. صلاح جودة الخبير الاقتصادى فيقول إن المسئولين فى الحكومة للأسف يعتبرون أن زيادة عدد الشركات المؤسسة دليل على جاذبية مناخ الاستثمار وعلى أننا اقتربنا من أن نكون أحد النمور الأفريقية مشيراً إلى أن هناك مغالطات عديدة فى أرقام وزارة الاستثمار وأول هذه المغالطات هو أن الحديث عن رءوس أموال هذه الشركات مخالف للحقيقة، مشيراً إلى أن كل شركة لها 3 أنواع من رءوس الأموال (رأس المال المرخص والمصدر والمسدد أو المدفوع) وعادة عندما تقوم الشركة بإجراءات التأسيس فإنها تقوم بسداد رأس المال المطلوب دفعه أو سداده والذى يمثل 10% من رأس المال المصدر.. علماً بأن رأس المال المصدر هو 10% من رأس المال المرخص. فمثلاً إذا أرادت شركة أن يكون رأس مالها المصدر هو مليون جنيه فإن رأس المال المرخص به 10 ملايين جنيه أقصى رأس مال يصل إليه المشروع بعد 10 سنوات، ولذلك عند التأسيس نجد أن المؤسسين يقومون بسداد 10% من رأس المال المصدر أى 100 ألف جنيه لا غير ولذلك نجد أنه لو تم تأسيس 10 شركات مثلاً رأس مال الشركة المسدد هو 100 ألف جنيه فإنه فى هذه الحالة من المفروض أن رأس مال الشركات العشر هو مليون جنيه فقط ولكن وزارة الاستثمار تعلن عن أنه تم تأسيس 10 شركات برءوس أموال 100 مليون جنيه وهذا يخالف الحقيقة والواقع. وقال د. جودة إنه حتى تكون المقارنة عادلة فلابد من ذكر عدد الشركات التى تم إغلاقها أو أنهت نشاطها مشيراً إلى أن هناك عددا كبيرا من الشركات يتم إغلاقها وإنهاء نشاطها وخاصة فى المناطق الصناعية، وذلك بسبب عدم استكمال المرافق مثلاً أو بسبب عدم استخراج التراخيص وغيرها من التعقيدات الروتينية التى يواجهها المستثمرون. وطالب بضرورة توحيد الجهة التى تقوم بإصدار التراخيص للمشروعات الاستثمارية والتى تحتاج إلى موافقة 14 جهة على الأقل. فرص التشغيل/U/ د. محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها يؤكد على نفس الكلام السابق فيقول إن الإعلان عن إنشاء شركة جديدة معناه إضافة للدخل القومى لأن إنشاء أية شركة يعطى دلالة واضحة على أن حركة الاستثمار زادت ولكن الواقع يقول غير ذلك، ففرص التشغيل فى الاقتصاد ضعيفة وحجم الاستثمارات هزيل ومعدل ادخار الدولة قليل. أما د. مختار الشريف الخبير الاقتصادى ومستشار اتحاد الجمعيات الاقتصادية فأكد أن تأسيس الشركات فى وقت قليل يعتبر خطوة للأمام وتعزيزا لمناخ الاستثمار مشيراً إلى أن المشكلة تكمن فى الحصول على ترخيص التشغيل بمعنى أن تمارس الشركة أو المصنع نشاطه بالفعل. وقال الشريف إنه بالرغم من تطبيق نظام الشباك الواحد فى هيئة الاستثمار إلا أن هناك بعض المشاكل الخاصة بهذا النظام منها أن الموظفين المتواجدين داخل الشباك ليست لديهم حتى الآن سلطة إعطاء الموافقة من الجهة التى يمثلونها. كما أن كل جهة من الجهات الممثلة فى الشباك أمامها عقبات عديدة حتى تتفق على رؤية واحدة فمثلاً تريد وزارة الصناعة إنشاء مصنع فى مكان ما فترفض وزارة البيئة بحجة أن المنطقة التى سيقام عليها المصنع هى منطقة سكنية مثلاً. ويضيف د. مختار الشريف أن البيئة المصرية ليست مهيأة لتنفيذ كل القوانين الخاصة بكل هذه الجهات مشيراً إلى أن بعض المناطق وخاصة الصناعية لا يتوافر بها الخدمات والمرافق، لذلك تعوق تفصيل التراخيص الخاصة بالشركات والمصانع فتكون الشركات على الورق فقط وأيضاً من ضمن المعوقات الحصول على طاقة، كما أن بعض المناطق أصبحت مشبعة بالمصانع والشركات ولا تحتاج إلى أخرى. وطالب الشريف بضرورة أن يكون الترخيص متابعاً للتأسيس وألا يكون هناك فاصل زمنى بينهما حتى تتحرك عجلة الاستثمار والتنمية. د. سعيد عبد الخالق الخبير الاقتصادى يقول إنه وفقاً للأرقام المعلنة من وزارة الاستثمار فإن أى منشأة صغيرة يمكن أن يقال عنها شركة وأى مشروع يقدم خدمة أو سلعة يطلق عليه شركة ولكن ما يهمه هو حجم الصادرات وفرص العمل وعدد الشركات التى خرجت من السوق وتخصصت مطالباً وزارة الاستثمار بتوضيح حجم رأس مال هذه الشركات ونوعية منتجاتها وفرص العمل التى وفّرتها وتوزيعها الجغرافى وهل لها أثر فى تقليل الواردات من الخارج وزيادة الصادرات ونسبة المساهمة فى حل مشكلة البطالة وهل هى منشآت فردية أم مشروعات ضخمة وهل اعتمدت على القروض أم على تمويل ذاتى وهل هذه الشركات بها استثمار أجنبى وما إلى ذلك. حبر على ورق/U/ أما عادل العزبى نائب رئيس شعبة المستثمرين بالغرف التجارية فطالب بضرورة توافر خدمة ما بعد التأسيس وأن يتم تطوير نظام الشباك الواحد ليتحول من مجرد شباك داخل مبنى إلى أسلوب راق وحديث فى التعامل مع المستثمرين. وأضاف العزبى أنه بالرغم من التقدم الهائل الذى شهدته إجراءات تأسيس الشركات خلال الخمس سنوات الأخيرة فى الجهد والوقت إلا أن العديد من المكاتب التى تتولى تأسيس الشركات تشتكى من بيروقراطية لبعض الموظفين والتى تفتح الباب للسماسرة والرشاوى عند تأسيس الشركات ويجعلها مجرد حبر على ورق. وطالب بضرورة الارتقاء بالأجور وتفعيل نظم المحاسبة والثواب والعقاب لأن موظف الشباك هو الذى يتعامل مباشرة مع المستثمر وليس الحكومة. مراقبة النشاط/U/ أما حسن فهمى نائب رئيس هيئة الاستثمار فرمى الكرة فى ملعب الجهات الحكومية الأخرى فى أزمة تأخير تشغيل الشركات وقال إن نظام الشباك الواحد بالهيئة سهّل كثيراً فى إجراءات تأسيس الشركات، مشيراً إلى وجود دليل نوعى مكون من 176 صفحة بالهيئة يحتوى على جميع الإجراءات الخاصة بكيفية تأسيس الشركات. ويضيف أنه بناء على هذا الدليل يقدم المستثمر مستنداته للهيئة ويتم إعطاؤه ترخيص مؤقت لمزاولة أعماله ويتم مراقبة نشاطه بعد إعطائه الترخيص للتأكد من أن الشركة تعمل بالفعل. وأشار فهمى إلى أن الهيئة قامت بتأسيس مجمع لخدمات المستثمرين بكل محافظة لتسهيل إجراءات الحصول على تراخيص المشروعات الاستثمارية بهذه المحافظات.