لدينا ظاهرة غريبة فى مصر.. وهى الاهتمام بالشأن الخاص دون العام، مع أنه فى كثيرا من الأحيان يكون «العام» أكثر أهمية وذا تأثيرات مختلفة على «الخاص»، ومن يتابع انتخابات النقابات المهنية والنوادى الرياضية يلاحظ حرص الأعضاء على المشاركة الكثيفة فى تلك الانتخابات الخاصة.. بينما تنخفض أعداد المشاركين بشكل ملحوظ فى الانتخابات العامة سواء كانت لعضوية المجالس المحلية أو لعضوية مجلس الشعب أو حتى فى انتخابات الرئاسة فهل ما يحدث من عدم إقبال «المصريين» على الانتخابات العامة ميراث فرعونى حينما كانت توّكل الرعية أمور حياتها للفرعون ابن الإله، حيث له الحكم وعليها الطاعة فى مقابل أن يوفر لها الغذاء والكساء والأمن؟ وهل مازلنا نحتفظ نحن الأجيال الحديثة «بجينات وراثية» من أجدادنا القدامى؟ أم أن الأمر له علاقة بما تعرضت له مصر من غزوات متكررة.. فكل من كان «يشم نفسه» أو «يتمطأ» كان يسارع بفرد أجنحته على مصر وضمها إلى ولاية حكمة! ومن ثم اعتاد المصريون- فى العهود الغابرة- أن يولوا ظهورهم للحاكم الغازى وأيا كانت جنسيته وينصرفوا هم لممارسة شئون حياتهم. قد تكون تلك المحاولة السابقة (لتفسير) ظاهرة العزوف عن المشاركة فى الانتخابات العامة صحيحة أو خاطئة، ولكن المشكلة موجودة مع أن الظروف تبدلت والأجيال تغيرت.. وجربنا من قبل ونجحنا فى إجراء انتخابات عامة نزيهة وشفافة وعادلة سواء فى النقابات أو الأندية فلماذا يتقاعس البعض منا عن المشاركة فى الانتخابات العامة؟ والمشكلة أن هذا «البعض» يكون الأعلى صوتا فى الشكوى من أوضاع أو تصرفات غير سوية من قبل القائمين بالخدمة العامة التطوعية أو الرسمية! هذا مع أن الدستور والقانون يلزم الجميع «كحق وواجب» بالمشاركة فى صنع المستقبل بالقيام بما عليه من واجبات والمطالبة بما له من حقوق استنادا إلى مبدأ «المواطنة» والذى ينص على أننا جميعا سواء أمام القانون فى الحقوق والواجبات ولا فرق بين أى مصرى بسبب الدين أو النوع أو السن. وأعتقد أن أولى هذه الواجبات هو المشاركة فى الانتخابات العامة ومنها الانتخابات الحالية لاختيار «نواب» الأمة فى الدورة الجديدة للمجلس النيابى والمنوط بهم إصدار التشريعات التى تحدد قواعد وخطوات حركة المجتمع فى السنوات الخمس القادمة إلى جانب دورهم الرقابى المهم للسياسات والإجراءات الحكومية، هذا فضلا عن أن هذا المجلس هو الذى سيشارك فى اختيار المرشحين - للرئاسة ولمدة 6 سنوات قادمة. والمعنى أننا أمام دورة برلمانية فاصلة ومهمة فىتاريخ الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر. فهل نترك «بلطجية» الانتخابات أو المنظمات غير الشرعية تحدد لنا شكل مستقبلنا فى السنوات المقبلة، أم نذهب جميعا لصناديق الانتخابات ونحسن اختيار من يمثلنا؟ لقد قرأت وسمعت عن واقعتين غريبتين.. الأولى خاصة بدراسة أجراها رجل أمن سابق عن أحوال بلطجية الانتخابات حدد فيها الأسماء والأسعار والتكليفات وكأن هؤلاء أصبحوا أمرا واقعا لابد من التعامل معه، صحيح أن هناك بعض المهن تجد رواجا فى مواسم معينة مثل الانتخابات ومنها الخطاطون وأصحاب الفراشة ومكاتب الدعاية.. فهل أصبحت البلطجة مهنة مثلهم؟ ولماذا لا ينظم هؤلاء أنفسهم فى نقابة تدافع عن حقوقهم وتحقيق مصالحهم مثلها مثل أى نقابة مهنية أخرى؟ نعم.. إن شر البالية ما يضحك.. مع أن الأمر جد خطير.. فإذا كنا نعرف هؤلاء وما يتوقع أن يقوموا به فى الانتخابات وما يمكن أن تؤدى إليه أفعالهم عن إصابات ووفيات لبعض المواطنين العزل حسنى النية الذين يذهبون لأداء الواجب الانتخابى، إذا كنا نعرف كل ذلك فلماذا نتركهم أحرارا طلقاء وهم خطر على المجتمع؟.. لماذا لا يتم اعتقالهم حتى تنتهى الانتخابات ثم يفرج عنهم؟.. أليست الوقاية خيرا من العلاج؟ أما الواقعة الثانية فهى ما تردد عن مفتى جماعة الإخوان فى محاولة منه لشحن الأنصار.. بوصف يوم الانتخاب (بالغزوة) مطالبا «كتائب الردع» الإخوانية بالاستشهاد فوق صناديق التصويت. إلى هذا الحد يرغب البعض فى التضحية بأرواح إنسانية بريئة من أجل مكاسب دنيوية زائلة؟.. هل يستحق كرسى البرلمان وما يمكن أن يجلب لصاحبه من منفعة أن يستشهد من أجله البعض؟ هل هذه هى تعاليم ديننا الذى يحاول هؤلاء احتكار تفسيره وتطبيقه لأنفسهم وكأن غيرهم من أبناء المجتمع من الكفرة الأشرار أو من المرتدين المستحقين لعقاب الدين والآخرة؟ لماذا يخلط البعض الدين بالسياسة ويتخذ الأول وسيلة لتحقيق مكاسب آنية فى ملعب الثانية؟ مع أن المكاسب الآتية زائلة، بينما يبقى الدين إلى أبد الآبدين؟! إن محاولات استعراض القوة التى تقوم بها جماعة الإخوان والمتمثلة فى «المظاهرات» المتكررة فى بعض المدن.. الغرض منها إرهاب الناخبين.. وتخويفهم لعلهم يخشون المضرة ويظلون عاكفين فى بيوتهم لا يغادرونها فينفرد الإخوة وكوادرهم المدربة بالصناديق، فالغرض واضح واللعبة مكشوفة ولا أعتقد أن أجهزة الأمن سوف تسمح لهم بذلك وسوف تحمى الشرعية والنظام وتفرض الانضباط والسلوك القويم على الجميع، وإذا كانت تلك المحاولات قد خالت على بعض «المرفهين» فى المدن فإنها لن تدخل على أهلنا فى القرى والنجوع فى الصعيد والوجه البحرى، حيث العائلات القوية القادرة على فرض الانضباط والاحترام بين الجميع فى ظل منافسة حرة يفوز فيها من يحصل على أعلى الأصوات ويخرج منها الجميع كما دخلوها «أهل وجيران وحبايب»، حيث لا يفسد الخلاف فى المواقف ووجهات النظر للود قضية! *** لقد حاولنا فى (أكتوبر) الأسبوع الماضى أن نحيط الناخبين بالأحزاب الموجودة على الساحة من خلال ملف كامل عن البرامج والشعارات والقيادات، حتى يتبين الرشد من الغى وأن يحكم الناخب عقله وضميره فى اختيار الأصلح والأكثر قدرة على خدمة الوطن والدائرة التى يمثلها. نعم هناك الكثير من العناصر التى تؤثر على اختيارات الناخب منها القرابة والعصبية.. وكثافة الدعاية أو مدى معرفة الناخب بالمرشح واحتكاكه به.. ومدى ما قدمه المرشح من خدمات أو مواقف إيجابية.. كل ذلك مفهوم وطبيعى فى أية انتخابات عامة أو خاصة، ولكن فى النهاية سوف يتشكل المجلس من مجموع ما تم انتخابهم وكلما أحسنا الاختيار وكنا أكثر موضوعية كان المجلس أكثر قوة وحيوية وإنجازا، ومن عملنا سوف يسلط علينا. أخى الناخب.. أختى الناخبة صوتكم أمانة.. فلا تفرضوا فيها بالزبد الذى يذهب جفاء واحرصوا على اختيار من يقع ويمكث فى الأرض والله الموفق.