بلا أى ملمح من ملامح الدعاية الصاخبة، انتهت يوم الثلاثاء الماضى فعاليات «بانوراما الفيلم الأوروبى» والذى يقام للمرة الثالثة بالتعاون بين شركة مصر العالمية للسينما ومعهد جوته الألمانى بالقاهرة، وشارك فى فعاليات البانوراما هذا العام 22 فيلما من بينها 5 أفلام تسجيلية، كما شارك بالحضور عدد من صناع الأفلام المشاركة بالمهرجان مثل المخرج الفلسطينى مارسيل خليفة. وشهد فيلم الافتتاح «الجمال» أو «بيوتفل» للمخرج أليخاندرو جونزالس بطولة الممثل خافير باردوم حضورا جماهيريا كثيفا والفيلم إنتاج أسبانى- مكسيكى...تدور معظم أحداثه فى أحدى المدن الأسبانية الشاطئية فالبطل «أوكسبال» يتعرض للعديد من المواقف الدرامية فهو أب أربعينى لطفلين بنت فى العاشرة وصبى فى السابعة.. طلق أمهما لسلوكها المنحرف واضطرابها النفسى واستخدامها العنف والقسوة مع الأبناء.. البطل مهموم بمستقبل هذين الطفلين فهما يشغلان بؤرة تفكيره بالإضافة إلى أشياء كثيرة تشغله فهو مازال مهموما بأمهما بالرغم من كل سوءتها بل أنه لايمانع فى إعطائها بعضا من ماله القليل بل يعترف لها بأنه مازال يحبها!! كما أنه يتعامل بإنسانية مبالغ فيها مع بعض المهاجرين غير الشرعيين وكأنه أب أو أخ لهم بالرغم من أنه يستفيد من وضعهم السىء فى تحصيل الأموال واستخدامهم كعمالة رخيصة موفرة، فى محاولة لإضافة لمحة إنسانيه على البطل بالرغم من أن زمن التآخى الإنسانى ولى ولن يعود والغريب أن البطل يعرض نفسه للضرب وغضب الشرطة لأنهم حاولوا القبض على هؤلاء الأفارقة غير الشرعيين بالرغم من أنه الوسيط الحقيقى أو السمسار الذى يلعب دور حلقة الوصل بين هؤلاء المهجرين ورجل الشرطة الفاسد نظير بعض الأموال التى يقتنصها من هؤلاء المهاجرين بل تتدهور الدراما بالبطل إلى أن يكتشف أن شقيقه يخونه مع زوجته السابقة فيتوعده بالقتل لو اقترب منها أو من الأولاد بالرغم من علمه بسلوكها المشين وبالرغم من كونها طليقته بل تتدهور الدراما أكثر وأكثر لنصل إلى ذروة الألم الإنسانى لنرى البطل وهو ينزف دماء قاتمة من فمه ومن بين فخذيه فالبطل مصاب بداء السرطان اللعين الذى تمكن منه ويؤدى به إلى مشارف النهاية... أن الفيلم فى النهايه هو عمل تراجيدى استطاع الجمع بين عدد من التراجيديات فى آن واحد فأنت فى لحظة ما تشعر بالبطل وكأنه «عُطيل» المعذب بغيرته على زوجته أو بأنه «الملك لير» الخائف من مصير أولاده من بعده أو «هاملت» الذى يصارع ظروفا قاسيه وأوهاما كثيرة تتحقق فيما بعد.. كل هذا تم نسجه من خلال إطار مغلف بالواقعية الإنسانية فالسيناريو يتعرض للكثير من القضايا التى تشغل العديد من مثقفى العالم وتتخطى حدود بلدانها لتصبح هما عالميا فالفيلم يتعرض لسيطرة رأس المال على مقدرات البشر وكذلك استخدامها للمهاجرين غير الشرعيين لتحقيق أهدفها من الربح الوفير وإنتشار القرصنة وفساد رجال الشرطة وسيطرة الصينيين على أسواق العمالة الرخيصة إنها هموم مشتركة يشعر بمآسيها أهل الشمال وأهل الجنوب.. وتعد «بانوراما الفيلم الأوروبى» بمثابة رئة ومتنفس جديد لمشاهدة ورؤية فيلم مختلف سواء من ناحية الصناعة وأدواتها المختلفة «الإخراج، المونتاج، التصوير» أو من ناحية المواضيع أو القضايا التى تطرحها هذه الأفلام..