لا يكاد يمر يوم واحد فى فرنسا دون وقوع فضيحة أو أزمة تعكر صفو المناخ السياسى.. إذ تركزت الأضواء منذ الصيف على مؤسسة «لوريال» لمستحضرات التجميل العالمية التى أطلقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية صفة الغموض التى خلفت أزمة سياسية قانونية جاء هذا بعد تورط عدد لا بأس به من الشخصيات المرموقة فيما بين وزراء ورجال أعمال ورؤساء بنوك وساسة ينتمون إلى الحزب الحاكم. فمنذ سنوات نشب صراع عائلى بين أثرى امرأة فى فرنسا «ليليان بتنكور» المالكة لمؤسسة «لوريال» وابنتها «فرانسواز» أمام القضاء.. حيث اتهمت الابنة صديق أمها «فرانسواه بانييه» 62 عاماً باستغلال والدتها التى تبلغ السابعة والثمانين من العمر مادياً والحصول على مبالغ وأموال طائلة بدون وجه حق، منذ ذلك الوقت ووسائل الإعلام لم تهدأ سعياً للكشف عن حقيقة ما يجرى، لكن مع تفاقم الأحداث، وبعد الكشف عن سلسلة من المخالفات المالية، وعمليات الرشوة، والتهرب من الضرائب، وتهريب الأموال إلى البنوك السويسرية، قدم الصحفى الفرنسى «كريستوف أنطونيو» كتابا جديداً بعنوان «الليدى والغندور» فى يوم 24 يونيو الماضى، ويضم حوال مائتى صفحة، ليسجل أكبر نسبة مبيعات لصيف عام 2010، استند الكاتب فى عمله الجديد على عدة محاور رئيسية حيث تناول أولاً القضية المرفوعة من الابنة «فرانسواز» أمام القضاء، وطبيعة الاتهامات الموجهة إلى «بانييه» وحصوله على أموال طائلة إما فى صورة هدايا وتحف ولوحات نادرة وإما مبالغ عينية بلغت حوالى مليار يورو، ثانياً تورط وزير العمل الحالى ووزير المالية السابق «إريك» وورث وزوجته فيما سمى باستغلال كرم صاحبة «لوريال» ثالثاً كيفية استغلال بعض هذه الأموال الطائلة فى تمويل الحزب الحاكم فى حملته الانتخابية الرئاسية الأخيرة، ودون علم «بتنكور» نفسها. ذلك الأمر الذى أكدته - فى شهادة لها - المسئولة عن الشئون المالية بالمؤسسة الكبرى «كلير تيبوه» رابعاً تورط المدير العام المسئول «باتريس دى ماتر» فى سوء إدارة ثروة بتنكور. هكذا لم يعد من الصعب على القارئ إدراك حقيقة كافة الاتجاهات فى هذا الكتاب الذى بدا وكأنه مهرجان من عمليات الإثارة. حيث اعتمد «انطونيو» على التسلسل التاريخى للأحداث التى بدأت فعليا فى يوم 12 ديسمبر عام 2008، على أحد الأسواق الالكترونية التى فضحت طبيعة استغلال «بانييه» لصديقته الثرية العجوز لتبدو باقى القصة وأنها مسرحية سياسية وقضائية وقانونية ومالية مشوشة ومعقدة.. كان آخرها تعاقد سلسلة شركات «نستلة» السويسرية كمساهمين ومؤسسة مستحضرات التجميل الشهيرة، الأمر الذى كان له تداعيات وأبعاد صارخة على اقتصاد فرنسا المحلى، إذ كان من الأفضل لحكومة «ساركوزى» أن تنأى بنفسها بعيداً عن مثل هذه الصفقات المشبوهة.. أما مسألة طبيعة العلاقة بين المرأة الثرية وابنتها، فهذا ما أصبح مادة خصبة ومسلية للصحف والمجلات النسائية مما اثار من شغف القراء فى فرنسا. لذا بدأت تلك الحكاية الثنائية فيما بين الثرية العجوز وصديقها الفاتن ساحر النساء على المحك، حيث أصبح مستقبل أكبر مؤسسة لمستحضرات التجميل فى العالم مهددا، إنها قصة حياة امرأة التقت منذ حوالى عشرين عاماً وبانييه الذى ينتمى إلى أصول ألمانية واشتهر بملاحقة النساء الثريات من هن أكبر منه سناً، ركز الكاتب على طبيعة هذه العلاقة المعقدة التى جمعت بين شخصيات عدة، وكأنها أتت من واقع أسطورة «أتريد» اليونانية القديمة التى شهدت أول محاكمة جنائية فى تاريخ مدينة أثنيا إذ كانت هناك مسألة التجاوز والإفراط فى استغلال ضعف الآخر، أى تلك الجزئية التى تستند إليها الابنة فرانسواز ضد صديق الأم «ليليان بتنكور» حيث تبرز أهمية الكتاب فى الكشف عن طبيعة علاقة المليارديرة وذلك الصديق الانتهازى، هذا فى ظل سلسلة من الرهانات التى تتعلق بالحرب الدائرة الآن بين الصديق والابنة أمام القضاء، وبصفتها الوريثة الشرعية الوحيدة لثروة تبلغ حوالى 33% من مؤسسة لوريال الذى عمد الكاتب إلى وصف دقيق لشخصية ذلك الصديق الذى عمل لبعض الوقت كاتبا ورساما ومصورا فوتوغرافيا، تعود على مصاحبة المشاهير مثل الرسام المعروف سلفادور دالى، والكاتب لوى أراجون، وعازف البيانو المعروف «فلادمير هوروفيتز، والممثلة سلفانا مانجو، والكاتبة فتالى ساروت، وبيكيت وفرانسواه ميتران، والممثلة ايزابيل اوجانى، وكارولين دى موناكو. والمثير فى هذه الفضيحة أن هناك كتاباً جديدا آخر ظهر بالأسواق الفرنسية ويحمل عنوان «النموذج رويال» للكاتبين دانييل روك، وبياتريس كولان، تحدثا فيه عن طبيعة علاقة بتنكور وإسرائيل الأمر الذى لم يكن متوقعاً وسط خلافات عائلية تفرعت لتتجاوز فكرة المخالفات المالية والتهرب من الضرائب لتشمل واقعاً سياسياً فاسدا، إذا أنه منذ سنوات طوال تحرص أغنى امرأة فى فرنسا من أصول يهودية على المشاركة فى احتفاليات نظمتها الجامعات الإسرائيلية فى فرنسا، حيث حصلت جامعة تل أبيب على العديد من التبرعات العينية. كما حصل الباحثون الإسرائيليون على عدة منح دراسية تكفلت بها مؤسسة «لوريال» كما ساندت ومولت بتنكور. سرا عدة شخصيات نسائية إسرائيلية فى مجال الأبحاث العلمية ذات الطابع الخاص، كما أن أحد الإداريين الكبار بالمؤسسة، كان له دور فعال فى توثيق العلاقات مع الدولة العبرية، إذا أشرف بنفسه على ملف المقاطعة العربية، الأمر الذى اعتبر إخلالا بروابط الانتماء الوطنية القومية الفرنسية، كما تحرص مؤسسة لوريال منذ عام 2001 على توفير المنح الإسرائيلية وذلك بالتعاون مع اللجان الوطنية بهيئة اليونسكو.. وطبقاً لما ورد عن صحيفة «تريبيون» اليهودية قيل:«تتعلق هذه المنح بالمواهب العلمية وعلى أعلى المستويات. فإن البرنامج الخاص بإسرائيل تم بالتعاون مع اليونسكو.. ووزير البحث العلمى الإسرائيلى. وبعد لقاء تم بين الصحفية الإسرائيلية «سلفى بن سعيد» ونائب مدير عام العلاقات العامة فى مؤسسة لوريال بياتريس ووترسوم، كتبت تقول: إنه التعريف بتفوق وشجاعة النساء الإسرائيليات فى مجال العلوم، كما شرحت دورها المهم فى مسألة جائزة لوريال الكبرى والتى تشرف عليها هيئة اليونسكو كما ذكر هذا الكتاب الجديد أن حملة تبرعات بتنكور لإسرائيل بلغت على النحو التالى: أولاً 13.2 مليون يورو سنوياً لا تذهب إلى البنوك السويسرية. ثانياً تمويل مؤسسة بتنكور شولر التى تساند العلماء والأبحاث العلمية بما فى ذلك الفنانين، ثالثاً قامت مؤسسة لوريال فى عام 2009 بتوزيع 13.2 مليون يورو على مختلف الشخصيات الداعمة، وذلك فى صورة جوائز، مثل جائزة الباحثين الشباب وتبلغ قيمتها حوالى 25 ألف يورو، وجائزة بتنكور للعلوم الحية وتبلغ قيمتها 750 ألف يورو، وجائزة برنامج المستقبل وتبلغ قيمتها حوالى 300 ألف يورو، وجائزة بتنكور للغناء الأوبرالى وتبلغ قيمتها 40 ألف يورو، ليتساءل الكاتبان كيف يمكن لهذه المؤسسة الوطنية الفرنسية أن تصبح متعددة الجنسيات وتمنح الأموال الطائلة دون ان تفقد هويتها الفرنسية؟ وهل هناك نموذج استراتيجى وإدارى يمكن له أن يفسر أسباب كل هذا النجاح؟. فمن المعروف أيضاً أن هذه المؤسسة الكبرى حاصلة على حوالى 20 ألف شهادة جدارة وجودة على مستوى العالم، بحيث باتت الرائدة فى الأسواق العالمية وخاصة فى الصين. وجدير بالذكر أن فى بداية الثمانينات كانت الإدارة من الفرنسيين تمثل حوالى 70%، أصبحت فى التسعينيات إدارة من الأجانب وأمام هذه الظاهرة المثيرة للجدل فى الأوساط الفرنسية نشرت احصائية عن عام 2008 توضح أن فى فرنسا حوالى 7.8 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، أى يحصلون على 949 يورو، نصفهم لا يحصل إلا على 773 يورو شهرياً أى ما يعادل حوالى 6 آلاف جنيه مصرى. الأمر الذى بات يعنى أن فى فرنسا حوالى 8 ملايين شخص يعانون من الفقر، وهناك 9 ملايين آخرون يعيشون تحت خط الفقر.