إن جسد العراق ينزف من الفساد... هذا ما قاله قاسم الموسوى رئيس لجنة التعليم فى مجلس محافظة بابل العراقية فى تعليقه على قضية اختفاء أجهزة الكمبيوتر المحمولة المرسلة إلى تلاميذ المدارس فى بابل. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد كشفت أن الحكومة الأمريكية أرسلت 8080 جهاز كمبيوتر محمول تقدر قيمتها ب1.8 مليون دولار لتقدم كهدية لتلاميذ المدارس فى محافظة بابل إلا انها ظلت لشهور قابعة فى الجمارك فى ميناء أم قصر بجنوب العراق ثم اختفت بشكل غامض. وأشارت الصحيفة إلى الفساد المستشرى فى العراق قائلة إن قصة أجهزة الكمبيوتر هى مجرد جزء من اتجاه مألوف داخل البلاد، فبرغم كل شئ لا يأتى بعد العراق فى القائمة السنوية لمنظمة الشفافية الدولية حول الفساد سوى السودان وميانمار وأفغانستان والصومال. ومع ذلك، فإن قصة أجهزة الكمبيوتر أثارت غضب قائد القوات الأمريكية فى جنوب العراق الجنرال فينسنت بروكس وقد أصدر بيانا تضمن توبيخا لاذعا للحكومة العراقية وطالب فيه بضرورة فتح تحقيق فى تصرفات «مسئول كبير فى ميناء أم قصر» لم يكشف البيان عن اسمه، الأمر الذى تسبب فى إحراج كبير لحكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نورى المالكى الذى يخوض معركة سياسية حادة من أجل تشكيل الحكومة الجديدة والفوز بولاية ثانية، خاصة وأن الكشف عن هذه القضية جاء بعد وقت قصير من فضيحة الآثار التى تفجرت فى أوائل سبتمبر الماضى عندما قالت السفارة العراقية فى واشنطن إنها نقلت 633 قطعة أثرية إلى العراق عام 2008 وسلمتها إلى مكتب المالكى، بينما ظلت الحكومة العراقية على مدار أسبوعين تؤكد عدم تسلمها أيا منها ليتم العثور عليها فى أحد المخازن التابعة لمكتب المالكى الأمر الذى اعتبر بمثابة دليل قوى على الإهمال الحكومى. كما أوقعت هذه القضية، حسبما تقول نيويورك تايمز، السفارة الأمريكية في بغداد في مأزق، حيث وجد الدبلوماسيون الأمريكيون فى العراق، كما هو الحال مع نظرائهم في أفغانستان، أنفسهم مضطرين للتعامل بكياسة مع أخطاء حكومة ديمقراطية اسما جاءت بها القوات الأمريكية إلى السلطة. وكانت السفارة قد تولت على الفور مسئولية إصدار التصريحات حول هذه القضية، لكنها توقفت بعد ذلك عن الإدلاء بأي تصريحات أخرى وفضلت معالجة القضية بطريقة دبلوماسية. وقد اختفى البيان الأصلي الخاص بالقضية من على الموقع الإلكترونى للقوات الأمريكية بالعراق والذى جاء فيه أن أجهزة الكمبيوتر المحمولة وصلت الميناء في شحنتين بتاريخ 20 و23 فبراير الماضى. وقد أدرج اسم ميناء أم قصر عن طريق الخطأ فى مستندات الشحن الأصلية باعتباره الجهة المقصودة بدلا من بابل وهو ما أحدث ارتباكا. وفي أبريل تمكن الجيش الأمريكى من التوصل إلى مكان الشحنتين وحاول مرارا إخراجهما من الجمارك وشحنهما إلى مدينة بابل. لكن في أغسطس أقام العراقيون مزادا على 4200 جهاز من هذه الأجهزة وتم بيعها مقابل 45700 دولار. وظل مكان العدد الباقي من الأجهزة غير معلوم. وتحت وطأة ضغوط من مسئولين أمريكيين وعراقيين، أمر المالكي بفتح تحقيق من قبل «هيئة النزاهة»، وقد أدت التحقيقات إلى استعادة أجهزة الكمبيوتر التي بيعت في المزاد، وذلك وفقا لتصريحات مسئولين عراقيين، إلا أنهم رفضوا تقديم أى معلومات عن كيفية أو أين تم العثور عليها. وكل المسئولين الذين تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نفوا معرفتهم بمصير بقية الأجهزة. كما صدرت مذكرات اعتقال بحق 10 من موظفي الجمارك في ميناء أم القصر، ولكن من المستويات الدنيا فلا يوجد بينهم أي مسئول بارز. ويقال إن 6 منهم قد تم اعتقالهم. وعلى الرغم من ذلك، رفض المسئولون تحديد أسمائهم، ولم يتم الإعلان عن الاتهامات التى وجهت لهم، ليحيط الغموض بتفاصيل القضية كما هو الحال مع الكثير من الحقائق في العراق، حسبما تقول نيويورك تايمز.