مع أن أجوستو لوبيز «مدير إدارة برنامج التنافسية بمنتدى دافوس الاقتصادى العالمى والمشرف على تقرير التنافسية الدولية» وصف الاقتصاد المصرى بأنه الأكثر قدرة على قيادة الاقتصاديات العربية، فإن نتائج تقرير التنافسية العالمى لعام 2010/2011 لم تكن مرضية عندما وضعت مصر فى المركز 81 بين دول التصنيف ال139، والمركز التاسع بين البلدان العربية، ليتراجع بذلك وضعها التنافسى 11 مركزا هذا العام مقارنة بالعام الماضى، الذى احتلت فيه المرتبة ال 70 لتعود إلى موقعها السابق فى تقرير 2008/2009. والغريب، أنه فى ظل هذا الأداء المصرى المتواضع نجح الاقتصاد التونسى - الذى يشابه فى ظروفه الاقتصاد المصرى - أن يواصل نجاحاته محققا المرتبة 32 فى التنافسية، كما احتلت دول الخليج العربية مكانة ممتازة أيضا فى هذا الترتيب، حيث احتلت قطر المرتبة 17 وتلتها السعودية فى المرتبة 21 ثم الإمارات فى المرتبة 25، وعمان فى المرتبة 34، فالكويت فى المرتبة 35، وأخيرا البحرين فى المرتبة 37. ويستند هذا التصنيف الدولى - التنافسية الاقتصادية - على 12 مؤشرا رئيسيا، تتمثل فى البنية التحتية، وحجم السوق، وبيئة الاقتصاد الكلى، والصحة، والتعليم الأساسى، والتعليم العالى والتدريب، وكفاءة السوق والسلع، وتطور الأسواق المالية، وتكنولوجيا المعلومات، وكفاءة سوق العمل، وتطور الأعمال، والابتكار، لتأتى التنافسية الاقتصادية معبرة عن مجموعة المؤسسات والسياسات والعوامل التى تحدد مستوى الإنتاجية لأية دولة من الدول. وبالطبع، يحدد الرقم النهائى لمؤشر التنافسية العالمى مستوى الإنتاجية ومستوى الازدهار المستدام، الذى يمكن لأى دولة تحقيقه، علاوة على أن الإنتاجية العالية تعنى مستوى أعلى للدخل، كما تعنى عائدا أعلى على الاستثمار، وبالتالى مزيدا من الاستثمارات سواء الوطنية منها أو الأجنبية، وتراجع الترتيب يعنى خسائر اقتصادية لا حصر لها، لتراجع الإنتاجية وتدنى مستويات الدخول وتراجع عوائد الاستثمار وهروب الاستثمارات. وللانصاف، يمكن القول إن تراجع ترتيب مصر فى هذا المؤشر لا ينفى التقدم، الذى حققه الاقتصاد المصرى على مدار السنوات الماضية، لكنه يعنى أن الدول التى سبقتنا فى الترتيب قد حققت تقدما اقتصاديا بخطوات أسرع، ولهذا فلا يكفى أن تقوم مصر بتحقيق أداء إقتصاديا إيجابيا بنفس المعدلات الحالية وعلى نفس المسار، ولكنها يجب أن تقوم بتحقيق طفرة نوعية وكمية مما يتطلب تغييرا هيكليا، وذلك حتى يمكن الاستفادة من الثروة البشرية المصرية. لذلك لابد أن تؤخذ نتائج هذا التقرير الدولى فى الحسبان للوقوف على عوامل الضعف ولتحديد عناصر القوة، ولتكن التجربة التونسية هاديا لمتخذى القرار الاقتصادي، خاصة وأن تونس حققت تقدما ملموسا فى هذا المؤشر على الرغم من أنها ليست دولة بترولية، إلا أن ذلك لم يدفعها للاستسلام كغيرها من البلدان العربية غير الخليجية لمأساة غياب التكامل الاقتصادى العربي، وسارعت إلى تشكيل تحالفات اقتصادية قوية مع دول الاتحاد الأوروبى. وهنا يثار تساؤل مفاده: هل الأمانى ما تزال ممكنة فى مصر؟ بالطبع هذا ممكن لأنه بقليل من العمل يمكن أن تصبح مصر مركزا إقليميا لجذب الاستثمارات فى منطقة الشرق الأوسط، وذلك فى حالة تحسين قدراتها التنافسية والقضاء على تشوهات السوق بما حققته من إنجازات فى مجال البنية الأساسية، وبما لديها من رصيد معرفى وثقافى وكوادر بشرية. بل فى الوقت الذى يعترف فيه تقرير التنافسية فى نسخته الأخيرة بأنه لدى مصر مواطن قوة تساعدها على تحسين وضعها التنافسى، أهمها كبر حجم سوقها، مما يتيح للشركات الاستفادة من اقتصادات الحجم الكبير، علاوة على أنها تتمتع بشبكات مواصلات مُرضية، ومؤسسات خاصة متطورة نسبيا، يقرر أن التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى عديدة، وأهمها، سوق العمل المكبل بالعديد من الأنظمة العقيمة، التى تعوق توظيف القدرات البشرية بشكل يرفع الإنتاجية، حيث ينص التقرير على أن «استغلال مصر للمواهب يعد الأفقر فى المنطقة العربية». ويأتى التحدى الأكبر، تدنى مستوى التعليم، الذى يمثل عقبة فى زرع ثقافة الابتكار لدى الأطفال- وفقا للدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية- خاصة وأن تنافسية أى اقتصاد قومى تعتمد فى المقام الأول على نوعية مواردها البشرية ومؤهلاتها كأساس للنمو، وأن التعليم الجيد هو عامل أساسى نحو محاربة الفقر وتحسين نوعية الحياة، وهو مفتاح الانتقال من اقتصاد قائم على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة.