من العروض التى قدمت خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان «يا ساكنى مصر» للكاتب يسرى الجندى والمخرج سمير العصفورى. وتدور أحداثه حول شخصية الشاعرين المصريين أمير الشعراء أحمد شوقى وشاعر النيل حافظ إبراهيم حيث صاغ المؤلف نصه المسرحى ليعيد للمتلقى استكشاف مناطق فى حياة الشاعرين ويطرح من خلالها هموم الواقع المصرى. مثل اختياراته لأشعار حافظ الذى قيل عنه داخل العرض بأن شعره لم يكن يعكس فقره بل فقر الناس «وغدا القوت فى يد الناس كالياقوت» و «ايشتكى الفقر غادينا ورائحنا ونحن نمشى على أرض من الذهب». وعلى لسان أحمد شوقى «إذا الفتنة استشرت فى البلاد ورمقت النجاة فكن إمعة». ويجسد الفنان محمود الحدينى فى العرض شخصية أمير الشعراء أحمد شوقى، كما يجسد الفنان القدير أشرف عبد الغفور شخصية حافظ إبراهيم، وفى الوقت الذى تستمتع فيه بوجودهما كنموذجين من رواد وعشاق وصناع حركة المسرح المصرى وهما يقفان على الخشبة، تستمتع أيضا بحالة مبارزة فنية بين فارسين من فرسانه يقدمان رائدين راحلين من رواد صناعة الإبداع الشعرى «شوقى وحافظ». وبرزت عبقرية الكاتب فى تقديمه الشخصيتين من خلال قصائدهما دون اللجوء إلى وضع حوار على لسانهما لخلق حالة مسرحية كما هو متبع. وكان الاعتماد على صناعة فريق من الجن لمراقبة الشاعرين ووضع تقارير لكبيرهم هو البديل لخلق حالة الصراع والانتقال المكانى والزمانى وكشف أسرار وهموم الشخصيتين للمتلقى من داخل العرض الذى انتهى بهما منتصرين بحب الوطن، غير أن وحدة النسيج للعمل كانت تهوى كلما خرج الممثلون عن السياق اللغوى وتحدثوا باللهجة العامية آملين فى الحصول على إحدى ضحكات الجمهور. ويقدم المخرج سمير العصفورى فى هذا العرض موسيقى حية من خلال تقديمه لفرقه موسيقية حية على يسار المتلقى مواجهة للمثلين وهو ما يعيد للمسرح جزءاً كبيراً من حيويته التى افتقدناها فى العديد من العروض التى تفسد نفسها بتقديم أغنية يحرك المطرب عليهاشفتيه وهو ما ابتعد عنه العصفورى تماما مستثمرا جمال طاقة الممثل وروحه الحاضره على خشبة المسرح وقد أجاد فى اختياره لصوتين جديدين «وليد حيدر ونهاد فتحى»يقدمان عملا غنائيا ربما أشاهدهما لأول مرة ورغم جمال صوتيهما وإحساسهما الراقى بالكلمة المغناة وقدرتهما على التشخيص إلا أن المخرج وضعهما كأدوات وتيه لمخارج ومداخل انتقالية بين مشهد وآخر حتى أصبحا حاله شبه منفصلة عن سياق العرض المسرحى فى أحيان كثيرة رغم أنه استقى الأغانى من كتابات الشاعرين ولا أدرى إن كانا ضمن الشخوص التى كتبها المؤلف أم لا فى النص الأصلى غير أن اختياره لبقية صناع العرض من الممثلين اختيار وتوظيف جيد. كما قدم العصفورى العديد من الاستعراضات المنضبطة التى صاحبت العرض لم يكن العمل بحاجة إليها وهى أحد الأخطاء المتكررة فى مسرحنا المصرى حيث بدا العديد منها يكرر مقولات تحدثت عنها شخصيات العمل خاصة أن النص معتمد على شخصية الراوى التى تساهم فى تخطى القفزات المكانية والزمانية التى يرصدها العمل ورغم أن كل استعراض متماسك من ناحية التوحد الأدائى لفريق العمل الاستعراضى من الفتيان والفتيات واختيار الملابس وتصميماتها وألوانها إلا أن صناعة ذلك من أجل ايجاد مساحة إبهار كانت مفقودة بسبب خفوت عنصر مهم من العناصر الإخراجية العصفورى والتى تكمن جزئية الديكور حيث بدت العديد من المشاهد كما لو كانت تقدم على مسرح مدرسة السنية الثانوية للبنات بسبب فقر الديكور من الناحيتين الخيال الذى يستطيع كمشهد استعراض الجن واستعراض القصر الذى حاول اخفاء خلفية القماش بمشربية فى إحالة إلى أننا فى قصر الخديوى أن يخلق سينوغرافيا مسرحية عن طريق الملبس والضوء وجسد الممثل أو قطع الديكور التى اختفت فى أغلب مشاهد العرض المكون من فصلين مما جعل أغلب المشاهد «مفضوحة» إخراجيا وتحتاج إلى إعادة نظر. ومن المشاهد المستفزة فى العمل والتى يبدو أن المخرج أراد بها تقديم نوع من الفكاهة مشهد حرب كرومر وعباس الذى انتهى بنفى أمير الشعراء أحمد شوقى خارج البلاد حيث لخصها مخرج العمل فى رصد لقطة من ألعاب الكمبيوتر لملعب كرة قدم وضعه على شاشة من القماش من خلال تقنية الفيديو بروجيكتور وقسم مجموعة الأدوار الثانوية إلى قسمين يشجع الأول منهما الخديوى عباس والثانى كرومر بينما يقف الراوى قائلا «الخديوى عباس خد شلتوت وراح المنفى وخد شوقى معاه» وهو مشهد من مشاهد قليلة داخل العمل تستخف بعقلية المتلقى وتهين قدسية اللغة النصية والأدائية التى تجعلنا فى خلط بين روعة تقديم المخرج ل «الحدينى أحمد شوقى» أو «عبد الغفور حافظ إبراهيم» وروعة ممثلين آخرين كيوسف رجائى وعبد السلام الدهشان وغيرهم من صناع العرض خاصة أن هناك مشاهد قدمها «عبد الغفور/ شاعر النيل» بها من الكوميديا الكثير كتكراره كلمة من قصائده فى رده على الخديوى أو كبير الجن وفى المجمل نحن أمام تجربة مسرحية جيدة تجمع قمما مسرحية على رأسها كاتب ومخرج العمل وأبطاله الحدينى وأشرف عبد الغفور وعبد السلام الدهشان ويوسف رجائى.