مكان عرض هذه المسرحية التى شاهدتها لك منذ أسبوعين كان مسرح السلام قبل أن تعود إليه مسرحيته الحالية التى توقفت خلال شهر رمضان وهى "حباك عوضين تامر"، كان العرض والذى يحمل اسم "ياساكنى مصر" هو أول عرض مسرحى يشارك التليفزيون فى إنتاجه مع هيئة المسرح أى البيت الفنى للمسرح وهو التقليد الذى طالما طالبنا به لحاجة الإثنين إلى مثل هذه الخطوة.. التليفزيون والمسرح. التليفزيون مطلوب منه تجديد ما يقدمه لمشاهديه بعيدا عن البرامج المعادة والمسلسلات, والمسرح أيضا يستفيد من مشاركة التليفزيون إنتاجيا لتخفيف عبء الانتاج من جانب, وأيضا لتقدم المسرحية لجمهور المسرح فترة ثم تعرض لجمهور الشاشة بعد تصويرها تليفزيونيا. هذه المسرحية التي ربما تعد الأولي في الانتاج المشترك عن نص الكاتب الكبير يسري الجندي, حيث يتناول فيها هذه المنافسة الشرسة بين اثنين من كبار شعراء ليس مصر فقط ولكن العرب, وهما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. وبالطبع المنافسة هي تلك التي لا نشاهدها أو نلمسها حاليا, ولكن التنافس الجميل بين كبار فناني وكتاب وشعراء هذه الفترة الماضية من تاريخ مصر. تاريخ مصر في هذه الفترة كان يحمل الكثير والكثير من التقلبات والكثير من غيرها بسبب وقوع بلدنا تحت الاحتلال البريطاني. لكن مع هذا الاحتلال كانت المشاعر المتأججة بحب مصر والفياضة المستعدة لبذل أي تضحية في سبيل إعلاء كلمة مصر وإعلاء الوطن. في هذا الجو كان لدينا الشاعر أحمد شوقي والشاعر حافظ إبراهيم من خلال نص جيد ليسري الجندي أحمد شوقي إبن القصور والطبقة العليا وحافظ إبراهيم ابن الطبقة الفقيرة, ويقدم لنا العرض شيطان أو شياطين الشعر لشوقي, وعلي الجانب الآخر شياطين الشعر لحافظ إبراهيم. كل مجموعة تتحيز لشاعرها ومن خلال هذه المجموعات أو علي الأصح المجموعتين نشاهد الشياطين الشيك والشياطين الغلابة, وفي الخلفية نجد شاشة سينما كبيرة تعكس لنا أجواء مصر في هذا الزمن الذي يأتي قبل الثورة بسنوات. تعكس الشاشة مصر القديمة وأمامها يتحرك مؤيدو الطرفين المتنافسين لنشهد شوقي في بعض من أشعاره البديعة ثم نشهد حافظ إبراهيم في بعض من أشعاره التي تمس وجدان المواطن البسيط, وفي الخلف نجد كل المواطنين وهم يهتفون ضد الاستعمار. الاخراج لسمير العصفوري, ذلك الموهوب استطاع أن يقدم هذه المادة والتي أساسها شعر شوقي وحافظ في صورة ممتعة مستخدما ديكورا مناسبا لجو شوقي الارستقراطي وجو حافظ ابراهيم البسيط. بالفعل ديكور جيد يؤكد أجزاء مهمة من العرض. أيضا كان لدينا متعة أخري وهي متعة الغناء الذي استخدم فيه العصفوري اثنين من الأصوات الجيدة, بل الممتازة التي تليق بأن تغني لأشعار هؤلاء العظماء. كان لدينا وليد حيدر ولدينا نهاد فتحي والتي أستغرب من أين أتي بها المخرج, فهي صوت بديع قادر وقوي شارك في استمتاعنا بالأشعار وبدرجة كبيرة, بينما كانت الموسيقي لصلاح مصطفي والاستعراضات أيضا كانت جيدة لحسن عفيفي. لم تكن ثمة دعاية للعمل لكن ربما اسم العصفوري مع يسري الجندي كانا هما من العوامل التي جذبت المتفرج, وبالطبع إلي جانب أسماء الأبطال الذين سوف أقدمهم في السطور التالية. إذن لدينا بالفعل إخراج متميز لسمير العصفوري يحمل بصمته البديعة التي طالما أمتعنا بها عندما كان يتولي إدارة مسرح الطليعة ليتخرج في هذا المسرح أكثر من فنان مؤد, أي ممثل وممثلة من الرعيل الذين يحتلون الساحة الآن, هم حاليا نجوم ولن أعدد أسماءهم خشية أن تخونني الذاكرة في واحد أو اثنين. فماذا عن الأبطال؟ لدينا الفنان القدير محمود الحديني في دور أحمد شوقي ولدينا الفنان المبدع أشرف عبدالغفور وهما من أبناء المسرح القومي وأقدر من يقدم اللغة الفصحي وأقدر من يتلو الأشعار. بالفعل كان اختيارهما صائبا للغاية لنشهد مباراة حقيقية في الأداء, ويتصادف مع الأزياء أيضا أن يقترب محمود الحديني شبها من أمير الشعراء شوقي ويقترب أشرف عبدالغقور من خلال الزي والطربوش الذي ميز حافظ إبراهيم.. يقترب من شبه حافظ إبراهيم ناهيك عن أداء الإثنين البالغ الروعة. وباعتبار أننا في هذه الفترة من تاريخ مصر نجد أن حافظ إبراهيم في النهاية هو الذي يتوج أحمد شوقي أميرا للشعراء, ونجد شوقي يكمل هذه المبادرة العطوفة يقوم برثاء حافظ إبراهيم شعرا قائلا: كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتي من الأحياء. لقد كان الاثنان يمثلان القيم الجميلة. لدينا أيضا من الممثلين يوسف رجائي من تلاميذ أو محبي سمير العصفوري, خفيف الظل في أدائه وبالمثل كان خالد الدهبي جيدا مع عادل خلف وإيهاب صبحي ومحمد عبدالحميد. والتي قامت بدور الملكة كانت ياسمين النجار وكانت مكملة لهذه المجموعة البديعة من فناني المسرح.