في عمل أدبي مختلف صدر للكاتب المصري عمار علي حسن كتاب جديد عنوانه "عجائز البلدة" عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، وهو عبارة عن عمل سردي يرسم ملامح آلات وأدوات كانت تستعمل في الريف المصري وانجرف أغلبها مع التحديث الاقتصادي والاجتماعي. يقع الكتاب في نحو 260 صفحة من القطع المتوسط، كان الكاتب قد نشر بعضها منجمة ولاقت صدى طيبًا، ما شجعه، حسب قوله، على إكمالها وإصدارها في هذا الكتاب، الذي يختلف عن أعماله الأدبية السابقة من روايات ومجموعات قصصية. وتعبر كلمة الغلاف عن المضمون إلى حد بعيد، إذ تقول "يحوي حكايات تكشف جانبًا من تاريخنا الاجتماعي المنسي، وينجلي في سطوره كل ما يربطنا بجذورنا البعيدة، ليجعل الحنين يجرفنا نحو زمن ولى في غفلة منا، ولن نستعيده أبدا إلا حين يغوص كل منا في ذاكرته، التي أضناها الشوق والأسى، بسبب غربتنا الطويلة، خلال سنين نقلتنا من طفولة عفية إلى شيخوخة واهنة". وبدا عمار في كتابه هذا مستعيدًا لكل ما عرفه ولمسه عن آلات وحالات وأدوات، سادت ثم بادت، ليحولها إلى كائنات من لحم ودم، سواء باستنطاقها لتبث حزنها الدفين، بعد أن جارت عليها الأيام، أو برصد انفعال البشر معها، وقت أن كانت حياتهم مربوطة بها، وكانوا يحدبون عليها، ويهتمون بها، لأنها تشكل جزءا أصيلا من حياتهم. في هذا الكتاب السردي نقرأ حكايات بلغة شفيفة عن خمس وستين آلة ريفية، ذهب أغلبها مع ريح عصرنا المتوحش، مثل: النُورَج والطًنبُور والسَاقية والشَادوف والمِحرَاثْ والحَصِير والخُصْ والزيِر والقُلَّة والكَانُون والمَصْطَبة والسَحَّارة والسِبرتَاية والقُفَة والطَبْلِّية والطُلمْبَة والعَصِيد والرَحَاية والدَمَّاسة ولَمبة الجَاز والطَاحُونَة والمَاجُور والنَامُوسِيَّة والغُرْبَال والسِيْجَة والخُلخَال والكِردَان وغيرها. وقال الكاتب في مفتتح لكتابه "كل أسماء الأشياء التي وردت في هذه الحكايات كتبتها وفق لهجة قريتي الصغيرة المنسية في المنيا صعيد مصر، وهي قرية الإسماعيلية، مركز المنيا. وهناك من ينطقها بطريقة مختلفة في وادي مصر ودلتاها، وفي ريف العالم العربي من المحيط إلى الخليج، لكن الاختلاف حول المسمى لا يجرح الصورة والمعنى المستقر في أذهان الريفيين مثلي، أينما كانوا، لاسيما أولئك الذين يجرفهم الحنين إلى زمن كانت فيه هذه الأشياء سيدة في حقولنا وبيوتنا الخفيضة، التي لم تعد على حالها القديمة". وتنبع أهمية الكتاب حسب تعليق الناقد والكاتب المغربي هشام مشبال على صدوره من كونه ينطوي على تفاصيل من ذاكرتنا وهويتنا الجماعية حيث الحنين والحكايات والجذور، وقال "الكاتب يملك معرفة دقيقة وتجربة حياة في الريف مسكونة بالشوق" معربًا عن تطلعه إلى قراءة الكتاب لأنه في نظره "يقدم معرفة بأصولنا الاجتماعية التي بدأت تندثر مع سطوة الحياة المعاصرة والمتوحشة". أما عمار فقال وهو يقدم كتابه إلى قرائه ومتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي "بفضل ترحيب الصديقات والأصدقاء ب "عجائز البلدة" حين كانت تُنشر منجمة في مجلة "تراث" اكتملت السلسلة، وها هي تصدر في كتاب تأخذنا صفحاته إلى زمن جميل مضى، يعرفه جيدًا الريفيون أمثالي، وأعتقد أن أهل المدينة بحاجة إلى الإطلاع عليه، لأنه جزء من تاريخنا الاجتماعي المديد"، وحرص على أن يوضح أن ما نشر من الكتاب منجما لا يزيد عن ثلثه أو أقل. يذكر أن "عجائز البلدة" هو الكتاب الأدبي العشرون لعمار علي حسن، وأعماله عبارة عن عشر روايات وسبع مجموعات قصصية وقصة للأطفال وسيرة ذاتية سردية، إلى جانب ثلاثة كتب في النقد الأدبي، وعشرون كتابًا في الاجتماع السياسي والتصوف، وأعدت حول رواياته وقصصه خمس عشر أطروحة جامعية داخل مصر وخارجها، ونال عن أعماله الأدبية وفي العلوم الإنسانية عددًا من الجوائز منها جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي في القصة القصيرة وغيرها.