بعد نجاح التجربة خلال العامين الماضيين، تتجدد رحلة الأفلام المصرية إلى المدن الرئيسة في الأقاليم عبر المسابقة الرسمية للمهرجان القومي للسينما المصرية، في محاولة جادة تستهدف نشر الوعي الفني والثقافي وإشباع رغبة الجمهور الإقليمي في مشاهدة الأفلام الحديثة، التي عُرضت في القاهرة على مدار السنة، واحتسبت ضمن الإنتاج المتميز. وقد يتجاوز عدد الأفلام المشاركة المئة فيلم بجميع النوعيات والأجناس، حيث تتوافر الفرصة للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والتسجيلية والوثائقية، وكلها حديثة الظهور والعرض، وتمثل المسابقة السينمائية في المهرجان القومي نقلة نوعية للأفلام غير التجارية، كونها لا تتمتع بميزة العرض في دور السينما، وتعد مشاركتها في المهرجانات المحلية والدولية بمثابة متنفس مهم لرواجها وإثبات وجودها وإلقاء الضوء على صُناعها. ومن اللافت أن تجربة كسر احتكار القاهرة كعاصمة كبرى للعروض السينمائية والسماح بخروج الأفلام خارج المنطقة المركزية، هي التجربة الرائدة التي اختص بها المهرجان، سابق الذكر، ولم يسبقه إليها أي مهرجان آخر من المهرجانات المقررة طوال العام على فترات متفرقة، والجدير بالإشارة هنا أن محافظات الصعيد، التي تعاني من نُدرة المشاركة في النشاطات الفنية السينمائية، دخلت حيز الاهتمام وباتت واحدة من مناطق الزخم الجماهيري، حيث تشمل الرحلة الفيلمية الثقافية أكثر من خمس محافظات جنوبية من بينها، الأقصر وأسوان وسوهاج وأسيوط والمنيا والوادي الجديد، هذا بخلاف طواف الأفلام المشاركة أيضاً في محافظات الوجه البحري، ومنها الإسكندرية والبحيرة والشرقية، وكذلك يتم التركيز بصفة خاصة على المدن الساحلية ومناطق الجذب السياحي كبورسعيد والسويس والإسماعيلية وشرم الشيخ والغردقة. ولا يقتصر نشاط المهرجان السينمائي القومي الكبير، الذي يترأسه المخرج سمير سيف ويدعمه صندوق التنمية الثقافية ووزارة الشباب على عروض الأفلام وحسب، وإنما يتضمن ندوات للمناقشة والتحليل وأوراق عمل وحلقات بحثية وغيرها من أوجه التثقيف الفني، في ما يتعلق بجوانب صناعة السينما من تصوير وديكور وملابس واكسسوار وإضاءة ومونتاج ومكساج وديكوباج وموسيقى وسيناريو وإخراج وطباعة وتحميض، وكلها مجالات للإبداع وتشكيل الذائقة الفنية على المستوى الجمعي لعموم الجماهير، التي باتت متعطشة لمتابعة الأفلام الحديثة والاستمتاع بالجيد منها، بحُكم العطل الذي تعانيه غالبية دور العرض السينمائية التي تحولت إلى مغارات مهجورة أو بوتيكات لعرض البضائع المختلفة ل«تجار الشنطة»، ولعل ذلك من دواعي وأسباب مد الفعاليات والأنشطة في المهرجان السنوي المهم إلى المدن الإقليمية لتعويض الدور المفقود لأماكن العرض التقليدية. وتقدم قصور الثقافة في المحافظات المصرية تسهيلات كبرى هذا العام لدعم المهرجان والمساهمة في نجاحه، فهي تُخصص عددا من القاعات للعروض السينمائية، وتقوم بعمل الدعاية اللازمة لاستقطاب الجمهور، في محاولة من جانبها لتفعيل دورها الحقيقي كصروح ثقافية منوط بها نشر الفكر والثقافة والفن، وتشجيع الإبداع وتهيئة المناخ الملائم للمبدعين كي يقدموا إبداعهم بشكل لائق يتفق مع الطموحات المأمولة. من الأفلام الطويلة البارزة في خريطة العرض في الدورة الحالية، التي تنافس على الجوائز في المسابقات المهمة، «عقدة الخواجة، وعُطل فني، وطلق صناعي، وبني آدم، وكارما، وتراب الماس، والكهف، وعطل فني، وبلاش تبوسني، وأبلة طماطم والخروج عن النص»، ومن الأفلام القصيرة «7 قرون قبل الميلاد، ومستكة وريحان، ومزامير داود، والغافل وعيني عينك». ويكرم المهرجان في دورته الثانية والعشرين التي تستمر لنحو أسبوع، نادية الجندي وحسين فهمي، وفاروق الفيشاوي والمخرج السيد سعيد، ومدير التصوير محمود عبد السميع والمونتيرة عنايات السايس والمصور محمد بكر، وفي محاولة للتأكيد على أهمية السينما كذاكرة مهمة وأداة توثيق تعيش طويلاً، تم اختيار عبارة «لحظات لا تنسى» لتكون شعاراً للدورة الجديدة يحمل المعنى والدلالة ويُطلق العنان للخيال البعيد للربط بين الجمال السينمائي والتاريخ العريق ولحظات الاستمتاع الاستثنائية المتضمنة في الصورة والحوار والحالة الفنية.